بالمباشر : لم يمر في صمت..صديقي !

عزيز بلبودالي

 

لم يمر اليوم الوطني لمكافحة السرطان يوم الثلاثاء الأخير، بالنسبة لشخص مثلي له صديق جد مقرب مصاب بهذا الداء، في صمت ودون أن أنتبه له كما لم ينتبه له الكثيرون. بل، لم يمر يوم، منذ ما قبل ثلاث سنوات، دون أن أتذكر وأنتبه إلى وجود السرطان في حياتنا، ولكي أكون صادقا، لم أكن أنتبه، في الحقيقة، لوجود السرطان، ولم أكن لأركز على معرفة أسباب بروزه ولا أعراضه ولا تداعياته، قبل أن تصلني مكالمة هاتفية في أحد أيام صيف 2014، وكان صديقي محمد شروق هو المتصل ليخبرني أن كل الفحوصات والتحاليل التي خضع لها تؤكد إصابته بذلك الداء.
لم يمر في صمت، وكيف لشخص مثلي له صديق أصيب بالسرطان وقرر رفع التحدي في وجهه ونجح بامتياز في مقاومته ومكافحته، أن ينسى وأن يترك هذا اليوم يمر في صمت دون أن يتفاعل معه؟
نعم، هي مكالمة صديقي الهاتفية وأقر بذلك، التي فتحت أمامي عالما كان مجهولا لا نعرف عن خصوصياته الشيء الكثير، أو ربما كنا نتجنب الاطلاع على خصوصياته، بل وحتى عندما كان السرطان يحضر في أحاديثنا أو في مقالاتنا، لم نكن نسميه باسمه، وكنا كما يفعل غالبية الناس، نذكره بألقاب وصفات أخرى لن أستحضرها الآن التزاما بما تعلمته من صديقي محمد شروق كون تلك الصفات تساهم في زعزعة ثقة المرضى وتحبط عزائمهم.
لم يمر يوم، منذ أن تلقيت تلك المكالمة الهاتفية، دون أن يقتحم هذا المرض جلساتنا ولقاءاتنا، بل وحتى عندما نلتقي في ندوة صحافية، أو في حفل أو عرس، أو أمام شاشة التلفزة لمتابعة مباراة كروية، لابد وأن ينتفض موضوع السرطان فارضا وجوده بيننا، تارة نستحضر حكاية صديقنا شروق مع المرض، وكيف ألهمه في تأليف كتاب يسرد من خلاله تجربته معه، وتارة، ونحن نتابع كيف يحكي لنا عن حالات لمرضى تعرف عليهم، أو قاموا بالاتصال به كرئيس لجمعية أسسها للتوعية وللتحسيس وأطلق عليها اسم « نحن والسرطان». وتارة، عندما يحل ضيفا على برامج تلفزية أوإذاعية، ونكون، نحن أصدقاؤه، مطالبين بإعطاء شهاداتنا وإفاداتنا حول الموضوع.
لم يمر في صمت، وكيف يمر صامتا وهو يذكرني أن لي صديقا أفتخر به كرمز لم ينجح فحسب في مقاومة الداء، بل أصبح متطوعا وعاملا دون أن يمل ويتعب في تقديم الدعم النفسي والمعنوي لكل من يحتاجه من المرضى. وكيف لي أن أرى ذاك اليوم يمر في صمت، وقد حظيت بشرف عضوية لجنة تشتغل على تنظيم « سباق الأمل محمد شروق» ضمن كوكبة من الزملاء وبمعية البطلة العالمية الإنسانة نزهة بدوان؟
سباق الأمل محمد شروق، مازال، للأسف، أسير المخاض منذ 2015، ولم ير النور بعد، منذ أن أعلنت نزهة بدوان عنه واقترحته ليشكل موعدا سنويا ينظم للتحسيس والتعريف بالسرطان، دعما لمرضانا وأسرهم، وكم تمنيت أن يخرج هذا السباق للوجود، وينجح محمد شروق في ما نجح فيه بطل من كندا اسمه تيري فوكس!
ولمن لا يعرف حكايته، هو تيرنس ستانلي فوكس المعروف بتيري فوكس، ولد سنة1958 وتوفي في 1981، هو رياضي وناشط في دعم أبحاث السرطان، قام في عام 1980 بالركض عبر كندا بساق واحدة، بعد أن بُترت له الأخرى، لجمع الأموال والتوعية حول أبحاث السرطان، لكن انتشار السرطان في جسمه أجبره على وقف مسعاه بعد 143 يوما، بعدما قطع 5373 كيلومترا، وأسفرت جهوده عن نشاطات دعم لأبحاث السرطان في جميع أنحاء العالم، وقد أصبح «ركض تيري فوكس» حدثا عالميا سنويا، منذ عام 1981، يشارك فيه الملايين من المشاركين في أكثر من 60 بلدا، ويعتبر الآن أكبر حدث عالمي لجمع التبرعات في يوم واحد لأبحاث السرطان، لقد تم جمع أكثر من 500 مليون دولار كندي باسمه.
في اليوم الوطني لمكافحة السرطان، لن نصمت، سنعلن عن دعمنا لكم مرضانا، سننظم سباقنا كما نظمه ثيري فوكس.. !
لم يمر في صمت صديقي، وإن مر عند مسؤولينا في صمت، فالأمر لم يثر فينا أي استغراب، لقد تعودنا على صمتهم، ألم يصمتوا وما زالوا صامتين ونحن ندفن خمس عشرة من فقيراتنا قبل أيام؟
سنرفع صوتنا لمكافحة السرطان الداء، لكن سرطان صمتهم هو الداء الأكبر والأخطر!!.

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 24/11/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *