استثمارات جديدة بقيمة 35 مليار درهم في صناعة الأسمدة بالجرف الأصفر تهدف إنشاء وحدات صناعية مندمجة ومكتفية ذاتيا من الطاقة الكهربائية

 

يستعد المجمع الشريف للفوسفاط لإطلاق الموجة الثانية من الاستثمارات في صناعة الأسمدة بالجرف الاصفر. ويتضمن البرنامج الجديد إنجاز 6 وحدات صناعية مندمجة بتكلفة تناهز 35 مليار درهم، والتي ستوفر عند اكتمالها في أفق 2025 قدرة إنتاجية إضافية تقدر بنحو 6 مليون طن في السنة.
ويندرج هذا البرنامج في سياق السياسة الجديدة لتثمين الفوسفاط، التي انتهجها المجمع الشريف للفوسفاط مند سنة 2008، وتهدف أساسا إلى تصنيع الفوسفاط محليا بدل تصديره كمادة خام. ففي مرحلة أولى اتجهت هذه الإستراتيجية إلى تطوير ما هو موجود والرفع من الإنتاج دون استثمارات إضافية، وذلك عبر رفع إنتاجية المصانع الأولى التي أنشأت أواسط التمانينات في إطار مشروع «مغرب فوسفور». بعد ذلك دخلت الاستراتيجية مرحلة استثمارات مكثفة غيرت وجه الصناعة الفوسفاطية بالمغرب، سواء على مستوى الاستخراج المعدني، أم اللوجستيك، أو على المستوى الصناعي. ومن أبرز محطات هذا التحول تدشين أنبوب نقل لباب الفوسفاط من خريبكة إلى الجرف الأصفر في 2014، ومباشرة بعده تدشين الوحدة الصناعية المندمجة الأولى للأسمدة في 2015، بقدرة إنتاجية تناهز مليون طن سنويا، والتي خصصت لتموين الأسواق الإفريقية، لتتبعها ثلاث وحدات مماثلة على التوالي في 2016 و2017 وبداية 2018.
عندما تجاوز المغرب أمريكا

في ظرف وجيز مكنت هذه الاستراتيجية الصناعية الطموحة المجمع الشريف للفوسفاط من زحزحة مجموعة «موزاييك» الأمريكية من قمة هرم منتجي الأسمدة في العالم. فمع تدشين الوحدة الصناعية الرابعة للأسمدة، المرتقب بعد أسابيع في يناير من 2018، سترتفع الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمغرب من الأسمدة إلى 12 مليون طن، منها 10.5 مليون طن في الجرف الأصفر و1.5 مليون طن في آسفي. وبذلك سيصبح المغرب أول منتج للأسمدة في العالم أمام الولايات المتحدة التي تتوفر على قدرة إنتاجية تقدر بنحو 11.5 مليون طن.
بنظرة إلى الوراء تبدو المسافة التي قطعها المغرب كبيرة، انتقل خلالها من بلد كان يصدر الفوسفاط الخام إلى بلد يصدر الاسمدة المصنعة من الفوسفاط. كانت البداية في سنة 1986 بإنشاء 4 وحدات غير مندمجة لصناعة الأسمدة في الجرف الأصفر. وكانت طاقتها لا تتعدى 2.5 مليون طن. غير أن الانطلاقة الفعلية للتصنيع لم تبدأ إلا في 2008، مع إطلاق الاستراتيجية الصناعية الجديدة التي حولت منطقة الجرف الأصفر إلى أكبر منصة صناعية لإنتاج الأسمدة في العالم، تمتد على مساحة 1800 هكتار، وتشغل 4700 عامل بينهم مهندسين وتقنيين من مستوى عال، كلهم مغاربة. إضافة إلى 10 آلاف عامل غير مباشر عن طريق شركات المناولة والتعاقد من الباطن التي تسدي يوميا خدماتها لمركب صناعة الأسمدة.
وبالموازاة مع صناعة الأسمدة طور المجمع الشريف للفوسفاط صناعة الحامض الفوسفوري، الذي يعتبر المادة الأولية لصناعة الأسمدة. وبدأ بقدرة 1.4 مليون طن في السنة عام 1986 ليصل إلى 4.7 مليون طن في 2015، ثم 6.6 مايون طن حاليا، و10.6 مليون طن في 2025.
مخطط تنموي بتكلفة 199 مليار درهم

