في ندوة استراتيجيات القطاعات الوصية لدعم التراث الثقافي غير المادي بسطات

محمد شويكة:التعدد الثقافي قيمة كبرى للمجتمع المغربي
عبد الحق أفندي: رغم عامل الهشاشة يشكل هذا التراث أكبر مهمة في الحفاظ على التنوع في عصر العولمة المتزايدة
المختار الفاروقي: كل ما تبدعه الجماعات والمجموعات وأحيانا الأفراد فهو تراث ثقافي غير مادي

 

 
احتضن المركز الثقافي بسطات الندوة العلمية حول «استراتيجيات القطاعات الوصية على الثقافة لدعم الثرات الثقافي غير المادي» ضمن فعاليات المهرجان الوطني للوتار في دورته السابعة المنظم من طرف جمعية المغرب العميق لحماية التراث.
وقد شدد القاص والناقد الأدبي والسينمائي محمد شويكة الذي أدار هذه الندوة على أهمية التراث اللامادي في المغرب واستراتيجيات القطاعات الوصية لدعمه وحمايته والتطرق إلى المشاكل المتعلقة بالمحافظة على هذا التراث، وكيف يمكن أن نجعل منه قيمة كبيرة. ورأى شويكة أن مفهوم التراث قد عرف مجموعة من التحولات بشكل كبير جدا خصوصا بعد أن تناولت المفهوم منظمة اليونسكو وأصبح يعتبر حجر الزاوية فيما يتعلق بالدراسات الثقافية والدراسات الانتروبولوجية والاجتماعية بصفة عامة، لأن جميع المختصين في هذا المجال عادوا إلى مفهوم التراث وخاصة في شقه اللامادي، ما جعل مفهوم التراث مفهوما متحولا قد يختلف ابستيمولوجيا مع العديد من المفاهيم الأخرى، بحيث عندما نذكر التراث نتحدث عن أنماط العيش بمفهومها الشامل، فنتحدث عن الثقافة وعلاقتها بالانتربولوجيا، فهذا المفهوم إذن هو مفهوم حي وديناميكي مما جعل إستراتيجيته لا تكون ثابتة على اعتبار أنه يتحول مع أنماط العيش.
وقال محمد شويكة إن مفهوم التراث لم يعد يقتصر فقط على المآثر وجمع التحف، بل تحول اليوم ليطال مجالات أخرى، كالعادات والتعبيرات الحية للأجداد والأسلاف التي يتم تمريرها للأحفاد ومنها العادات الشفهية، وفنون الفرجة، والممارسات الاجتماعية، والطقوس والأحداث الإحتفالية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون وكيفية العيش، وبالتالي هذه الأشياء كلها تجعل المفهوم يكون هشا لأنه ليس ماديا ويقع في الذاكرة الجماعية للناس ويستعمل بشكل يومي، وهذا ترك الكثير من الناس، يضيف، لا يعون قيمة هذا التراث، خاصة وأننا نعيش اليوم مجتمعات انقسامية كما عبرعن ذلك بول باسكون، ونحن حسب الدارسين لسنا أمام نمط عيش واحد، بل أنماط عيش متعددة، وبالتالي هذا النوع من الثقافة أو التراث اللامادي يمكنه أن يقوم بدور استراتيجي في الحفاظ على التعدد الثقافي، لأن التعدد الثقافي هو قيمة كبرى بالنسبة للمجتمع المغربي. ويتساءل شويكة،هل يعي المغاربة اليوم دورهذا التراث؟ ثم لا ننسى هنا أن مسألة التعدد والحفاظ عليه أصبحت تطرح نفسها على القيمين على هذا المجال بصيغة عامة أمام غزو العولمة وأصبحنا أمام ثقافات عابرة للقارات كالسلع لها لغتها ولها أعلامها لها رموزها ولها إيديولوجيتها، وبالتالي فهي تقزم هذا النوع من الثقافة المحلية وتحيلها إلى نوع من الفلكلور.
الباحث عبد الحق أفندي، مدير الفنون بوزارة الثقافة، أكد أن التراث الثقافي غير المادي، يشكل، رغم عامل الهشاشة، ركيزة مهمة في الحفاظ على التنوع والتراث في عصرالعولمة المتزايدة، وفي فهم التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة. كما يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر.
ويعتبر الحفاظ على التراث غير المادي حماية الهويات الثقافية، وبالتالي التنوع الثقافي للبشرية.
ويشمل التراث غير المادي على سبيل المثال لا الحصر المهرجانات التقليدية والتقاليد الشفهية والملاحم، والعادات، وأساليب المعيشة، والحرف التقليدية، وما إلى ذلك. فقد أصبح واحدا من أولويات اليونسكو في المجال الثقافي. ويقصد بكلمة «الصون» التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي، بما في ذلك تحديد هذا التراث وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله، لاسيما عن طريق التعليم النظامي وغير النظامي، وإحياء مختلف جوانب هذا التراث.
ويقصد بعبارة «الدول الأطراف»، يقول، الدول الملتزمة بهذه الاتفاقية والتي تسري فيما بينها أحكامها.
كما تنطبق أحكام هذه الاتفاقية مع ما يلزم من تعديل على الأقاليم المشار إليها في المادة 33 والتي هي أطراف فيها، طبقا للشروط المحددة في المادة المذكورة. وفي هذه الحالة، فإن عبارة «الدول الأطراف» تنطبق أيضا على هذه الأقاليم.
وبخصوص تدخلات قطاع الثقافة في حماية وتثمين التراث اللامادي، يقول عبد الحق أفندي، تتعدد مبادرات قطاع الثقافة ذات الصلة بصيانة وحماية وتتمين التراث عامة والتراث اللامادي تحديدا، حيث تنشغل بهذا المنحى مجمل مصالح ومديريات الوزارة. بل إن هذه التدخلات تتقاطع وتتكامل في إطار استراتيجية قطاعية تضبطها موجهات أساسية منها ثقافة القرب، دعم الإبداع والمبدعين، تثمين التراث، الدبلوماسية الثقافية الحكامة الجيدة..
وقد تأتي هذه الانشغالات أكثر بروزا من خلال مهام كل من مديرية التراث الثقافي ومديرية الفنون (بالطبع لا يقصد تغييب إسهامات كل المصالح والمديريات الأخرى والتنسيق الذي يتم معها في إنجاز كل المبادرات).
فمديرية التراث الثقافي، في إطار تدبير التراث الثقافي الوطني بشقيه المادي وغير المادي، تقوم بـعدة تدخلات، من أهمها، جرد وتوثيق كافة مكونات التراث الثقافي عبر التراب الوطني وذلك بإيفاد بعثات ميدانية طبقا لبرنامج سنوي محدد؛ تدبير معطيات الجرد الميداني عبر قاعدة معطيات معلوماتية موضوعة رهن إشارة العموم،القيام بمعارض قصد تحسيس العموم بأهمية التراث الثقافي الوطني وبضرورة المحافظة عليه وتمريره للأجيال الصاعدة؛
إعداد منشورات علمية حول التراث الثقافي، إعداد ملفات التسجيل لدى اليونسكو من خلال تنفيذ اتفاقيتين أساسيتين تتمثل، يقول عبد الحق أفندي، في اتفاقية 1972 للتراث العالمي الثقافي والطبيعي، وفي هذا الصدد تم تسجيل 9 مدن ومواقع ضمن التراث العالمي (فاس، مراكش، تطوان، مكناس، الصويرة، الجديدة، موقع وليلي، قصرايت بنحدو، الرباط) واتـفـاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، وفي هذا الصدد تم تسجيل 7 عناصر من التراث الثقافي غير المادي المغربي، الفضاء الثقافي جامع الفنا- تراث عالمي شفاهي 2001– تراث ثقافي للإنسانية 2008؛  موسم طانطان- تراث عالمي شفاهي 2005 – تراث ثقافي للإنسانية 2008؛ الطبخ المتوسطي (بمدينة شفشاون وأحوازها) منذ 2010؛ الصقارة (الصيد بالصقور والطيور الجارحة) بقبيلة لقواسم ومنطقة أولاد فرج 2010، مهرجان حب الملوك بصفرو- دجنبر 2012، أركان(الطرق التقليدية والمهارات المرتبطة بشجرة الأركان) سنة 2014؛ كان آخرها رقصة تاسكوين التي تم تسجيلها خلال اجتماع اليونسكو الذي انعقد بكوريا الجنوبية من 4 إلى 9 دجنبر2017.
كل هذه العناصر باتت مدرجة ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.
وفيما يتعلق بتدخلات مديرية الفنون يشرح مديرها عبد الحق أفندي، فهي تعنى بتدبير وأجرأة جانب وافر من سياسة التنشيط الثقافي للوزارة. وتشغـل المهرجانات حيزا مهما في شبكة البرامج التنشيطية
كما تنظم وزارة الثقافة والاتصال- قطاع الثقافة ما يناهز 22 مهرجانا برسم كل سنة. ترتبط هذه المهرجانات في مجملها بالموروث الثقافي والفني الوطني. فهي مهرجانات موضوعاتية ومتخصصة. إذ يحرص المنظمون على الوفاء لوحدة تـيـماتها وموضوعاتها، وإن كانت أبعادها تتراوح بين الدولي والوطني والجهوي.
وقد أفرد قطاع الثقافة مهرجانا مستقلا لكل لون فني تراثي، توخيا لإبراز سماته وخصوصياته وسعيا إلى صونه وحمايته وكذا تمكين الباحثين والمهتمين من الوصول إلى المتون والممارسات والمهارات التعبيرية ودراسة أبعادها الفنية والجمالية.
وكشف أن هذه المهرجانات تستقطب ما يناهز مليوني متتبع وبتكلفة لاتكاد تنيف عن 20 مليون درهم (دون احتساب المساهمات العينة ومشاركات العنصر البشري الذي لا تحصر محاسباتيا).
كما تشغل هذه المهرجانات أزيد من 4500 فنان. وتكرم زهاء 50 فنانا سنويا، أغلبهم من الرواد (شيوخ، حفظة، مقدمين، رؤساء مجموعات فنية…).
ولعل الأهم من الأرقام في هذا السياق(العناية بالتراث اللامادي) هو الغايات النبيلة التي توجه تنظيم هذه المهرجانات، وخاصة العناية بالذاكرة الوطنية وبالموروث الفني التراثي في ارتباطه العميق بالوجدان المغربي.
وعدد أهداف المهرجانات ولخصها في حماية التراث الثقافي بمختلف أشكاله وروافده وتعابيره، والعمل على تثمينه ورد الاعتبار إليه؛ ضمان استمرارية الفنون والتعابير التراثية والشعبية وتوارثها عبر الأجيال؛ تكريم  ورد الاعتبار لرواد الفنون التقليدية والتراثية باعتبارهم كنوزا بشرية حية؛ تشجيع الشباب على تملك وتمثل مختلف صور التراث الفني وتحفيزهم على التعاطي معها فرجة وممارسة؛ ترسيخ الموروث الثقافي في منشئه الجغرافي والطبيعي وتكريسه في الأحياز الثقافية والاجتماعية التي شهدت ميلاده وتبلوره؛ كما عدد أفندي أهم المهرجانات التراثية (فن وتراث) منها مهرجان فن الروايس بإنزكان؛ مهرجان ثقافات الواحات بفجيج؛ ملتقى سجلماسة لفن الملحون بالرشيدية وأرفود والريصاني، موسم طانطان(مسجل كتراث عالمي غير مادي للإنسانية منذ 2008)؛ المهرجان الوطني لفن العيطة الجبلية بتاونات؛ ملتقى الأندلسيات بشفشاون، مهرجان الطرب الغرناطي بوجدة؛ المهرجان الوطني لأحواش بورزازات، مهرجان وليلي لموسيقى العالم التقليدية (وليلي- مكناس)، مهرجان صيف الأوداية بالرباط؛ المهرجان الوطني لفن العيطة بآسفي، مهرجان الفنون الشعبية الشرقية ببركان، المهرجان الوطني لأحيدوس بعين اللوح، مهرجان عبيدات الرما بإقليم خريبكة، مهرجان فنون الشارع بفاس؛ المهرجان الجهوي لطرب الآلة جهة الرباط – سلا- القنيطرة؛ ملتقى الغناء والشعر الحساني بالداخلة، مهرجان أهازيج واد نون بكلميم.
بدوره تطرق الدكتور المختار الفاروقي إلى التراث الثقافي غير المادي، كما تعرفه اليونسكو، وأكد المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة سوس ماسة أن المقصود بذلك هو الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية التي تعتبرها الجماعات والمجموعات وأحيانا الأفراد جزءا من ثراتهم الثقافي، وهذا الثرات الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، يضيق الباحث الفاروقي تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها ،وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها ، ويعزز من ثمة احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية، ولايؤخذ بالحسبان كما تقول اتفاقية اليونسكو سوى التراث الثقافي غير المادي الذي يتفق مع الصكوك الدولية القائمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع مقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات والمجموعات والأفراد والتنمية المستدامة.
وعدد الأستاذ المختار الفاروقي المجالات التي تشمل هذا الثرات اللا مادي ،منها المهرجانات التقليدية والتقاليد الشفهية والملاحم والعادات وأساليب المعيشة والحرف التقليدية.
وفي هذا السياق تطرق المختار الفاروقي إلى العديد من التراث الثقافي غير المادي في المغرب الذي تم تصنيفه كتراث عالمي وقدم في هذا المجال العديد من النماذج التي تزخر بها بلادنا. مثل العادات والممارسات المرتبطة بشجرة الأركان المعروف بها المغرب لوحده، في حين هناك أشياء مشتركة مع بلدان أخرى مثل الحمية المتوسطية التي يشترك فيها المغرب مع قبرص وكرواتيا وإسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال، وهي توصية غذائية حديثة تتميز بها الأنماط التقليدية لبعض دول المتوسط، وترتكز الجوانب الرئيسية لهذا النظام الغذائي باستهلاك نسبة عالية من زيت الزيتون والبقوليات والحبوب الكاملة والحبوب غير المكرورة والفواكه والخضراوات واستهلاك كمية معتدلة إلى كبيرة من الأسماك.إلى غير ذلك من الأمثلة التي ساقها الباحث المختار الفاروقي.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 02/01/2018