كلمة الدكتور مصطفى الكتيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمناسبة تأبين المقاوم المرحوم محمد اجار سعيد بونعيلات رئيس المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير

بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله المنفرد بالدوام والبقاء والصلاة والسلام على من أرشدنا إلى ما ينبغي أن نكون عليه عند نزول القضاء وعلى آله وصحبه الصابرين في البأساء والضراء.
يقول الله عز وجل في محكم كتابه المبين: « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا « صدق الله العظيم.
الله اكبر ،الله اكبر، الله اكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
تشاء إرادة الله سبحانه وتعالى أن يغادرنا إلى دار الخلد ونعيم البقاء علم من أعلام المقاومة والجهاد سي محمد اجار سعيد بونعيلات الذي نودعه اليوم في هذا المحفل المهيب وقلوبنا مكلومة من هول المصاب الجلل الذي لامراد له ولا عزاء لنا في الفقيد العزيز سوى قول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم « إنك ميت وإنهم ميتون « .
فقيدنا العزيز المجاهد سي محمد اجار سعيد بونعيلات ،
في هذه اللحظة المؤثرة التي نودعك فيها الوداع الأخير مع هذه الصفوة من رفاقك المقاومين والمناضلين على درب الكفاح الوطني والنضال الديمقراطي، بقلوب مفجوعة ونفوس مكلومة وأفئدة مصابة بلوعة الفراق نتذكر ونستحضر جهادك المجيد وأدوارك الرائدة في الحركة الوطنية وفي المقاومة وجيش التحرير حيث تجشمت عناء الاعتقال والتنكيل وكنت خير مدافع عن قضايا وطنك تجهر بالحق ولا تخاف في الله لومة لائم، أبي النفس كريم الأخلاق، طيب الأعراق، لطيف المعشر، انخرطت مبكرا عن قناعة وبإيمان وحماس في العمل الوطني، وتطلعت إلى المستقبل بثقة واستطعت بفضل السجايا والمثل العليا ومكارم الاخلاق التي تحليت بها أن تبصم تاريخ الكفاح الوطني من اجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية وعودة الملك الشرعي من المنفى الى أرض الوطن داعيا لمواصلة الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر من أجل بناء وإعلاء صروح الوطن.
عشت مراحل حياتك النضالية بين الفعل الهادف والقول الصادق والسلوك القويم فتألق اسمك في المسيرة الجهادية التي تحقق بها عهد الحرية والاستقلال حيث رصعت بأياديك البيضاء مسيرة العمل النضالي الملتزم بحكمة واقتدار واتزان وتفاني ونكران الذات ثابتا على المبدأ، حافظا للعهد، مخلدا بمناقبك الحميدة وأعمالك الجليلة حياة مكللة بالمكرمات وفضائل الاعمال التي ستظل راسخة في ذاكرة الاجيال الجديدة والمتعاقبة ينهلون من معينها الفياض قيم الوطنية الحقة وأخلاقيات المواطنة الايجابية والمسؤولة والفاعلة، وواجب التشبث بالمواقف المثلى والذود عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية .
انخرطت مبكرا في صفوف الحركة الوطنية وانتظمت في خلايا حزب الاستـقلال بالدار البيضاء وعملت على نشر الأفكـار والمبادئ الوطنية والوعي الوطني على يد المرحوم بناصر حركات، وعقب تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، عينت مسؤولا عن التنظيم الحزبي بكريان سنطرال حيث تعرفت على قادة الحزب بالدار البيضاء منهم الشهيد محمد الزرقطوني وبوشتى الجامعي وبناصر حركات ومحمد منصور يرحمهم الله وعبد الرحمان يوسفي شافاه الله.
امتد نشاطك إلى عدة مدن خارج مدينة الدار البيضاء خلال أسفارك لنقل السلع على متن شاحنة خاصة بمدن تافراوت واكادير وتزنيت وتندوف، حيث كانت أسفارك مناسبة لاستقطاب المناضلين الجدد لصفوف الحزب ونشر توجيهات وتعليمات القيادة الحزبية وتوزيع صور السلطان سيدي محمد بن يوسف. ومع الإرهاصات الأولى لتأسيس الانوية الأولى للمقاومة والفداء، شرعت رفقة المجموعة التي انضممت إليها في البحث عن السلاح وصناعة القنابل المحلية وإجراء التداريب على استعمال السلاح، كما شاركت في العديد من العمليات من بينها التحضير لعملية تفجير القطار السريع الرابط بين الدار البيضاء ووهران في الجزائر.
اضطررت لمغادرة مدينة الدار البيضاء بعد أن القي القبض على مجموعة من رفاقك حتى لا ينكشف أمرك فاتجهت مع المرحومين عبد الله الصنهاجي ومحمد بن علال الرحموني إلى الشمال. وبعد لقاء المرحوم احمد زياد، استقر بك المقام بمنزل عبد العزيز العميري، وما أن علمت بخبر استشهاد البطل محمد الزرقطوني حتى عدت إلى مدينة الدار البيضاء حيث ربطت الاتصال بواسطة سعيد المانوزي بالقيادة وشاركت في اتخاذ العديد من القرارات وتسيير فرق المقاومة والفداء.
تميز عملك أيضا بالتنسيق مع المجاهدين الجزائريين حيث شاركت في مهمة الإشراف على إفراغ الباخرة «دينا» من شحنة السلاح القادم من مصر رفقة المرحوم حمدون شوراق ورجاله من أبناء المنطقة وثوار جزائريين قدموا خصيصا لهذا الغرض ثم شاركت من جديد في استقبال الباخرة الثانية « النصر « .
وكنت كذلك حاضرا في الاتصالات العديدة التي تمت مع أبناء أقاليم الشمال لوضع لبنات أنوية جيش التحرير. ولما تقرر انطلاق العمليات المسلحة لجيش التحرير بالشمال، توليت مهمة توزيع قطع السلاح على مختلف الفرق والتنظيمات في الجبهات المفتوحة بشمال الوطن.
وفي سياق المهام النضالية التي اضطلعت بها، توليت مهام قيادية إذ كنت عضوا بالقيادة العامة بتطوان وساهمت من موقعك في جميع القرارات التي همت جيش التحرير في مجال التسليح والتنظيم والتسيير، كما ساهمت في القرار السياسي المعبر عن مواقف جيش التحرير والمقاومة بصفة عامة.
وبعد الاستقلال، عدت إلى مدينة الدار البيضاء، وقمت بمؤازرة ومساعدة رفيقك المرحوم محمد منصور على الفرار من المستشفى ونقله إلى مدينة الناظور بعيدا عن أعين القوات الفرنسية التي كانت مازالت ماسكة بزمام الأمور.
كنت من المؤسسين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومن قادة حركة المقاومة وجيش التحرير وواصلت الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر من أجل بناء وإعلاء صروح المغرب الحر المستقل والمتضامن والمتقدم، تعرضت للاعتقال عدة مرات وخبرت المحاكمات التي طالت مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عانيت قساوة المنفى والاغتراب خارج أرض الوطن والملاحقات والمضايقات ثم الاختطاف من قبل عناصر الجلاد أوفقير، حيث صدر ضدك الحكم بالإعدام وبالسجن لمدد طويلة إلى أن استفدت من العفو الملكي سنة 1972.
وقد بقيت وفيا للعهد، ثابتا على المبدأ ملتزما بالمبادئ والقناعات التي حملتها كوطني غيور ومقاوم فذ ومناضل مخلص لدينه ووطنه وملكه.
ونظرا للأعمال البطولية التي قمت بها، كنت من بين الأقطاب البارزين في المقاومة وجيش التحرير الذين دعاهم وجمعهم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه في مارس 1973 للمشاركة في المؤتمر التأسيسي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وعينت عضوا بالمجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، كما انتخبت ضمن أعضاء مكتبه ولجنته الدائمة. وتوليت منصب رئاسة المجلس وهو المنصب الذي ظللت تشغله إلى أن وافاك الأجل المحتوم حيث كنت نعم المدافع عن المقاومين وأراملهم وأبنائهم وذوي حقوقهم، وهو تكريم مولوي سامي حظيت به، وقد وعيت كامل الوعي بهذا التكريم والتشريف بل وهذا التكليف فوقفت نفسك لأجله مستجيبا وخدوما متطوعا ومناضلا.