حددت الاستراتيجية الصناعية الجديدة للمجمع الشريف للفوسفاط هدفين رئيسيين في أفق 2025، رفع حجم الإنتاج المعدني إلى 58 مليون طن، وزيادة القدرة الإنتاجية للأسمدة إلى 18 مليون طن في السنة. لبلوغ هذا الهدف قدر المجهود الاستثماري الإجمالي الذي سيكزن على المجمع الشريف للفوسفاط أن يتحمله خلال الفترة ما بين 2008 و2025 بنحو 199 مليار درهم. ووزعت هذه الاستثمارات على ثلاث موجات. تشمل الموجة الأولى، بين 2008 و2017، استثمار 75 مليار درهم بهدف زيادة إنتاج مناجم خريبكة عبر تهيئة واستغلال مواقع جديدة، وإنشاء خط الأنابيب لنقل لباب الفوسفاط من خريبكة إلى الجرف الأصفر، وتوسيع ميناء الجرف الأصفر.
أما الموجة الثانية التي تمتد حتى 2022، فتتعلق باستثمار نحو 94 مليار درهم في مشاريع توسعة مناجم الغندور وخريبكة، وإنشاء مصانع جديدة في آسفي، ومركب صناعي جديد وميناء تصدير في العيون.
فيما ستعرف الموجة الثالثة في أفق 2025 استثمارات بقيمة 30 مليار درهم في توسعة مناجم الغندور ومضاعفة القدرة الإنتاجية للمركب الصناعي الجديد في آسفي.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تثمين مكانة المغرب باعتباره يتوفر على 73 في المائة من الاحتياطي العالمي لمعدن الفوسفاط، والإرتقاء بالمجمع الشريف للفوسفاط صناعيا ولوجيستيكيا ليلعب دوره الريادي في السوق العالمية للفوسفاط ومشتقاته.
ويستغل معدن الفوسفاط في المغرب في ثلاثة مناطق رئيسية، منطقة خريبكة حيث 44 في المائة من الاحتياطي المغربي للفوسفاط، وتوجد بها حاليا 6 مناجم، ومنطقة الغندور – بنكرير بحصة 36 في المائة من الاحتياطي وتستغل بها ثلاث مناجم، وبوكراع بحصة 2 في المائة من الاحتياطي ومنجم واحد.
وبالإضافة إلى ميزة التوفر على أكبر احتياطي للفوسفاط في العالم، يسعى المجمع الشريف للفوسفاط إلى إرساء ريادته الصناعية على أساس القدرة الإنتاجية الضخمة والمرنة وبأقل تكلفة.
أنبوب نقل لباب الفوسفاط

