مخاطر«الوساطة» الإلكترونية في عمليات البيع والشراء .. معاملات تخلّلت بعضها جرائم نصب وسرقة وغيرها

تعرف التجارة الإلكترونية بالمغرب تطورا يوما عن يوم، ويلتجئ العديد من المغاربة إلى خدمات المواقع الإلكترونية للقيام بمعاملات تجارية مختلفة، يقتنون من خلالها جملة الأغراض الذين هم في حاجة لها، سواء تعلّق الأمر بمقتنيات للمنازل، أو الألبسة، أو تهمّ الهواتف النقالة والسيارات والدراجات، بل وحتى الأكل أيضا. مواقع باتت تستقطب شريحة مهمة من المستهلكين المغاربة، منها من يقدّم خدماته بشكل مباشر عبر عرض المنتوج والعمل على نقله إلى غاية محل سكن المقتني وتسلم ثمنه في حينه، ومنها من يكتفي بدور الوساطة من خلال عرض إعلانات كل ماهو معروض للبيع، على أن يدخل بعد ذلك الراغب في الاقتناء في تواصل مباشر مع البائع، للتعرف على طبيعة وخصائص المنتوج وكل المعلومات التي تخصه، والاتفاق الأولي على السعر، وعلى توقيت ومكان الزيارة للمعاينة وإتمام «الصفقة».

حفّزت السلاسة في التواصل وفي نقل وتبادل المعلومات التي تخص المبيعات، الكثير من الأشخاص على الإقبال على هذا النوع من البوابات الإلكترونية، خاصة بالنسبة للراغبين في شراء منتجات مستعملة، سعيا وراء سعر أقلّ يغري باقتناء هذا المنتوج أو ذاك. هذا الإقبال الافتراضي طرح بالمقابل عددا من المشاكل، خاصة على المستوى الأمني والسلامة الشخصية للبائع المحتمل وكذلك بالنسبة للمشتري، إذ كشفت عدد من الوقائع عن خطورة حقيقية وعن تهديد كبير يكون المقبل على خطوة البيع والشراء، على حدّ سواء، عرضة لها، في حال استقطاب أي منهما من طرف مجرمين، أغراهم العرض أو هم قدموا عرضا مغريا، لكي يحولوا موعد اللقاء إلى لحظة كمين من أجل الاستيلاء على مابحوزة الضحية، وهي الجريمة التي تقف عند هذا الحدّ بل قد تصل إلى حدّ تصفيته وتركه جثة هامدة؟

«دراجة نارية» والعشرة ملايين

ونحن نغادر سنة 2017، شكّلت واقعة قتل شاب من منطقة الحي المحمدي بنواحي برشيد، رجّة لعدد من المتتبعين الذين صدموا لهول تفاصيل الجريمة النكراء، التي سقط ضحيتها هذا الطالب البالغ من العمر 23 سنة الشغوف بالدراجات النارية، الذي وأثناء تفحصه لأحد المواقع الشهيرة في المغرب الخاصة بمختلف أنواع إعلانات البيع، وفقا لما تداولته عدد من وسائل الإعلام، توقّف عند إعلان يعرض بيع دراجة نارية من نوع «تي ماكس» بمبلغ 10 ملايين سنتيمات، فربط الاتصال بصاحب الإعلان واتفقا على موعد ومكان اللقاء من أجل الوقوف على وضعية الدراجة ومدى ملائمة سعرها لحالتها الميكانيكية.
لقاء تبيّن على أنه مجرد كمين نُصب للضحية بغاية سلبه ملايين السنتيمات التي كان الجناة يمنّون النفس بها، حيث أجهزوا عليه ورموا جثثه جامدة في أرض خلاء بإحدى فضاءات برشيد التي التقوا فيها لإتمام الصفقة القاتلة، قبل أن يتم اعتقالهم فيما بعد من طرف مصالح الدرك بعد مباشرة التحريات والأبحاث الأمنية في هذا الصدد، في حين ووري الضحية الثرى، مخلّفا لوعة في صفوف أسرته الصغيرة والكبيرة.
نصب «إلكتروني»

