ندوة دولية بأكادير تسلط الضوء على أهمية استهلاك المنتوجات المحلية وفوائدها الغذائية

تم في بداية الشهر بأكادير تنظيم ندوة دولية حول «الأنظمة الغذائية المحلية، أية استراتيجية لتنمية مستدامة»، وذلك بين كلية العلوم الاقتصادية بجامعة ابن زهر وكلية «سيب كو بموبوليي» الفرنسية، بدعم من مركز الاستشراف الاقتصادي المتوسطي بفرنسا، وذلك حول أهمية استهلاك المنتوجات المحلية التي تنتجها كل منطقة، وفائدتها الغذائية والصحية بدل المنتوجات الفلاحية التي لا تراعي هذه الخصائص ولا تأخذ، بعين الاعتبار، الفلاحة المستدامة التي تحافظ على الموارد المائية والتنوع البيولوجي، خاصة أن منطقة سوس ماسة لها تجربة رائدة في هذا المجال وتتوفر على منتوجات محلية متنوعة وغنية ولها شهرة عالمية، مثل زيت الأركان ومشتقاته وإنتاج العسل والعديد من الزراعات والأعشاب التي تستعمل لأغراض طبية والتي تعرف بها منطقة سوس ماسة.
وركز المشاركون في هذه الندوة الذين توافدوا من بلدان متوسطية وأفريقية: إيطاليا، اسبانيا، الكوت ديفوار، تونس وفرنسا بالإضافة إلى المغرب، على أهمية تشجيع هذه الممارسات الفلاحية والغذائية المحلية في هذه البلدان، لما لها من فائدة على المزارعين والمستهلكين على المستوى المحلي، ولأثرها الإيجابي على التنمية المستدامة، والحفاظ على الموارد الطبيعية لكل منطقة.
هذه الندوة العلمية المتوسطية الإفريقية تحققت بتعاون مغربي فرنسي من أجل تبادل التجارب في مجال التنمية المستدامة وتشجيع استهلاك المنتوجات المحلية على مستوى البلدان المتوسطية وكذلك الإفريقية.
وبهذه المناسبة صرحت كيلي روبان، مسؤولة المشاريع بمعهد الاستشراف الاقتصادي المتوسطي، حول أهمية هذا الندوة بالقول: «هذا اللقاء يطرح إشكال التنمية المستدامة من الجانب الذي يهمنا بشكل خاص وهو التغذية، ورغم صعوبة تناوله من جانب استعمال الكلمات وهو الأنظمة الغذائية المحلية والذي يعني أننا علينا الانتقال إلى أنظمة غذائية واستهلاكية تكون هي الأخرى مستدامة، وتكون مندمجة وتعطي قيمة أكبر لما ينتج على المستوى المحلي في المنطقة المتوسطية، وذلك في مقاربة شاملة تجمع ما بين الفلاحة المستدامة، الحفاظ على الموارد المائية، والحفاظ على التنوع البيولوجي. وأعتقد أن معالجة هذا الموضوع من الزاوية الغذائية هو أمر يمكن من إعطاء نظرة شاملة.» وأشادت بتعدد المبادرات بالمغرب والذي يصبو إلى الحفاظ على بيئة مستدامة وتغذية سليمة في هذا المجال بالقول «نلاحظ في المغرب تعدد المبادرات في هذا الجانب والتي تعبر عن وعي بهذه الإشكالات المطروحة من الجانب البيئي ومن الجانب الاقتصادي».
هذه الندوة العلمية الدولية بأكادير تهدف إلى إبراز أهمية استهلاك المنتوجات المحلية والتقليدية التي كشفت عن أهميتها الدراسات العلمية، حسب أستاذ العلوم الاقتصادية الحسين الراوي من بجامعة ابن الزهر، الذي صرح «أن هذه الندوة تدخل في إطار الاهتمام بالمنتوجات المحلية ومن أجل تطوير منظومة تحمي المستهلك من زراعة لا تراعي مقتضيات البيئة المستدامة والتي لها أثر سلبي، سواء على البيئة أو صحة الإنسان، واستبيان جوانب هذه المنظومة الغذائية الصناعية وآثارها، وكذلك إبراز بعض المبادرات التي برزت في بعض البلدان المتقدمة والتي في طور التكوين بالعديد من البلدان السائرة في طريق النمو، وبمنطقة سوس ماسة لنا العديد من العادات الغذائية التقليدية التي لها أهمية صحية، والتي كانت مرتبطة بكل ما هو محلي وكل ما هو تقليدي وتعود إلى إرث ثقافي، وهي العادات الغذائية التي أثبتت الدراسات العلمية جودتها وفائدتها لصحة المواطن». يقول الحسين الراوي الذي نسق تنظيم هذا اللقاء.
ومن أجل إبراز أهمية المنتوجات المحلية من أجل بيئة مستدامة شارك عدد من الأساتذة من المغرب ومن الخارج في هذا اللقاء الدولي وناقشوا العديد من القضايا التي تمس مجال أنظمة التشغيل المطروحة في ما يخص النظام الغذائي المحلي، قضية المناخ وتأثيره على الفلاحة، الانحباس الحراري، التنوع البيولوجي، خطر انقراض عدد من الحيوانات، مشاكل أخرى ترتبط بالبيئة، نهاية البترول 2050، انقراض مناجم الذهب في أفق سنة 2025، واليوم هناك نقاش حول العديد من المبيدات المستعملة في الفلاحة وتأثيرها على البيئة والإنسان وكل المحيط وتراكمها عبر السنوات، بالإضافة إلى قضية الديون المتراكمة على الفلاحين، وهو عمل يتطلب من الفلاحة تغيير 80 في المئة من هذه الزراعة التي دخلت العولمة وتراكمت عليها ديون كبيرة.
