أيام منذ بدء الهجوم التركي على الفصائل الكردية في شمال سوريا

يشن الجيش التركي منذ السبت في شمال سوريا هجوما جويا وبريا ضد فصائل كردية تعتبرها أنقرة «ارهابية»، لكنها حليفة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الاسلامية.
ويأتي هذا الهجوم بعد أن أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية انه يعمل على تشكيل قوة امنية حدودية من 30 الف عنصر في شرق سوريا، قوامها خصوصا مقاتلين من الاكراد، الأمر الذي أثار غضب أنقرة.
وأعربت روسيا عن «قلقها» حيال بدء هجوم تركيا ودعت الى «ضبط النفس». وقالت وزارة الدفاع الروسية أن العسكريين الروس غادروا منطقة عفرين «لمنع استفزازات محتملة وجعل حياة العسكريين الروس في منأى من اي تهديد».
قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، اليوم الاثنين، إن روسيا تراقب عن كثب العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، وتتواصل مع القيادتين التركية والسورية بهذا الشأن.
وقال بيسكوف، في تصريح نشر على الموقع الرسمي للكرملين، «نحن نراقب بعناية فائقة مسار العملية، والممثلون الروس على اتصال دائم مع كل القيادتين السورية والتركية حول هذه المسألة»، مضيفا أن روسيا «لا تزال نعتقد بأن الأساسي هو الحفاظ على وحدة أراضي سوريا ومراعاة الجوانب الإنسانية في منطقة عفرين».
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعربت، السبت، عن قلقها إزاء بدء القوات التركية عملية عسكرية في مدينة عفرين شمال غرب سوريا ضد مواقع القوات الكردية في المدينة ومحيطها، وأكدت على وحدة الأراضي السورية.
وذكر بيان للوزارة أن «موسكو تعرب عن قلقها إزاء العملية العسكرية التي بدأتها القوات التركية في مدينة عفرين على الحدود التركية – السورية، وتؤكد التزامها بموقف ثابت من أجل التوصل لحلول في سوريا ،تقوم على أساس الحفاظ على سلامة أراضي واحترام سيادة هذا البلد».
وقالت وحدات حماية الشعب الكردية من جهتها ان «روسيا تتحمل مسؤولية هذه الهجمات، بقدر تحم ل تركيا لهذه المسؤولية».
وقالت وزارة الخارجية الأميركية «نحض تركيا على ممارسة ضبط النفس وضمان ان تبقى عملياتها محدودة في نطاقها ومدتها، ودقيقة» في أهدافها.
لكن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أكد أن أنقرة أبلغت الولايات المتحدة مسبقا بعمليتها في سوريا، مشيرا إلى وجود مخاوف أمنية «مشروعة» لدى الجانب التركي.
وطلبت فرنسا عقد اجتماع طارئ لمجلس الامن لمناقشة التدهور العسكري ودعت تركيا الى وقف هجومها.
وندد الرئيس السوري بشار الأسد الأحد بالهجوم التركي الذي قال انه امتداد لسياسة أنقرة في دعم «التنظيمات الارهابية» منذ اندلاع النزاع في 2011.
ومنعت الشرطة التركية تظاهرتين ضد العملية، في اسطنبول وديار بكر.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن «مسألة عفرين سيتم حلها، ولن نتراجع. تحادثنا بهذا الشأن مع اصدقائنا الروس، ونحن متفقون».
واكد نائب رئيس الوزراء التركي محمد ش مشك أن العملية ستكون «محدودة ولمدة قصيرة». وتقول أنقرة إن هدفها انشاء منطقة أمنية بعمق حوالى 30 كلم داخل سوريا.
وأكد الكرملين أنه «يتابع بالطريقة الأكثر انتباها» تطور العملية، مشيرا الى انه على تواصل مع دمشق وأنقرة.
وحض وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون جميع الاطراف على ضبط النفس في النزاع، مشيرا الى «حق تركيا المشروع في حماية مواطنيها».
نسب تقرير ممثل عن وسائل الإعلام إلى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قوله اليوم الاثنين إن الولايات المتحدة تأمل في العمل مع تركيا على إقامة منطقة أمنية في شمال غرب سوريا لتلبية احتياجاتها الأمنية المشروعة.
ونقل صحفي، يسافر مع تيلرسون إلى باريس، عنه قوله إن الولايات المتحدة قالت لتركيا «دعونا نرى إن كان بوسعنا العمل معا لإقامة المنطقة الأمنية التي قد تحتاجونها… نحن في مناقشات مع الأتراك وبعض القوات على الأرض أيضا عن كيفية تحقيق الاستقرار وتهدئة مخاوف تركيا المشروعة بشأن أمنها»
ودعت قوات سوريا الديموقراطية، التي يشكل الاكراد مكونها الرئيسي، التحالف الى «تحمل مسؤولياته» وأكدت أن الهجوم «دعم واضح وصريح» لتنظيم الدولة الاسلامية.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، ق تل 21 شخصا بينهم ستة اطفال، في القصف التركي منذ السبت. لكن أنقرة تؤكد انها لم تستهدف الا «ارهابيين» متهمة وحدات حماية الشعب الكردي بممارسة «دعاية بلا معنى واطلاق اكاذيب لا اساس لها «…
أبرز الفصائل السورية المشاركة

ويشارك ميدانيا في الهجوم الذي أطلقت أنقرة عليه تسمية «غصن الزيتون» مجموعة من الفصائل السورية المعارضة التي تحاول التقدم داخل المنطقة آتية من الجهة التركية، مدعومة بالغارات والقصف التركي.
تعرف منطقة عفرين التي تضم أكثر من 360 قرية وبلدة في شمال محافظة حلب بطبيعتها الجبلية. تحدها تركيا من جهتي الشمال والغرب فيما تسيطر الفصائل المعارضة على المناطق الواقعة شرقها وجنوبها.
وانطلق الهجوم على عفرين السبت من داخل الأراضي التركية التي انتقل اليها 600 عنصر من الفصائل المعارضة بهدف المشاركة في القتال ميدانيا .
وينتشر مقاتلون معارضون شرق عفرين على طول طريق سريع يقع بين مدينتي مارع وأعزاز، أبرز معاقلهما في محافظة حلب.
ومن جهة الجنوب، يتجمع مقاتلون معارضون بعضهم من محافظة ادلب (شمال غرب) المجاورة، في جهوزية للمشاركة في الهجوم.
ويشرح عضو غرفة العمليات المشتركة بين الجيش التركي والفصائل المعارضة الرائد ياسر عبد الرحيم لوكالة فرانس برس «الفصائل التي تقاتل على الارض هي فصائل الجيش السوري الحر وهناك دعم جوي ومدفعي من الاخوة الأتراك».
وبحسب عبد الرحيم الموجود على الحدود التركية السورية، وهو القائد العسكري لفصيل فيلق الشام أبرز فصائل المعارضة في شمال سوريا، فإن 25 ألف مقاتل معارض ينتشرون على كافة جبهات عفرين.
وينضوي هؤلاء المقاتلون في فصائل معتدلة سبق وتلقت دعما تركيا وأميركيا ، وشارك معظمها في عملية «درع الفرات» التي شنتها أنقرة في العام 2016 قرب حدودها في شمال سوريا ضد تنظيم الدولة الاسلامية ووحدات حماية الشعب الكردية في آن معا .
ومن بين تلك الفصائل، فيلق الشام والجبهة الشامية الناشطين في شمال سوريا منذ العام 2014، بالاضافة الى فرقة السلطان مراد ولواء المعتصم.
وسبق لبعض هذه الفصائل أن اشتبكت مع المقاتلين الأكراد.
وتصنف أنقرة الوحدات الكردية التي تشكل الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، على لائحة «المنظمات الارهابية» وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها على اراضيها منذ عقود.
وتأخذ الفصائل المعارضة على الوحدات الكردية عدم مشاركتها في القتال ضد قوات النظام منذ اندلاع النزاع في العام 2011، بالاضافة الى نزعتها «الانفصالية» على خلفية سعيها لتكريس الحكم الذاتي في مناطق سيطرتها.
ويقول عبد الرحيم إن هدف العملية «تحرير منطقة عفرين من جميع أشكال الارهاب وحماية المدنيين، من عرب واكراد» مضيفا «لا نقاتل الأكراد، بل نقاتل قوات بي واي دي وبي كاي كاي» في اشارة الى حزبي الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا والعمال الكردستاني.
ويوضح «الأحياء السكنية في عفرين ليست هدفا لنا، نستهدف فقط المعسكرات والنقاط العسكرية»، داعيا المدنيين الى الابتعاد عنها.
وتتهم الفصائل المعارضة المقاتلين الأكراد بممارسة سياسة «التهجير القسري» تجاه السكان العرب في المناطق تحت سيطرتهم.
ويقول قيادي في الجبهة الشامية، يعرف عن نفسه باسم أبو مسلم، لفرانس برس «هدف العملية كمرحلة أولى إخراج الأحزاب الانفصالية من القرى العربية في مناطقنا» نافيا أن تكون موجهة ضد المكون الكردي.
ويضيف «واجب علينا اخراج الأحزاب الانفصالية وإعادة الأهالي المشردين الذين يقيمون في الخيم تحت الشتاء».
وتقصف المدفعية التركية الاثنين في اليوم الثالث من الهجوم، مواقع وحدات حماية الشعب الكردية بكثافة، وفق ما افادت وسائل اعلام تركية، متحدثة عن توغل القوات التركية خمسة كيلومترات في الاراضي السورية.
واكد نائب رئيس الوزراء التركي محمد ش مشك الاثنين ان العملية ستكون «محدودة ولمدة قصيرة».
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لفرانس برس الاثنين ان «الاشتباكات المستمرة منذ ساعات الليل هي الاعنف على الاطلاق منذ بدء الهجوم السبت»، لافتا الى انها «تمتد حاليا على طول الخط الحدودي بين عفرين وتركيا».
اعتقالات…

قالت وزارة الداخلية التركية اليوم الاثنين إن الشرطة اعتقلت 24 شخصا بتهمة «نشر دعاية إرهابية» على وسائل تواصل اجتماعي تتعلق بالعملية العسكرية ضد مقاتلين أكراد في شمال سوريا.
وتعتبر تركيا الوحدات منظمة إرهابية وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ 30 عاما في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه غالبية كردية.
ولم تكشف وزارة الداخلية عن تفاصيل بشأن الاعتقالات، لكن وكالة الأناضول للأنباء قالت في وقت سابق إن الادعاء في مدينة ديار بكر بجنوب شرق تركيا أصدر أوامر باعتقال 17 شخصا نشروا مواد على الإنترنت «لتحريض مواطنين من أصول كردية وتشجيعهم على الخروج إلى الشوارع».
وأضافت الوكالة أن الشرطة صادرت بندقية ومسدسا وذخيرة في مداهمات متعلقة بالأمر في ديار بكر.
وجاءت هذه التحركات بعد أن فرقت الشرطة التركية احتجاجات موالية للأكراد في أنقرة واسطنبول أمس الأحد واعتقلت ما لا يقل عن 12
خطة تواجه معضلة دبلوماسية

تستطيع تركيا ان تتوعد ما يحلو لها بوأد القوة الجديدة التي يهيمن عليها الاكراد ويريد التحالف الدولي تشكيلها في سوريا، لكنها تواجه معضلة دبلوماسية وعسكرية صعبة بسبب مخاطر حصول صدامات مع حليفيها الروسي والاميركي.
ومنذ الاعلان الأحد عن تشكيل «القوة الأمنية الحدودية» التي تدربها الولايات المتحدة، صب الرئيس رجب طيب اردوغان غضبه على واشنطن مكررا ان تركيا ستتحرك عسكريا من أجل «وأدها في المهد».
ويفترض ان تشكل قوات سوريا الديموقراطية وهي تحالف من المقاتلين العرب والأكراد نصف تلك القوة التي ستعد لدى اكتمالها 30 ألف عنصر، اما الباقي فمن المجندين الجدد.
غير ان قوات سوريا الديموقراطية تتشكل بمعظمها من وحدات حماية الشعب الكردية، وهي فصيل تعده انقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حركة تمرد ضد الجيش التركي منذ 1984.
وأكد اردوغان الاثنين ان الجيش التركي مستعد لتنفيذ عملية «في اي وقت» ضد قواعد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين في شمال سوريا فيما أوحى ارسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود بأن الهجوم بات وشيكا.
غير ان هذا الهجوم ينطوي على مخاطر لأن روسيا التي كثفت تعاونها مع تركيا حول سوريا موجودة عسكريا في عفرين وتربطها علاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب الكردية.
كما أن واشنطن لن تنظر بعين الرضا الى التحرك العسكري التركي لأن القوات الكردية السورية تقف في الصفوف الأمامية في محاربة التنظيمات الاسلامية المتطرفة في سوريا حتى وإن كان الوجود الأميركي ضئيلا في منطقة عفرين.
ويقول أرون لوند الخبير في شؤون سوريا في مؤسسة «سنتشوري فاونديشن» الأميركية ان «التهديدات التركية بالتدخل تبدو جدية أو على الأقل مسموعة ومتكررة. سيكون من الصعب على اردوغان أن يتراجع في هذه المرحلة». واذ يلاحظ أن الأميركيين «لا يرون أن عفرين تطرح مشكلة بالنسبة اليهم» كونهم يركزون أنشطتهم المتصلة بوحدات حماية الشعب الكردية في المناطق الواقعة الى الشرق منها، يقلل لوند من فرص تورط القوات الأميركية في نزاع محتمل.
ويضيف ان «الجيش الأميركي ينفذ في سوريا مهمة محددة بمحاربة الارهاب. إن المشاركة في حروب وحدات حماية الشعب الكردية ضد تركيا أو فصائل أخرى معارضة لا تدخل في نطاق مهمته».
ويقول آرون شتاين من «المجلس الأطلسي» ان الشعور السائد في واشنطن ان ما يجري هو «استعراض تركي وانه لا يمكن فعل اي شيء لردع اردوغان عن إرسال جيشه ليتوغل في الجانب الآخر من الحدود إذا قرر ذلك».
ويضيف ان اردوغان «يهدد منذ سنة باجتياح سوريا مرة واحدة على الأقل كل اسبوع. وهذه المرة، الأمر مختلف لأن خطابه أكثر تحديدا بكثير وموجه ضد الولايات المتحدة. أعتقد أنه سينفذ تهديده لكن لا أحد يعرف حجم العملية المحتملة».
يقول شتاين ان «القوة الخارجية الوحيدة القادرة على منع حدوث اجتياح تركي في هذه المرحلة هي روسيا».
وأقر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الخميس بضرورة التنسيق مع روسيا بهدف تفادي اي صدام مع القوات الروسية في عفرين.
وأضاف «يجب الا تعترض (روسيا) على عملية في عفرين».
وزار رئيس اركان الجيش التركي خلوصي اكار ورئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان الخميس موسكو لبحث الوضع في سوريا مع قائد الجيش الروسي.
ويقول شتاين ان «تركيا قد تحرج روسيا اذا اجتاحت شمال سوريا من دون الحصول على موافقة صريحة منها»، ومثل هذا السيناريو يقوض العملية الدبلوماسية التي يرعاها البلدان مع إيران من اجل حل النزاع.
من جهته، يستبعد المحلل العسكري في مركز السياسات في اسطنبول والكاتب في موقع «ال مونيتور» متين غورشان شن هجوم تركي الا في حال «فتحت روسيا مجال عفرين الجوي أمام تركيا (…) وسحبت جنودها» المنتشرين في المنطقة.
ويضيف «هل تجرؤ تركيا على مهاجمة عفرين من دون ضوء أخضر من روسيا؟ الجواب بالنسبة لي هو بالتأكيد لا».


بتاريخ : 25/01/2018