واقعة القتل التي ذهب ضحيتها الشاب «أيوب.ر»، شكّلت رجّة صادمة، وإن كانت هناك حوادث أخرى سبقتها لكن بحدّة أقلّ، على مستوى السلامة الجسدية، كما هو الحال بالنسبة لنصاب الجديدة، الذي استغل نفس موقعا إلكترونيا شهيرا للإيقاع بضحاياه. وتعود وقائع جرائم النصب التي اقترفها المعني بالأمر إلى سنة 2016، حيث كان يتصل بالأشخاص الذين يعرضون أغراضهم الشخصية للبيع، وكان يحدّد معهم موعدا بمقاهي بالبيضاء أو الجديدة، وكان يحرص على الاعتناء بمظهره، إذ كان يحلّ وهو في كامل الأناقة على متن سيارات فارهة كان يكتريها، حتى تساعده في خداع الضحايا الذين بلغ عددهم 30 ضحية، وكان يتسلم الأغراض للاطلاع عليها، ويتذرع بحجة ما، كاتصال هاتفي وغيره، ثم يختفي عن الأنظار، حيث قدّرت قيمة ماكان يسرقه من ضحاياه بعشرات الملايين من السنتيمات.

دراجة وجريمة

حادثة أخرى، خلال نفس السنة 2016، تم تداولها إعلاميا، والتي أقدم خلالها 3 أشخاص على سرقة دراجة نارية من صاحبها بالعنف، إذ استغل أحد الجناة إعلان الضحية الذي ينحدر من طنجة نيته بيع دراجته النارية عبر بوابة إلكترونية للبيع والشراء، فربط به الجاني الإتصال هاتفيا، وعبّر له عن رغبته في اقتناء الدراجة بالمبلغ المطلوب وهو 10 آلاف درهم، وعمل على استدراجه إلى مدينة أصيلة، وما أن حلّ بها وبالقرب من أحد الفنادق، تظاهر المعتدي بتجربة الدراجة النارية، وهي اللحظة التي هجم فيها شخصان وهما يلوّحان بأسلحة بيضاء، وعملا على سرقة الدراجة التي وضعاها على متن دراجة ثلاثية العجلات ولاذا بالفرار.
تفاصيل الحادثة المرعبة دفعت المعتدى عليه إلى الفرار والتوجه صوب مقر مصلحة أمنية للإبلاغ عن الواقعة، ومن خلال الأوصاف التي أدلى بها، ونتيجة للتحريات الميدانية الخاصة بالرقم الهاتفي لأحد الجناة، تمكنت المصالح الأمنية من تحديد هويّة الجناة وإلقاء القبض عليهم بالإضافة إلى وضع اليد على الدراجة النارية موضوع السرقة.
طبيب مزوّر

حوادث تعدّدت تفاصيلها وشخوصها، لكنها كانت كلها بحمولة إجرامية، ومن بينها كذلك تلك التي طبعت سنة 2015، والتي انتحل خلالها شخص صفة طبيب، كان يترصّد ضحاياه من خلال الموقع الشهير، وكان يعرض عليهم شراء هواتفهم النقّالة الذكية الغالية والكاميرات الرقمية، ويحدّد لهم موعدا بمصحة خاصة، وهناك كان يلتقيهم بأحد الطوابق مرتديا لوزرة بيضاء، ويتسلم منهم الجهاز المعني، ثم يطلب منهم الانتظار قليلا، ليختفي عن الأنظار.
واقعة ترتّبت عنها شكايات دفعت المصالح الأمنية بالدارالبيضاء على التدخل التي وضعت يدها على الطبيب المزيف الذي اعترف بأنه كان يلج المصحة كأي زائر، ثم يرتدي الوزرة الخاصة بالأطباء، ويقوم بعملية النصب على الضحية، ثم ينزع الوزرة عنه ويخرج من المصحة دون إثارة الشك لدى المستخدمين!

إقبال ورهبة

الحوداث التي تم تسجيلها لم تحل دون استمرار الإقبال على العديد من المواقع الإلكترونية التي تحبل بها الشبكة العنكبويتة وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبرز الأرقام حجم الطلب المرتفع وكذا عدد المعاملات التجارية التي تتم من خلالها، وإن كان سؤال السلامة الأمنية يطرح نفسه بإلحاح، بالنظر إلى أن هناك رهبة لايمكن إخفائها، لكن عددا من المشرفين عليها، يشددون على أن هناك مجموعة من التدابير التي تتخذ لتأمين العلاقة بين البائع والمشتري، ويؤكدون على أنهم من خلال تواصلهم مع زوار مواقعهم يقدمون جملة من النصائح التي يتعين اتباعها لتفادي السقوط بين براثن اللصوص وممتهني النصب والاحتيال.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 11/12/2017