المقاوم اسعيد بونعيلات يتحدث عن المقاومة وجيش التحرير والنضال السياسي التقدمي والوطني 2/3 : حكم عليه بالإعدام ثلاث مرات واختطفته مخابرات فرانكو وسلمته إلى أوفقير

من قلب أمانوز التي أنجبت العديد من المقاومين الكبار ، إلى الدار البيضاء حيث كان من الرعيل الأول الذي التحق بالحركة الوطنية وأحد مؤسسي وقادة حركة المقاومة المسلحة إلى شمال المغرب حيث كان من الذين سهروا على إنشاء جيش التحرير وإطلاق شرارته النضالية ··إلى معتقلات الإستقلال ثم المنفى بالجزائر وبعدها إسبانيا قبل أن يتم اختطافه من طرف مخابرات فرانكو وتسليمه إلى المغرب ·· عبر كل هذه المحطات ، كان محمد آجار الملقب ب»اسعيد بونعيلات « في الصفوف الأولى دفاعا عن حرية وكرامة المغرب ورمزا شامخا لحركة التحرير الشعبية ، وللإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الذي كان من بين مؤسسيه، رمز يقف أمامه كل المناضلين ، في مختلف أقطار المغرب العربي، إجلالا واحتراما لإخلاصه الشديد لمبادئه ونكران للذات قل نظيره ·
أجمع كل الذين رافقوه خلال هذه المحطات ، وكل الذين كتبوا عن هذه المراحل من تاريخ المغرب ، أن «اسعيد بونعيلات» كان واحدا من الأبطال الكبار الذين يحق لكل المغاربة أن يفتخروا بهم · وقد أكد ذلك غير ما مرة ، منذ إلتحاقه المبكر بصفوف الحركة الوطنية ، ثم بالقيادة المركزية لحركة المقاومة المسلحة رفقة الشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وسليمان العرايشي وعبد الله الصنهاجي وغيرهم· هذا المناضل الكبير، أو الرجل الخفي الذي دوخ مخابرات الإستعمار ، وكان يبيت في العراء رفقة الشهيد الزرقطوني ، عندما أصبح ملاحقا ، كان نصيبه من مغرب الإستقلال ثلاثة أحكام بالإعدام · وعندما أطلق سراحه سنة 1972 ، خصص له المغاربة استقبالا منقطع النظير ، من سجن القنيطرة إلى الرباط مرورا بسلا · وقد ظل طيلة هذه السنوات وفيا لأفكاره ومبادئه، يراقب عن كثب تطورات الأوضاع ، إلى أن أقنعناه بفتح صدره، وكشف أسرار عديدة تخص مراحل هامة من تاريخ المغرب ، كان أحد صناعها الكبار ·

 
تفجير قطار الدارالبيضاء – الجزائر

– أجمعت كل الكتابات المتعاقبة بحركة المقاومة المسلحة والمذكرات التي نشرها مقاومون عايشوا تلك الفترة عن قرب أن عملية تفجير قطار الدار البيضاء -الجزائر، شكلت نقطة تحول في مسار حركة الفداء ، نظرا للدقة التي تمت بها ، سواء من حيث التخطيط أو إختيار الهدف أو التنفيذ· بصفتك أحد الذين خططوا لهذه العملية ونفذوها، كيف تمكنتم من توجيه هذه الضربة الموجعة إلى الإستعمار؟
– كما سبق وأشرت، فإنه بعد إقدام الإستعمار على تنفيذ الجريمة الشنعاء المتمثلة في نفي محمد الخامس، قررت حركة المقاومة ، التصعيد من عملياتها ، والبحث عن الوسائل التي تمكنها من تحقيق أهدافها · العمليات الأولى والتي سبق وأشرت إلى بعضها ، كان لها المفعول الذي توخيناه ، حيث أنها أثارت إنتباه الشعب الذي بدأ يتعاطف مع المقاومة ، وأعادت الثقة إلى نفوس الجماهير ، بعد نفي الملك الشرعي للبلاد وتنصيب دمية مكانه بتواطؤ مع بعض القياد والإقطاعيين الخونة· بهذا المعنى كان لهذه العمليات تأثير إيجابي ، كما أنها أحدثت في أوساط السلطات الإستعمارية وأذنابها والمتعاونين معها· فبعد محاولة تصفية مفتش الشرطة «المسكيني» وإغتيال الخائن «بنيس» ، أصبح الخونة يعيشون حالة توجس ورعب ، وتنفس المقاومون الصعداء إدراكا منه أن قطار المقاومة قد إنطلق، ولن يوقفه شئ سوى تحرير البلاد · لكن ، ونحن نناقش ونحلل كل هذه المعطيات، في إطار القيادة المركزية للمنظمة السرية، كما كنا نطلق عليها آنذاك، كنا واعين بأنه من الضروري والمستعجل ، التصعيد من وتيرة العمليات الفدائية من جهة ، وتنفيذ عمليات نوعية، توجع السلطات الإستعمارية، ونؤكد لها أن الجرائم التي اقترفتها ومازالت تقترفها بحق المغرب والمغاربة لن تمر هكذا ، وأنها سوف تدفع الثمن غاليا بسبب سياستها · في هذا الإطار قررنا أن نقوم بتفجير قطار الدار البيضاء – الجزائر·

– كيف كانت الترتيبات السابقة على تنفيذ هذه العملية ، من إعداد للقنابل وتخزينها إلى حلول الموعد المحدد ، إلى غير ذلك من مراحل الإعداد؟
– قد يبدو ذلك مفاجئا للجيل الحالي وللقراء، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد ضمن المجموعة التي خططت ونفذت هذه العملية من يعرف تفاصيلها وذلك بسبب الأسلوب التنظيمي الصارم الذي كنا نعتمده لحماية خلايا المقاومة ، ومفاده أن كل عضو مهما بلغت درجة مسؤوليته لا يجب أن يعرف إلا ما يدخل في نطاق المهمة التي تم تكليفه بها · فلأسباب أمنية كنا ننأى عن معرفة كيف قام عضو آخر بتنفيذ ما هو مكلف به ، وذلك لأن معرفة شخص بكل التفاصيل سيعصف بالتنظيم كله إذا ما جرى اعتقاله· عموما ما أعرفه حول مراحل الإعداد هو أن القنابل صنعت من طرفنا بوسائل محلية ، واعتمدنا في ذلك على شراء ماسورات، وقد تم تقطيعها في المدينة القديمة عند «سودور» كان الشهيد الزرقطوني هو الذي اتصل به، أما إعداد القنابل فقد تم على مراحل وكانت لدى المقاومة آلة خاصة بذلك، لكني لا أستطيع أن أؤكد من تابع العملية بعد ذلك، بعد أن أصبحت القنابل جاهزة ، قمنا في البداية بتخزينها في محل كان في ملك المرحوم عبد لله الصنهاجي، وأذكر أننا بعد ذلك نقلناها إلى «عرصة» في سيدي مسعود، فقد كنا كلما أحسسنا بحركة غير عادية نعيد نقل المتفجرات وما نتوفر عليه من أسلحة إلى مكان آخر ، حتى لا يتم اكتشافها، خصوصا أن ما كنا نتوفر عليه من سلاح كان قليلا جدا، وكان وقوعه في يد السلطات الإستعمارية سيضعنا في مأزق·

– بعد ذلك جاء وقت التنفيذ؟
– نعم وكان ذلك بقرار من القيادة المركزية التي عينت المسؤولين عن تنفيذ العملية ، وهم ، عبد ربه ومحمد منصور ومحمد السكوري ·

– متى كان ذلك ؟
– تقرر تنفيذ العملية في 7 نونبر 1953· ذلك اليوم، بعد الزوال، ركبنا السيارة نحن الثلاثة، وتوجهنا إلى محطة القطار (الدار البيضاء – المسافرين)· كان كل من منصور والسكوري يحمل حقيبة وضعت بها قنبلة· بعد أن وصلنا إلى محطة القطار، توجهت إلى شباك التذاكر واشتريت لهما تذكرتين، حسب الخطة التي تم الإتفاق عليها – وبعد ذلك سلمتهما التذكرة· وفيما تركتهما ينتظران موعد إنطلاق القطار غادرت المحطة ، وركبت السيارة وتوجهت بسرعة باتجاه مدينة الرباط حتى أكون في انتظارهما في الموعد المحدد بعد مغادرتهما القطار·

– ما هو نوع السيارة التي استعملتم ومن كان صاحبها ؟
– «يتعلق الأمر بسيارة» تراكسيون « وكانت في ملك مولاي عبد لله الشتوكي ، وهي أول سيارة استعملتها حركة المقاومة·

– في الطريق إلى الرباط، وأنت تقود السيارة بسرعة للوصول في الموعد المحدد إلى الرباط ، ما هي الأفكار التي كانت تجول في خاطرك؟
– كان همي الأول هو أن أصل في الموعد المحدد ، لأتمكن من إعادة الأخوين منصور والسكوري سالمين إلى الدار البيضاء، كنت أدعو لله أن نتوفق في توجيه هذه الضربة إلى المستعمر، فبعد كل الجهود التي قام بها كل واحد ، حسب المهمة التي كلف بها ، لم يتبق إلا التنفيذ · كنت أستعرض كل المهام التي أنجزناها قبل ذلك على درب الكفاح، والروح المعنوية العالية التي
يتوفر عليها المقاومون ، والجاهزية التي أبانت عنها الحركة منذ إنطلاقها، وكيف أننا إنتقلنا إلى مرحلة أخرى من مراحل الكفاح المسلح دفاعا عن وطننا، وأن العملية التي نحن مقدمين عليها سيكون لها وقع كبير على جميع الأصعدة، خواطر كثيرة أخرى كانت تفرض نفسها في تلك اللحظات الحاسمة ، وأنا أشق الطريق باتجاه الرباط، وكنت متفائلا لأني كنت أعرف من أية طينة خلق رجال المقاومة·

– ووصلت في الوقت المحدد
– نعم وصلت قبل وصول القطار إلى محطة الرباط المدينة· توقفت قرب المحطة ، وترجلت متوجها صوب بابها الذي كان يعج بالبوليس· وظللت أنتظر ، وبعد مدة رأيت الأخوين محمد منصور ومحمد السكوري قادمين· أخبراني أن كل شئ على ما يرام ، وتوجهنا صوب السيارة ، وبسرعة قفلنا راجعين إلى الدار البيضاء·

– ماذا فعلا بالضبط داخل القطار؟
– عندما إقترب القطار من مدينة الرباط ، دخل كل واحد منهما إلى المرحاض ووضعا القنبلة بعد إشعال الفتيل، وذلك حسب التوقيت الذي تم تحديده حتى تنفجر القنبلتان في النفق الذي يلي محطة الرباط المدينة، وبعد توقف القطار غادراه والتحقا بي حيث كنت أنتظرهما·

– بعض الكتابات ذكرت أنكم إستعملتم فتيلين في كل قنبلة؟
– هذا غير صحيح · كان هناك فتيل واحد·

– ولماذا حددتم النفق كمكان للإنفجار ؟
– حتى يكون الإنفجار أقوى ويلحق أكبر عدد من الخسائر

– متى وصلتم إلى الدارالبيضاء ؟
– ليلا، أوصلت الأخوين منصور والسكوري إلى سكناهما، وأعدت السيارة إلى مولاي العربي الشتوكي ثم توجهت إلى بيتي ، عندها كانت الساعة تشير إلى العاشرة ، فنمت فورا·

– متى علمت بنتائج العملية ؟
– في اليوم التالي ، عن طريق الجرائد· كان العديد من القتلى قد سقطوا في أوساط الفرنسيين ومنهم الجنود، وقد ذكرت الجرائد أن من نفذها أشخاص قدموا من القاهرة

– ولماذا لم يقع الإنفجار داخل النفق؟
– التوقيت الذي حددناه كان صحيحا وكانت القنبلتان ستنفجران فعلا في المكان المحدد ، لكن الذي حدث هو أن القطار تأخر بعض الشئ، في محطة أكدال· على العموم كان الإنفجار قويا وقد أصاب المستعمر بالذهول، وبدأ يتحدث عن عناصر قادمة من مصر، وهو ما أكد أن الخطة التي وضعناها والسرية التي رافقت العملية كانت جد محكمة ·
نفوا محمد الخامس في عيد الأضحى فهاجمناهم في أعياد الميلاد.
p نجاح عملية القطار والصدى الذي خلفته، كيف تم استقباله من طرفكم كقيادة مركزية لحركة المقاومة المسلحة؟
n بعد اطلاعنا على نتائج العملية، كما نشرتها الجرائد الاستعمارية والخسائر التي تكبدها المستعمر، سواء على الصعيد المادي أو السياسي، أصبح واضحا بالنسبة إلينا أنه بالرغم من شح الإمكانيات، فقد بدأت المقاومة المسلحة تفرض نفسها على الساحة، وأن الشعب بدأ يقتنع بأنه من الممكن ضرب الاستعمار وتمريغه في الوحل بالرغم من كل الإمكانيات التي يتوفر عليها·
لابد وأن هذه العملية قد زادت من حماسكم ورفعت معنوياتكم خصوصا بعد حالة الارتباك التي سادت في صفوف السلطات الاستعمارية وأذنابها·
في الواقع، نحن كنا متحمسين منذ أن قررنا الانخراط في العمل الفدائي «احنا كنا مشجعين من البداية»، وكنا مصرين على الاستمرار في هذا النهج حتى النهاية، ومهما كان الثمن، فالمقاومون كانوا يضعون أمام نصب أعينهم، وطوال الوقت احتمال الموت في سبيل القضية، ولذلك كنا نحمل معنا حبة السم·

