مكاوي سعيد صاحب السعادة والكتابة

سيكون من الصعب ابتداء من تاريخ غيابه المفاجئ ذاك اليوم ،السبت 2 دجنبر 2017 أن تراه في مقهى زهرة البستان، المكان الأثير الذي يستهل به صباحه. وبعد فطاره الاعتيادي الذي يسلمه له «عمي سيد» في جناحه الملكي الذي يختاره هو حسب مزاج اليوم وأحوال طقس القاهرة صباحا سيحدد بعد ذلك إدارة يومه وخطة التحرك في الأمكنة المجاورة.
الفطار في العادة صحن فول، بصل ،وعيش، حبة دواء أو حبتين لم أعد أذكر وسيجارة لاستيعاب كيمياء الوجود ، بعدها ينشر جريدته المشتهاة «المصري اليوم «التي يكتب فيها عموده مرة أو مرتين في الأسبوع، يقرأ ما يراه يستحق المتابعة ثم ينتبه ليومه الذي يبدأ بالكتابة وينتهي في التفكير فيها، مع فواصل مختلفة للتدخين وأخرى لشرب القهوة والشاي ورفع الرأس للتأمل أو مصافحة الأصدقاء أو الإدلاء بملاحظة.
بمعنى – وهذا هو القصد- أن ترى كاتبا حقيقيا في الحياة اليومية وهو يباشر إشارات الحياة في تجلياتها وتمظهراتها بتواضع الكائن الذي يتقمصه عمي مكاوي سعيد، وبالانتشاء الغامر الذي يعتريه ويجعله يتعدد في أضداده وأنداده كما هو الشأن بالنسبة لـ «فيرناندو بيسوا» شاعر البرتغال العظيم. وفي الحالة المصرية التي يعبر عنها عمي مكاوي سعيد معتمدا على عبقريته وسعة خياله الفياض ككاتب وسارد في آن.
في كل زياراتي للقاهرة لابد من عمي مكاوي سعيد للتأكد من أنني فعلا وسط البلد، وفي عمق رمزية المكان ودلالاته اللامتناهية في قاهرة المعز أو قاهرة الدنيا، لا بد من تلك الصباحات التي تمتد إلى حد التماس بالظهيرة حيث يختفي ويعود في المساء ليطل ويواصل فعل الكتابة المشتهاة في الهواء الطلق، وهو في مقابلة مباشرة مع حاسوبه الشخصي الذي يتحمل سردياته ومحكياته وهي في حلتها الأولى قبل أن تختار طريقها إلى أي جنس أدبي ستنتمي، وغالبا ما تقع في فخاخ ومربعات الرواية أو القصة القصيرة هذا دون نسيان أن عمي مكاوي سعيد يكتب العامود الصحفي بفنية عالية ويتقن فن المقال.
في كل مرة يهديني كتابا جديدا ،والقصد آخر كتاب له، آخرها أذكر روايته الرائعة «أن تحبك جيهان» والتي طبعت مرات ورغم طولها الذي تجاوز 700 صفحة فقد نالت حظا واسعا وسعيدا من القراءة في كل الوطن العربي.
– من هي جيهان عمي مكاوي؟.
– جيهان السادات، ويضحك.
ضحكته الماكرة هاته كانت تكفي للإفصاح أنه يقصد جيهان أخرى مختلفة هي حافزه على كتابة هذه الرواية المغامرة والمثابرة، وهذا الضحك الماكر ما هو إلا شَركٌ يدعوك للانخراط أنت أيها القارئ أو المتلقي- والأمر ربما سيان- في فعل القراءة لتعرف ما معنى أن تحبك جيهان، ولتعرف أيضا حدود ورطتك في نشويات سرديات مكاوي الشهية التي تحقق المتعة واللذة ، وهذه هي وظيفة الأدب إن لم تكن استراتيجيته القصوى على ما أعتقد.
قدرته الخلاقة في فهم تناقضات المجتمع المصري وسبر مغاوير سلوكياته، استنادا إلى تجارب التاريخ وتصدع مراحله ، ومسحه الطوبوغرافي لفضاءات القاهرة وأمكنتها وأيقوناتها المتعددة والمتنوعة والمختلفة ، وفراسته الثاقبة في الشخوص والكائنات والمخلوقات، واطلاعه الواسع على الأدب الانساني المصري منه والعربي والعالمي جعل منه كاتبا كبيرا .كاتبا لا يمكن أن يمر مرورا لامرئيا ، لكن كاتبا سيحظى بمقام رفيع في تاريخ الأدب وإقامة فسيحة وراسخة.
هذه القدرة الخلاقة هي التي أبدعت «الركض وراء الضوء» 1981، «فئران السفيهة»1991 ، «وتغريدة البجعة»2007، و«مقتنيات وسط البلد» 2010، و«أحوال العباد» 2013، و«أن تحبك جيهان» 2015.


الكاتب : إدريس علوش

  

بتاريخ : 08/12/2017