قضية مسيحيي الشرق بين العمل الإنساني وتسييس اليمين الفرنسي لها

ترامب وداعش يحضران أعياد الميلاد:  توتر في بيت لحم، عيد حزين واعتداء في باكستان وزغاريد في الموصل

 

بدأت الاحتفالات بعيد الميلاد، الأحد، في مدينة بيت لحم الفلسطينية، التي تعتبر وفق الموروث المسيحي، مهد المسيح، في أجواء يشوبها التوتر بعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وأدى القرار الأحادي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر إلى تظاهرات شبه يومية في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة حيث سيقام قداس منتصف الليل في كنيسة المهد.
وشارك العشرات من فرق الكشافة في العروض التي سبقت وصول المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين في القدس بيير باتيستا بيتسابالا إلى كنيسة المهد بعد الظهر، حيث استقبلته شخصيات فلسطينية من المدينة.

 

بدأت الاحتفالات بعيد الميلاد، الأحد، في مدينة بيت لحم الفلسطينية، التي تعتبر وفق الموروث المسيحي، مهد المسيح، في أجواء يشوبها التوتر بعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وأدى القرار الأحادي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من ديسمبر إلى تظاهرات شبه يومية في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة حيث سيقام قداس منتصف الليل في كنيسة المهد.
وشارك العشرات من فرق الكشافة في العروض التي سبقت وصول المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين في القدس بيير باتيستا بيتسابالا إلى كنيسة المهد بعد الظهر، حيث استقبلته شخصيات فلسطينية من المدينة.
وكان بيتسابالا أكد الأسبوع الماضي أن إعلان ترامب “أدى إلى توتر حول القدس وشغل الناس عن عيد الميلاد”.
وفي الأيام الأخيرة وفد إلى بيت لحم عدد قليل من الأجانب الذي يكون عددهم كبيرا في عيد الميلاد عندما يسمح الوضع الأمني. وقال بيتسابالا إن عشرات مجموعات السياح ألغت رحلاتها منذ السادس من ديسمبر.
وقال سامي خوري، مدير مشروع “زور فلسطين” السياحي الالكتروني لفرانس برس “لم يكن هناك الكثير من (الفلسطينيين) ليكون هناك سياح”.
وأضاف “لا يشعر الشخص أنه عيد الميلاد” موضحا أن “الكثير من الوفود السياحية التي كان من المفترض أن تصل في 24 و 25 ديسمبر ألغت رحلاتها”.
من جهته، قال القس الفلسطيني متري الراهب راعي كنيسة الميلاد اللوثرية الانجيلية في بيت لحم، إن أجواء عيد الميلاد لهذا العام “يمتزج فيها الحزن مع الفرح” بسبب قرار ترامب حول القدس.
ورأى الراهب أن الاحتفال بعيد الميلاد نوع من “المقاومة المبدعة. لا ننكفئ على أنفسنا ولا نيأس بل نصمد (…) ونحتفل بالطفل الذي ولد في هذه المدينة المقدسة”.
وقالت نهيل بنورة (67 عاما) وهي مسيحية من بلدة بيت ساحور القريبة من بيت لحم، إن عيد الميلاد ليس سعيدا لهذا العام. وأضافت وهي تمسك بحفيدتها التي ارتدت قبعة بابا نويل وحملت بالونا زهري اللون، “الوضع تعيس هذا العام. الناس يخرجون فقط للترويح عن أنفسهم”.
من جهته، قال ناطق باسم الشرطة الإسرائيلية إن وحدات إضافية ستنشر في القدس ونقاط العبور إلى بيت لحم لتسهيل تحرك ووصول “آلاف السياح والزوار”.
ويعتبر الفلسطينيون المسيحيون والمسلمون أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يستبق فحسب نتيجة المفاوضات التي يفترض أن تتناول وضع المدينة، بل يشكل إنكارا للهوية العربية للقدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل وضمتها، ويقضي على حلمهم في جعلها عاصمة لدولتهم.
وفي بيان الأحد، ندد الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجددا بالقرار الأمريكي “داعيا جميع المسيحيين في العالم إلى الإصغاء لمسيحيي فلسطين الرافضين لوعد ترامب”.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم أنه تحدث مع البابا فرنسيس حول قضية القدس.
وقال “إنها ليست قضية تهم المسلمين فحسب، وإنما المسيحيين أيضا والبشرية كلها” داعيا إلى اتخاذ إجراءات جديدة بعد التصويت الذي جرى في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي وقت سابق، توفي في غزة الأحد شاب فلسطيني متأثرا بجروح أصيب بها خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي شرق جباليا شمال قطاع غزة في 15 من ديسمبر.وبذلك، يرتفع إلى 12 عدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ إعلان ترامب. وسقط عشرة من هؤلاء القتلى في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وقتل اثنان في غارة إسرائيلية على قطاع غزة.
وفي سوريا المجاورة والعراق البلدين اللذين طرد تنظيم الدولة الإسلامية في 2017 من أغلب الأراضي التي سيطر عليها قبل ثلاثة أعوام، احتفل المسيحيون مجددا بعيد الميلاد هذه السنة.
وأحيا مسيحيون في الموصل قداس الميلاد بحضور شخصيات مسيحية ومسؤولين عراقيين وسط الشموع وزينة الميلاد.
ونزحت أعداد كبيرة من المسيحيين إثر سيطرة الجهاديين على الموصل صيف 2014، ولم يعد سوى عدد قليل منهم إلى المدينة منذ أن استعادها الجيش في يوليوز الماضي بمساعدة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي سوريا التي شكلت معقلا آخر للتنظيم الجهادي في الرقة قبل أن يستعيدها تحالف لقوات عربية وكردية في أكتوبر، ما زالت روح الميلاد غائبة. فقد تمت إزالة الألغام من كنيستين لكن السكان لم يعودوا بعد.
وفي حمص، يستعد المسيحيون للاحتفال بعيد الميلاد للمرة الأولى منذ انتهاء المعارك مع مسيرات وعروض للأطفال بعد نشر الزينة بين الركام.
أما في دمشق، ففد تزينت شوارع الأحياء ذات الغالبية المسيحية مثل باب توما، ووضعت محلات تجارية أشجارا صغيرة تعلوها الزينة.
ولا يزال مسيحيو الشرق يعانون من عدم الاستقرار، كما في مصر حيث يتعرض الأقباط لاعتداءات يسقط فيها قتلى.
وهاجم مئات الأشخاص في منطقة اطفيح الواقعة على بعد مئة كلم جنوب القاهرة في محافظة الجيزة، الجمعة، كنيسة وطالبوا بهدمها، وتعدوا بالضرب على المسيحيين المتواجدين فيها، بحسب ما أعلنت مطرانية اطفيح للأقباط الأرثوذكس السبت.
ويشكل الأقباط عشرة بالمئة من مئة مليون مصري غالبيتهم من المسلمين وهم أكبر أقلية مسيحية في الشرق الأوسط. وقد استهدفتهم هجمات عديدة في الأشهر الأخيرة تبنى معظمها تنظيم الدولة الإسلامية. ويحتفل الأقباط بعيد الميلاد في السابع من يناير.
وفي أوروبا حيث ما زال التهديد الجهادي قائما، انتشر حوالي عشرة آلاف رجل أمن الأحد والاثنين في فرنسا خصوصا في الأماكن السياحية والكنائس.
ومساء الأحد ترأس البابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية التي يبلغ عدد أتباعها 1,2 مليار شخص في العالم، قداس عيد الميلاد في روما عند الساعة 20,30 بتوقيت غرينتش.
ونشرت السلطات الباكستانية جنودا داخل وحول إحدى كنائس مدينة كويتا في جنوب غرب البلاد، الاثنين، عندما أحيا المسيحيون بحزن عيد الميلاد بعد اعتداء دام لتنظيم الدولة الإسلامية استهدف كنيستهم أودى بتسعة أشخاص قبل أسبوع.
وتمركز قناصة فوق الكنيسة الواقعة في عاصمة إقليم بلوشستان المضطرب، فيما كان ناجون يتذكرون أحباءهم الذين قضوا في الاعتداء مطالبين بتسليح الطائفة.
وانفجر أحد الناجين باكيا فيما كان يقترب من المذبح للمناولة، فيما انتحب عدد من المصلين الآخرين في القداس الكئيب.

زغاريد في أول قداس للميلاد في الموصل منذ اندحار الجهاديين
أحيا مسيحيون قداس الميلاد الأحد في كنيسة مار بولص للكلدان في الموصل للمرة الأولى منذ سقوط حكم الجهاديين مطلقين الزغاريد تعبيرا عن “الفرح” بمعاودة طقوسهم وسط إجراءات أمنية مشددة في ثاني مدن العراق التي تمت استعادتها في يوليوز الماضي.
ويحتفل المسيحيون بالميلاد بعد أن منع الجهاديون الوجود المسيحي في المدينة منذ سيطرتهم عليها منتصف عام 2014، وأعلنوا ما يسمى دولة “الخلافة” على المناطق التي كانت خاضعة لهم في العراق وسوريا المجاورة.
وشارك حسام عبود (48 عاما) في القداس وهو على كرسي للمعوقين بعد عودته مطلع الشهر الحالي إلى الموصل من إقليم كردستان الذي يبعد عشرات الكيلومترات إثر لجوئه إلى هناك هربا من تنظيم الدولة الإسلامية.
وأكد عبود أن الاحتفال يعتبر “مؤشرا على عودة الحياة والفرح إلى الموصل (…) من خلال هذا القداس نرسل رسالة سلام ومحبة لأن المسيح يعني السلام ولا حياة بدون سلام”.
من جهته، أكد بطريرك الكلدان في العالم لويس ساكو ذلك لفرانس برس من الكنيسة ذاتها.
وقالت فرقد مالكو التي عادت مؤخرا إن “الاحتفال والصلاة في الموصل مهمين لإحياء الحياة المسيحية” في المدينة وضواحيها حيث تعيش أقلية كبيرة من المسيحيين.
وأضافت لفرانس برس “بهذا الاحتفال، نريد أن نقول لهم إن أهل الموصل جميعهم إخوة بغض النظر عن ديانتهم ومعتقدهم ورغم كل معاناتهم والأضرار التي لحقت بهم”.
وفيما ترددت تراتيل الميلاد، أكدت مالكو أن “الوجود هنا في الكنيسة يشكل فرحا كبيرا” .
وكنيسة مار بولص هي الوحيدة التي ما زالت قائمة في الموصل حيث كانت هناك قرابة ثلاثين كنيسة.
وقد أعاد تأهيل الكنيسة مجموعة من الشباب قبل أيام قليلة مع تعليق ستائر على النوافذ التي تطاير زجاجها جراء المعارك والانفجارات.
ووسط الشموع وأشجار الميلاد والستائر البيضاء لإغلاق إطارات النوافذ، اختلط مسلمون مع المسيحيين، فضلا عن المسؤولين من السلطات المحلية والمؤسسات العسكرية.
وانتشرت عربات مدرعة عسكرية قرب الكنيسة حيث علقت صورة “شهيد” مسيحي قتله الجهاديون في الموصل. دفع اضطهاد المتطرفين للأقليات في محافظة نينوى، خصوصا الايزيديين والمسيحيين وبينهم الكلدان والسريان والاشوريين، إلى نزوح جماعي من مناطق سهل نينوى.
يقول عبود الذي غادر منزله مع آخر العائلات المسيحية التي تهجرت من الموصل، “يجب إعادة بناء الكنائس المدمرة في المدينة من أجل تشجيع عودة المسيحيين”.
يرى مسؤولون محليون أن نحو 90 بالمئة من المسيحيين فروا من الموصل منذ اجتياح العراق بقيادة أمريكية عام 2003 .
وعندما سيطر الجهاديون على المدينة، كانت هناك نحو ألفي أسرة مسيحية وفقا ل”جمعية الأخوة” في العراق.
ويرى البطريرك ساكو أن “المسيحيين النازحين داخل العراق أواللاجئين خارجه يجب أن يعودوا بسرعة” من أجل “القيام بدور فاعل في إعادة الإعمار”.
من جهته، قال دريد حكمت طوبيا مستشار محافظ نينوى لشؤون المسيحيين، إن “بين 70 إلى 80 عائلة مسيحية عادت إلى الموصل وستتبعها (عائلات)أخرى”.
وقالت مينا رامز( 20 عاما) التي عادت إلى منزلها مع عائلتها قبل شهرين مع تزامن بدء العام الدراسي ” إنها أرضنا هذه منازلنا وسنقوم بكل ما يلزم مع إخواننا من جميع الأديان لإعادة بناء الموصل”.
وأضافت لفرانس برس “لن نتخلى أبدا عن الأرض التي ولدنا فيها”.
ونينوى وضمنها الموصل من أقدم مواطن المسيحيين في الشرق حيث تعود جذورهم إلى القرون المسيحية الأولى.

عيد ميلاد حزين
لمسيحيي باكستان
أدى الهجوم الانتحاري الذي استهدف الكنيسة التابعة لطائفة الميثوديست البروتستانتية الأحد قبل الفائت إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح ثلاثين آخرين.
وبين القتلى امرأتان فيما يرقد عدد من المصابين في حالة حرجة.
وقالت الشرطة إن قوات الأمن اعترضت انتحاريا خارج الكنيسة وقتلته، لكن الانتحاري الثاني تمكن من عبور المدخل الرئيسي للكنيسة وفجر نفسه.
وكانت الكنيسة مكتظة بالمصلين ذلك اليوم على غير العادة بسبب اقتراب عيد الميلاد.
لكن الاثنين، كان الحضور أقل مع قرابة 250 شخصا عوضا عن 350 بحكم المعتاد، رغم الانتشار الكثيف للشرطة حول الكنيسة.
وقالت روكسانا نذير، الأم التي أوضحت أن ستة من أقاربها جرحوا في الاعتداء، إن “شبح الخوف كان يطاردنا أثناء قداس” الاثنين.
لكن ناجين آخرين بينهم شيذا ابنة نذير البالغة 13 عاما قالوا إنهم لم يشعروا بأي خوف لإيمانهم الكبير بالخالق.
وحضر عدد من المسؤولين والسياسيين المسلمين في المدينة القداس لإظهار التضامن مع الطائفة المنكوبة.
ويعود تاريخ الكنيسة في المدينة إلى العام 1890، حسب ما أفاد مسؤولون لوكالة فرانس برس.
وكشف كاهنها سيمون بشير أنه يطالب بنشر حماية أكبر حول الكنيسة منذ قرابة العشر سنوات.
ودعا بعض المصلين إلى السماح لأبناء الطائفة بحمل السلاح أثناء المشاركة في الصلاة، تحسبا لأي هجوم في المستقبل.
من جهته، أيد رئيس ابرشية كراتشي وبلوشستان الأسقف صديق دانيال الذي زار كويتا لحضور قداس الميلاد هذا التوجه.
وأوضح دانيال أن الفكرة تم طرحها على الشرطة التي طالبت الطائفة بإرسال متطوعين لتلقي تدريبات على حمل السلاح.
وقال الأسقف “إنه أمر مؤلم أن يصلي المؤمنون في ظل إجراءات أمنية مشددة”.
وأضاف إنه خلافا للاستعدادات التي تم اتخاذها بمناسبة عيد الميلاد، “لم يكن هناك رجال شرطة أو آليات خارج الكنيسة” يوم وقوع الاعتداء، رغم أن “أولئك الذين كانوا في الداخل قاتلوا بشجاعة”.
ويشكل المسيحيون أقل من 2% من سكان باكستان البالغ عددهم 200 مليون نسمة وهم يعانون من التمييز والتهميش وتقتصر وظائفهم على الأعمال المتدنية الأجر فيما يتعرضون أحيانا لاتهامات بالتجديف والكفر.كما يشكلون منذ سنوات إلى جانب أقليات دينية أخرى هدفا للإسلاميين.
ففي العام 2013 قتل 82 شخصا عندما استهدف انتحاريون كنيسة في مدينة بيشاور.
وشهدت لاهور عام 2016 أحد أكثر الاعتداءات دموية في باكستان خلال احتفالات عيد الفصح في تفجير انتحاري أدى إلى مقتل أكثر من 75 شخصا بينهم أطفال.
وتواجه الشرطة والجيش في باكستان المتمردين الإسلاميين والقوميين في بلوشستان الغنية بالموارد المعدنية.
وتحاذي بلوشستان إيران وأفغانستان وهي الأكبر بين أقاليم باكستان الأربعة لكن سكانها وعددهم سبعة ملايين يشتكون من عدم حصولهم على حصة عادلة في ثرواتها من الغاز والمعادن.
وتراجع العنف في الأعوام الماضية نظرا لمساعي السلطات في الترويج للتنمية.

حمص القديمة
تفك حداد الحرب
بعدما امتنعوا خلال السنوات الأخيرة عن الاحتفال بالأعياد، ينهمك سكان حي الحميدية في مدينة حمص السورية بوضع اللمسات الأخيرة على شجرة عملاقة تعلوها نجمة حديدية وسط شارع يلف الدمار بعض أبنيته رغم توقف المعارك.
ويعم ضجيج مطرقة يستخدمها أحد المتطوعين لتثبيت منصة حديدية الحي السكني في حمص القديمة التي شهدت على معارك ضارية بين القوات الحكومية والفصائل المقاتلة في الفترة الممتدة بين العامين 2011 و2014.
ومن المقرر أن تستضيف هذه المنصة عروضا مخصصة للأطفال ونشاطات متنوعة تزامنا مع الاحتفال بإنارة الشجرة الخضراء عصر الخميس.
وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة بيتي للتنمية، رولا برجور (46 عاما ) لوكالة فرانس برس “في العام 2014، كانت الشجرة مصنوعة من الأنقاض، وكنا قد عدنا للتو إلى هذه الحارة المدمرة “.
وتضيف بعد توزيعها المهام على فريق من المتطوعين الشباب “لكن هذه السنة مع عودة الأهالي وعودة الحياة.. بدأ الناس يفرحون مجددا “.
ورغم تجاوزه الستين عاما، أصر عبدو اليوسفي أحد سكان حي الحميدية ذات الغالبية المسيحية، على مساعدة المتطوعين. وتولى مهمة جر صناديق الزينة إلى جوار الشجرة.
ويقول وهو يمسح جبينه بمنديل أبيض “في الماضي، كانت شجرة الميلاد فرحة الأطفال، أما اليوم فهي فرحة للكبار والصغار، فالشجرة تجمعنا حولها”.
ويشير مبتسما إلى الشبان حوله “كما ترى جميع سكان الحارة يتعاونون ويضحكون كالأطفال الصغار” قبل أن يطلب من أحدهم أن يلتقط له صورا بجوار الشجرة ليرسلها إلى أبنائه الذين هاجروا إلى ألمانيا بعد اندلاع النزاع.
ويضيف بصوت مرتفع “أريد أن أطلب منهم أن يعودوا، لقد عاد الفرح إلى حمص”.
ووصل عدد سكان مدينة حمص قبل اندلاع النزاع، إلى نحو 800 ألف شخص، فر الكثير منهم بسبب المعارك. وقد عاد بعد انتهاء المعارك عشرات الآلاف بينهم الآلاف إلى المدينة القديمة.
أثناء تزيين الشجرة، يمر أطفال ويتسمرون أمامها لدقائق. يتأملون زينتها المبعثرة فيما ينهمك عمال بناء في الجهة الأخرى من الشارع بترميم منازل ومحال متضررة بفعل المعارك، تمهيدا لافتتاحها تزامنا مع موعد إنارة الشجرة.
في منزل داخل مبنى شبه مهجور، زينت إحدى العائلات شجرة صغيرة بإضاءة حمراء خافتة، تطل على شرفة لا تزال آثار حريق واضحة عليها.
ورغم توقف المعارك في المدينة منذ مايو 2014، لا تزال معالم الدمار في كل ناحية وصوب. أبنية شبه مدمرة، وأخرى تصدعت طوابق منها ومتاريس لا تزال تزنر الشرفات.
وخرجت في مدينة حمص التي لقبها ناشطون معارضون بـ”عاصمة الثورة” كبرى التظاهرات الشعبية في العام 2011. وشهدت المدينة معارك ضارية بين الفصائل المقاتلة والجيش الذي تمكن في العام 2014 من السيطرة على مجملها بعد انسحاب نحو ألفي مقاتل معارض من أحيائها القديمة بموجب اتفاق تسوية أعقب عامين من الحصار والقصف.
وانكفأ المقاتلون الباقون آنذاك إلى حي الوعر إلى جانب آلاف المدنيين، قبل أن ينسحبوا منها على مراحل خلال الفصل الأول من العام الحالي بموجب اتفاق تسوية مع الحكومة أيضا .
على بعد أمتار من مكان الشجرة، علقت عشرات الصور على جدران الحي تظهر شبانا ورجالا، بينهم مهندس وعسكري، قتلوا خلال الحرب. وكتب فوق إحدى هذه الصور عبارة “جدار الشرف”.
وبفعل الأمطار ومرور الزمن، بهت لون بعض الصور وتضرر بعضها الآخر فيما صمدت صورة الكاهن الهولندي فرانز فان در لوغت الذي قتل في أبريل 2014 برصاص مجهول داخل دير الآباء اليسوعيين الواقع على بعد أمتار من مكان الشجرة في وسط حمص القديمة.
وتحول هذا الدير حيث دفن الأب فرانز محجا لكثيرين ممن عرفوه أو سمعوا عنه وعن إنسانيته اللامحدودة.
وتحتضن أحياء حمص القديمة كنائس عدة أبرزها كنيسة أم الزنار، حيث يعمل شبان على ترتيب مغارة الميلاد المصنوعة من الورق البني ووضع التماثيل داخلها.
ويشرح أحد وكلاء الكنيسة عماد خوري لفرانس برس “كان الحزن في السابق حاضرا في أعيادنا بسبب الشهداء الذين قضوا والدمار الذي حل بالكنيسة”.
ويقول “كنا نقيم صلواتنا على الأنقاض، لكن اليوم ترممت الكنيسة، وعادت الزينة. عيدنا هذه السنة يشبه أعياد ما قبل الحرب”.
وتعد كنيسة أم الزنار ذات الجدران الحجرية الرمادية أشهر كنائس حمص القديمة. وتسببت المعارك باحتراق جزء منها ودمار جزء آخر، ولا تزال الحفر الكبيرة في وسط الطريق المؤدية إليها والدمار الذي لحق بالأبنية المجاورة شاهدا على ضراوة القتال.
وتشرف أعمال الترميم على الانتهاء في الكنيسة، حيث وضعت مقاعد خشبية جديدة وتدلت من السقف نجوم حمراء وعلقت أيقونة كبيرة للسيدة العذراء في إحدى زوايا الكنيسة.
ويشرح أحد وكلاء الكنيسة ميخائيل عويل (66 عاما ) لفرانس برس “أعدنا أيقونات ثمينة إلى الكنيسة كنا قد خبأناها بعد تضرر بعضها خلال الحرب، وأحضرنا أيقونات جديدة”.

داخل الكنيسة، تصدح أصوات الجوقة خلال تمرينات كثيفة لأداء تراتيل الميلاد تزامنا مع استعداد كشافة الكنيسة لتنظيم استعراض موسيقي في شوارع الحي يوم الميلاد.
على بعد شوارع عدة، تصدح موسيقى من داخل مطعم جوليا دومنا الشهير في حمص القديمة، الذي أعيد ترميمه قبل عام بعد تضرره خلال المعارك. وينشغل عمال بتعليق حبل من الأضواء فيما ينهمك مدير المطعم مالك طرابلسي في احتساب الحجوزات.
ويقول بفخر لفرانس برس “عادت الأعراس بعدما كثرت الجنازات، وامتلأ المطعم بالزبائن بعدما هجروه طيلة سنوات الحرب”.
ويضيف “انتهت الأحداث المؤلمة، أعتقد أن حمص وصلت اليوم إلى بر الأمان وأعلنت فك حدادها”.

قضية مسيحيي الشرق بين العمل الإنساني وتسييس اليمين
ينظر البعض إلى فرنسا على أنها حامية للمسيحيين في الشرق، وهم يتلقون بالفعل مساعدات كبيرة من منظمات فرنسية غير حكومية، لكن تسييس هذه القضية ودخول نشطاء من اليمين على الخط من شأنه أن يضر بها.
بعد اندلاع النزاع في سوريا في العام 2011، وبعد نزوح المسيحيين من شمال العراق في العام 2014 هربا من تنظيم الدولة الإسلامية، تصاعدت وتيرة العمل الإنساني وجمع التبرعات.
لكن هذه المبادرات تعود إلى وقت طويل جدا، من أقدمها “لوفر دوريان” التي تأسست في العام 1856، وهي منظمة تتبع أسقفية باريس وتجمع عشرين مليون يورو من التبرعات سنويا يذهب ثلاثة أرباعها إلى بلدان المشرق.
وتنشط في هذا المجال جمعيات عدة منها ما يركز على مسائل معينة، مثل جمعية “فراتيرنيتيه” في العراق التي تعمل منذ تأسيسها في العام 2011 على مساعدة الأقليات.
ولعل آخر الجمعيات الداخلة على هذا الخط هي الأكثر إثارة للضجيج، مثل جمعية “أس أو أس كريتيان دوريان” (إنقاذ مسيحيي الشرق) التي تأسست في خريف العام 2013 بعد سيطرة فصائل معارضة على بلدة معلولة المسيحية في ريف دمشق.
وقد وسعت الجمعية نشاطها إلى حمص وحلب قائلة إنها جمعية إنسانية هدفها “أن يبقى المسيحيون في أوطانهم”.

غير أن توجهات قادتها المصطفين إلى يمين اليمين الفرنسي تثير كثيرا من التساؤلات.
يترأس الجمعية شارل ميير، وهو ناشط في اليمين المتطرف الداعي لعودة الملكية، ومن رفاقه داميان ريو المتحدث السابق باسم حركة “جنراسيون إيدانتيتار” المعادية للمهاجرين، وقد حكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ في العام 2012 لأنه احتل ورشة لبناء مسجد في بواتييه.
وخوفا من أن يختلط العمل الإنساني في الشرق بالحسابات السياسية الداخلية في فرنسا، خرجت منظمة “لوفر دوريان” عن صمتها وحذرت متبرعيها من نشاط جمعية “أس أو أس”.
وليست مواقف الجمعية المعادية للإسلام والمؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد هي ما يزعج الأب غولنيش رئيس “لوفر دوريان”، وإنما أيضا إرسال متطوعين إلى سوريا من دون مراعاة الخطر الذي يمثله ذلك، إضافة إلى أن جزءا كبيرا جدا من ميزانيتها يذهب للدعاية والإعلام بدلا من المشاريع.
ويعرب الكاتب والمدون إيروان عن قلقه من أن تشكل قضية مسيحيي الشرق منصة لقوى اليمين المتطرف للتأثير على جيل من الشباب لم يكن ممكنا أن تؤثر عليهم بغيرها.
ويقول “لطالما كانت قضية المسيحيين في الشرق تقتصر على اليمين المتطرف.. في الآونة الأخيرة بدأنا ننتهي من ذلك، لكن هؤلاء الناس يعيدوننا مجددا”.
فالتضامن مع مسيحيي الشرق ليس جديدا، بحسب الكاتب السياسي جيروم فوركيه الذي يذكر بالدعم الفرنسي الكبير الذي قدم للموارنة والأرثوذكس في لبنان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
ويقول “الموجة الجديدة من التحركات تضرب على وتر حساس، مستخدمة خلفيات تاريخية وعقائدية”.
ويضيف “هذا الأمر يشير إلى توجه جزء من العالم الكاثوليكي إلى اليمين والتشدد تجاه الإسلام”.
هل سيتراجع ذلك مع تبدد تنظيم الدولة الإسلامية؟. يجيب المسؤولون عن جمعية “فراتيرنيتيه” في العراق، وهم من اليمين الفرنسي أيضا، بالنفي قائلين”الآن يبدأ كل شيء.