شكل أنبوب نقل لباب الفوسفاط، الذي كلف بناؤه 4.6 مليار درهم، ثورة في مجال اللوجستيك بسبب الإقتصاد الكبير الذي حققه، والذي يقدر بنحو 90 في المائة من تكلفة النقل واللوجستيك بين مناجم خريبكة ومصانع الجرف الأصفر. ولا تقتصر مزايا الأنبوب على هذه المكاسب، بل إنه مكن من توفير الوسيلة الملائمة لخدمة الطموحات التوسعية والصناعية.
من قبل كان الفوسفاط ينقل عبر القطارات. ومع الطموح الجديد لمنصة الجرف الأصفر الصناعية في مجال الأسمدة والحامض الفوسفوري، أصبح النقل بالقطارات متجاوزا. فتموين المنصة بما تحتاجه لتحقيق أهدافها كا سيتطلب صفا غير منقطع من القطارات بين خريبكة والجرف الأصفر.
الأنبوب مكن من حل المشكلة وتوفير وسيلة نقل مستمرة بدون انقطاع. وفوق كل ذلك يوفر الأنبوب وسيلة نقل مجانية، إذ أن النقل يتم عبر استغلال الجاذبية، إذ تقع منصة إنطلاق لباب الفوسفاط في خريبكة في موقع مرتفع مقارنة مع موقع منصة الوصول في الجرف الأصفر بنحو 700 متر. ويقدر اقتصاد الطاقة الناتج عن هذا النظام بنحو 160 ألف طن من الفيول في السنة، دون إغفال الوقع البيئي، المتمثل في تفادي انبعاث 930 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون.
كما أن استعمال الأنبوب نتج عنه أيضا تبسيط سلسلة التوريد، وتحقيق اقتصاد كبير في الماء. فمن قبل كان المعدن يغسل ويسحق ثم يجفف قبل نقله بالقطارات، وعند الوصول يعاد تدويبه بالماء. أما مع الأنبوب فالفوسفاط يحافظ على مستوى الرطوبة التي جاء بها من المنجم، ويضاف إليه الماء بعد الغسيل والسحق لينقل سائلا بلا تجفيف إلى المنصة الصناعية. وتشكل محطة معالجة وإعادة تدوير المياه العادمو في خريبكة مصدر 80 في المائة من الماء المستعمل لغسيل الفوسفاط ونقله عبر الأنبوب.وقدر الإقتصاد الذي حققه الأنبوب في الكلفة المالية لنقل الفوسفاط بنحو 2.3 مليار درهم خلال سنة 2017.
ويبلغ طول الأنبوب 235 كيلومتر، منها 187 كيلومتر بين طريفي السلسلة، بالإضافة إلى تفرعات بطول 48 كيلومتر بين مكونات الطرفين. وينقل الأنبوب 38 مليون طن من الفوسفاط سنويا، مقابل 20 مليون طن بالقطارات في السابق.
واستنادا إلى مكتسبات أنبوب خريبكة الجرف الأصفر يخطط المجمع الشريف للفوسفاط إلى بناء خط أنابيب ثان بين مناجم الغندور والمنطقة الصناعية في آسفي، على طول 155 كيلومتر.
وحدات صناعية مندمجة

يمتاز الجيل الجديد من الوحدات الصناعية للأسمدة بكونها مندمجة، أي أنها تمون مباشرة بالمادة الخام، وتخرج الأسمدة جاهزة للاستعمال. ويهدف المخطط الاستراتيجي للمجمع الشريف للفوسفاط إلى إنشاء 10 وحدات صناعية من هذا الصنف بالجرف الأصفر، تم حتى الآن إنشاء 4 منها. وتقدر الطاقة الإنتاجية لكل وحدة ب 450 مليون طن من الحامض الفوسفوري و1.4 مليون طن من حامض الكبريت و1 مليون طن من السماد. وبفضل هذا الإندماج والخبرة المكتسبة للمجمع الشريف للفوسفاط تتمتع هذه الوحدات بمرونة كبيرة إذ يمكنها إنتاج أزيد من 40 صنفا من الأسمدة، عبر تغيير كميات المواد الأولية والمواد المضافة. ويمكنها أن تستجيب لأي طلب وتتكيف معه بسرعة فائقة. كما أن الحجم الكبير يمكنها من الإنتاج في ظروف جد مواتية وبأقل كلفة.
وتتميز هذه الوحدات أيضا بالإكتفاء الذاتي من حيث الطاقة الكهربائية، إذ أنها مجهزة بمحطات توليد ذاتية تستعمل الحرارة الناتجة عن تصنيع حامض الكبريت في توليد الكهرباء. وتنتج كل واحدة من هذه المحطات 62 ميغاواط ساعة من الكهرباء، وهي كمية تلبي حاجياتها وبالكامل مع بقاء فائض يستغل في تدوير محطة تحلية مياه البحر. ومع اكتمال البرنامج الإستثماري في وحدات تصنيع الأسمدة العشرة سيتمكن المركب من ضخ فائض أكبر من الكهرباء في الشبكة الوطنية.
وللإشارة فإن وحدة تحلية مياه البحر كلفت 800 مليون درهم، وانطلق تشغيلها بقدرة أولية 25 مليون متر مكعب في السنة، يرتقب أن تصل إلى 75 مليون متر مكعب عند اكتمال البرنامج.


الكاتب :  روبورطاج:  مواسي الحسن/عماد عادل

  

بتاريخ : 27/11/2017