ولينجح هذا النظام لابد من أداء الضرائب، وتشجيع الممارسات الغذائية وكذا تشجيع الزراعة المحلية، كما لا بد من التوفيق بين الزراعة الصناعية وبين هذه الزراعة المحلية، خاصة أن الزراعة الصناعية تستحوذ على أهم الموارد المائية وأحسن الأراضي والوسائل المتوفرة في المجال الترابي.
وكانت تجربة التعاونيات مطروحة بهذا اللقاء، وتم تقديم نموذج تعاونية «لاكوباك» بمنطقة سوس ماسة التي أصبحت تعطى كنموذج بالمغرب وبالمنطقة المتوسطية بسبب النجاح الذي حققته في مجال عملها. وهي تعاونية تعمل في العديد من القطاعات، سواء تربية المواشي وإنتاج الحليب أو فلاحة أشجار الليمون، وهي المعروفة بمنتجات الحليب «جودة» والتي توزع منتوجاتها بالمغرب وبمختلف دول العالم بالإضافة إلى البلدان الأوروبية، حيث أصبحت تتوفر اليوم على مجازر خاصة بها من أجل تحويل اللحوم التي تنتجها بالإضافة إلى عدد كبير من مراكز جمع الحليب بالمنطقة، وأسطول من الشاحنات لجمع وتوزيع المنتوجات عبر التراب الوطني. كما تتوفر التعاونية على جمعية للأعمال الاجتماعية من أجل الاهتمام بالعاملين بها.
وحسب الدراسات المتوفرة، فهناك تكامل بالمنطقة بين قطاع مسقي وقطاع تقليدي، إذ أن هناك قوانين جاءت مع المخطط الأخضر، ورغم العديد من الصعوبات التي تواجه هذا المشروع إلا أن هناك مكتسبات، يقول لحسن كيني الذي أشار إلى دراسة قامت بها المنظمة الدولية للزراعة بطلب من السلطات المغربية وكانت نتيجة للعمل وللتشاور مع العاملين في الميدان وهي الدراسة التي بينت أنه بمنطقة سوس ماسة هناك زراعة صناعية في السهل وزراعة تقليدية في الواحات والجبال، كما أن هناك نوعا من التفاعل حيث يستفيد المنتجون الصغار والمتوسطون في الجبال من الخبرة وطرق العمل والتجهيزات التي تتوفر عليها الزراعة الموجهة للتصدير، كما أن التكنولوجيات المستعملة انتقلت من السهل نحو هذه المناطق الجبلية وهذا يعتبر نوعا من التفاعل بين الزراعتين التي خلقت دينامية وأصبحت هذه الصناعة قاطرة من أجل تطوير الفلاحة التقليدية.
وبخصوص الآفاق بعد هذه الدراسة يقول الأستاذ لحسن كيني إنه تساءل في ما يخص الماء، عما يمكننا القيام به من أجل الحفاظ على هذه المادة، فالمجهود الذي يقوم به العديد من المزارعين غير معترف به، وحتى على مستوى السوق والمستهلك والدولة فليس هناك أي اعتراف.
وبمدينة تزنيت ونواحيها تمت زيارة عدة جمعيات تهتم بالتنمية والحفاظ على البيئة، وكان أهمها مشروع الجماعة الترابية لأربعاء الساحل الذي يصبو إلى خلق جماعة «خضراء»، وحسب رئيس جمعية» باني للتنمية» السافيني إبراهيم، فإن المنطقة تتوفر على شبكة من حوالي 25 جمعية تتوفر على عدة مؤهلات فلاحية وبحرية وسياحية وقرب من شبكات المواصلات تؤهلها لتكون منطقة نموذجية في مجال التنمية المستدامة ومن أجل تنمية متناغمة مع محيطها…
إن تقدم الوعي بقضايا البيئة المستدامة والاهتمام باستهلاك المنتوجات المحلية والتقليدية لدى المواطن المغربي، هو نتيجة مبادرات المجتمع المدني المتنوعة والغنية بعدد من المناطق المغربية كسوس ماسة وكذلك تنظيم الكوب 22 بمراكش، وهذا مكن المغرب من القيام بمجهود خاص من أجل إبراز أهمية الحفاظ على بيئة مستدامة وتغذية سليمة والحفاظ على المياه والتنوع البيولوجي. فوعي المستهلك وتعامله مع مختلف المنتوجات الفلاحية ودور السلطات العمومية كلها عوامل ضرورية من أجل خلق فلاحة متناغمة ومندمجة في مجالها وتحافظ على البيئة ولا تضر بصحة الإنسان، واهتمام المغرب بهذا المجال يجعل منه رائدا بالمنطقة المتوسطية والإفريقية، حسب عدد من المشاركين في هذه الندوة.


الكاتب : أكادير: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 25/12/2017