وكم كنت دائم الحضور في المناسبات الوطنية والذكريات التاريخية واللقاءات التواصلية التي تضطلع بها وتنظمها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مجال صيانة الذاكرة الوطنية، متتبعا ومشيدا بهذه الأنشطة المخلدة لأمجاد وروائع الكفاح الوطني والبانية والمشعة لثقافة القيم الوطنية والمواطنة الايجابية والسلوك القويم لتحصين المجتمع الوطني وتمنيعه وتربية الأجيال وتوعيتها وتنويرها بما يخدم مواصلة مسيرات الحاضر والمستقبل لهذا الوطن العزيز. واستحضر قولتك الشهيرة في شأن مبادرة خلق فضاءات الذاكرة الوطنية للمقاومة وجيش التحرير بمختلف ربوع المملكة: « سنرحل جميعا وستبقى هذه الفضاءات شاهدة على مراحل الكفاح الوطني، حافظة للذاكرة الوطنية «.
ووفاء واعترافا بخدماتك المبرورة وأياديك البيضاء في سبيل الدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، حظيت بشرف الإنعام المولوي السامي عليك بوسام العرش من درجة فارس. أنعم به عليك جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة تخليد الذكرى 49 لعيد الاستقلال المجيد في 18 نونبر 2004. وكذلك حظيت من جلالته بنيل أولى بطاقات العضوية والتأمين الصحي الإجباري في المراسم التي جرت بالقصر الملكي بالدار البيضاء في 12 شتنبر 2007.
وجرى تكريمك والاحتفاء بك من لدن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مناسبات عديدة كان آخرها في 9 فبراير 2015 بمسقط رأسك بمدينة تافراوت رفقة صفوة من المناضلين والمقاومين وأعضاء جيش التحرير من أبناء المنطقة .
كما أستعيد في هذه اللحظة، لحظة تذكير واستحضار، حضورك ومشاركتك رغم ظروفك الصحية الصعبة لتخليد ذكرى استرجاع إقليم وادي الذهب يوم 14 غشت 2017، وكأنه آخر حضور لك ومشاركة لك في تخليد الذكريات الوطنية.
وعندما ألم بك المرض في الأيام الأخيرة، كنت دائما في اتصال وطيد معك مستفسرا عن حالتك الصحية، كما كنت أزورك في بيتك وفي المصحة رفقة العديد من إخوانك المناضلين والمقاومين وعلى رأسهم المجاهد عبد الرحمان يوسفي أطال الله عمره، الذي كان دائم الحضور يلازمك يوميا لساعات طوال وظل وهو يخضع في الآونة الأخيرة منذ الاثنين الأخير لمراقبة طبية خارج أرض الوطن، يسأل عن أحوال وضعك الصحي حتى الأمس عندما كنت في عيادتك، واتصل صباح اليوم للتعبير عن تعازيه ومواساته وعن تأثره الشديد بفقدان رفيق العمر منذ سنة 1942 ورفيق طريق النضال الوطني.
فنم قرير العين فقيدنا العزيز، فهاهم أبناؤك البررة وأحفادك الكرام الذين ربيتهم فأحسنت تربيتهم ورفاقك المناضلين والمقاومين الذين عايشوك وجايلوك وخبروا نضالك وقدروا أفضالك وكل أبناء الوطن يدينون لك بالوفاء والبرور والعرفان، والوطن ولاد والوطن بار بأبنائه من أمثالك الذين يحق أن تخلد أسماؤهم وسيرهم ومسيراتهم النضالية لتظل بيننا ولو غابوا، حاضرة وماثلة نغترف من معينها وعضاتها ومبراتها.
فسلام عليك أيها الراحل في الخالدين وسلام عليك في المجاهدين وسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا إلى جوار المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.
فاللهم أسكن فقيدنا جنات الخلد وفردوس النعيم وأحسن وفادته وأكرم نزله والهم ذويه الصبر والسلوان.
« يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي»
انا لله وإنا اليه راجعون .
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


بتاريخ : 07/11/2017

أخبار مرتبطة

  لم يتمكن طلبة كليات الطب والصيدلة الذين حجّوا إلى العاصمة الرباط أول أمس الاثنين من مدن مختلفة من تنظيم

  صبّ المهندسون المعماريون بالدار البيضاء أول أمس الإثنين جام غضبهم احتجاجا على وضعية «البلوكاج» غير المسبوقة التي آلت إليها

  قرر المهندسون المغاربة خوض  إضراب عام يومي 9 و21 ماي 2024 مع وقفتين احتجاجيتين. وكشفت اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *