شعر … كل شيء على مايُرام

نبتتي الصغيرة سقطت البارحة
من أعلى الشرفة
لأنني نسيتُ أن أرشّها
بدموعي المغذّية..
القصائد تزداد ضراوة
ولا تتركني أنام
والحياة تمتصُّ دمي
كل يوم وكل ثانية.
كل شيء على مايُرام
لازلت معي،أرعى وحدتي
والمرأة التي سلّمتُها قلبي
و مفاتيح البيت
ماتت البارحة في حادثة سير مروعة.
كل شيء على مايُرام
أبتسم بحزن وأنتظر قدوم ظلي
الذي ذهب ليتنزّه في الميناء
ليحكي لي آخر قصص الصيادين
والسكارى والقتلة
لأتمكّن من النوم بكوابيس
أجمل من هذا الواقع.

كل شيء على مايُرام
أستيقظُ كل ليلة على الساعة أرق إلاربع
و أفتح النوافذ لأرمي الأطياف
التي تخنقني
أراوغ رغبات الكآبة،
بمشاهدة أفلام رعب.
كل شيء على مايُرام
الطعنات تزداد شراهة
و وزني يتناقص تدريجيا
حتى أغدو حشرة ملتصقة بالسقف
أنتظر الضوء لأسقط جثّة
على الإسمنت
كل شيء على مايُرام
لازالت المدينة كعاهرة
يتناوب الغرباء عليها،والمتشردون
والمخبرون والمكبوتون
كل شيء على مايُرام
أذهب كل صباح للمقبرة
وأطمئن على قبري الأخضر
أقرأ عليّ قصائد للحلاج
وابن عربي والمتنبي
وأدخل لقفصي الأزرق،تاركا في الهواء
صلوات وضيئة للهدير

كل شيء على مايُرام
الضحكات تستحِمُّ في إناء الحِكمة
وأنا،أجري عاريا بين دروب المدينة
كمجنون مُحترَم.
أصفع وجوها وهمية
و أبصق على أمكنة سوداء
كل شيء على مايُرام
الشعراء يرتدون حزنهم وينتحرون تِباعا
النوارس تنهش غيمة صغيرة
نكاية في السماء
والمحارات تنفجر
كلما لمسَتها أقدام الظهيرة
كل شيء على مايُرام
خطواتي التي بترتُها ذات غرق
تلتصق من جديد بي
وترميني في أقبية الضياع
الظلال التي مزّقتُها ذات أرق
تتسلّق جدران ببتي
وتتوغّل في حلمي القديم
كل شيء على مايُرام
حبيبتي القديمة، تزوّجت بِرَجٌل ثري
وأنجبت منه أربعة أطفال مرحين ،
أذكياء وجشعين
وأنا مازلتُ عازبا جميلا،
ظريفا وغارقا في الفداحات.

كل شيء على مايُرام
في هذه الغرفة الضيّقة
أكتبُ الشعر لِظِلّي الميّت
و الوجع ينتفخ ببطء و قوة،
لكن اللوحة التي رسمتُها
منذ عشرين سنة
المعلّقة على الجدار..
التي يتمايل فيها القارب بِحزن
وتسيل منها الكلمات المجروحة
لا تستطيع أن تُكمل تنفُّسها
دون روائح القصائد.
لذلك سأكتب بكل حب،
حتى تعود الموجة القديمة
لروح القارب
وأتبخّر في الخواء.
كل شيء على مايٌرام
ها قد جاءت الخطايا من جديد،
لتغمرني بِنيرانها
لتملأ آخر حفرة من ذاكرتي
بِرماد داكن
والأخلاف التي بدأت تنمو في ظهري
تُقرّبني أكثر فأكثر..
من الأرض الناشفة
ها قد هجرتني الآمال
وتركتني كمتقاعد
يلهو بالأيام بين أصابعه و تتفتّت أمسياته
إلى قطع صغيرة من الضجيج
يُحرّكه طيف الزمن
من أعلى المتاهات..
المتقاعد- الماريونيت- أطرافه المشدودة
بأسلاك موجعة
يتمايل ..يسقط.. يصرخ..
يبكي..يضيع..يتهاوى
كل شيء على مايُرام

* شاعر وتشكيلي مغربي

 


الكاتب : يوسف الأزرق *

  

بتاريخ : 14/04/2017