– أنت أيضا كنت تحملها معك؟
– طبعا، وكنا مستعدين لتناولها إذا ما استدعت الضرورة ذلك، وكان أول من تناولها الشهيد حسن الصغير، وبعده الشهيد محمد الزرقطوني الذي لم يتردد لحظة واحدة في تناولها عندما حاول رجال الشرطة إلقاء القبض عليه، أقول هذا لأوضح إلى أي درجة كان الحماس والاستعداد لبذل أغلى ما يملكه الإنسان، سائدا لدى المقاومين· وقد كنا، في هذا الإطار، نتوصل بطلبات من المقاومين للقيام بعمليات انتحارية·

– وماذا كان ردكم، وهل تذكر بعض الذين اقترحوا تنفيذ عمليات انتحارية ضد المستعمر؟
– لم نستطع أن نلبي هذه الطلبات، لأننا لم نكن نتوفر على الوسائل الكفيلة بإنجاحها· وفي هذا الإطار، أتذكر أننا تلقينا طلبا ملحا من طرف مقاوم يدعى «ملال» وهو لايزال على قيد الحياة، وآخر لا يقل حماسه من طرف «الحطاب» الذي انتقل الى جوار ربه· لكننا رفضنا تحقيق مطالبهما، لانعدام الإمكانيات· فمثلا ذات مرة، ذكر لنا منصور أنه يريد الحصول على سلاح رشاش، ليتوجه الى «بلاس دوفرانس» بشارع «لاگار» ـ شارع محمد الخامس حاليا ـ ويطلق النار على الفرنسيين الذين كانوا يتجمعون بكثافة في هذه الساحة، ولو توفر لنا سلاح رشاش آنذاك، لما تردد منصور في تنفيذ هذه العملية التي لم يكن من الممكن أن يخرج منها حيا، أقول هذا لأوضح إلى أية درجة وصل الحنق والغضب من المستعمر، وكيف كان المقاومون يبحثون عن أية وسيلة لضربه·
بعد عملية القطار، جاءت عملية السوق المركزي «مارشي سنطرال» التي لم تكن تقل عنها أهمية نظرا للخسائر التي تكبدها الاستعمار والصدى الذي خلفته وكذلك التوقيت الذي تم اختياره·
بالفعل، واختيار التوقيت كان عاملا حاسما، وكان مقصودا لأننا قررنا «نْعَيْدُوا بهم في نُوِّيل كيما عيْدوا بنا في العيد الكبيرْ»·

– ماذا تقصد بذلك؟
– السلطات الاستعمارية، كما هو معلوم، أقدمت على نفي محمد الخامس في 20 غشت 1953، وكان هذا اليوم يصادف عيد الأضحى، فبالإضافة الى اقترافها لهذه الجريمة الشنعاء التي استهدفت السلطة الشرعية بالبلاد، أصرت على تنفيذ ذلك في مناسبة دينية مقدسة لدى المغاربة وهي «العيد الكبير»، لذلك وكي نرد لها الصاع صاعين، قررنا أن نقوم بعمليات يكون لها وقع كبير في أعياد الميلاد، التي يخصص لها المسيحيون احتفالات كبيرة، وأن نحول هذه المناسبة إلى يوم حداد، كماحولوا العيد الكبير إلى يوم حداد لنا عندما قاموا بنفي محمد الخامس·

 

– لماذا اخترتم تلك الأماكن بالضبط، أقصد السوق المركزي والبريد المركزي ومركز الطرود «كولي بوسطو»؟
– لم يكن الاختيار عشوائيا، فالسوق المركزي «مارشي سنطرال» كان ذلك اليوم، 24 دجنبر 1953، يعج بالفرنسيين الذين يقصدونه بكثافة قصد التبضع للاحتفال بأعياد الميلاد، ونفس الشيء بالنسبة للبريد المركزي ومركز الطرود «كولي بوسطو»، حيث كان العديد منهم، في مثل هذه المناسبة، يقومون ببعث رسائل وهدايا إلى ذويهم·
p أنت لم تكن ضمن الذين كلفوا بتنفيذ هذه العمليات وكنت خارج الدار البيضاء ساعتها، هل هذا صحيح؟
n نعم، فبعد عملية القطار، وكإجراء احترازي، قمت بنقل أفراد عائلتي إلى «البلاد» ليستقروا هناك بصفة نهائية، لأني شعرت بأنه لن يمر وقت طويل حتى أضطر للاختفاء عن الأنظار، وأن التطورات القادمة ستتطلب مني حرية الحركة وتغيير أماكن الإقامة بشكل دائم، وبالتالي، فمن الضروري أن أتفرغ بالكامل للمقاومة·

– وماذا فعلت بالشاحنة التي كانت في ملكك؟
– تركتها لدى شريكي، وتفرغت بالكامل لما يفرضه عليه واجب الكفاح·

– كانت عملية المارشي سنطرال ناجحة وخلفت خسائر كثيرة في أوساط المستعمرين، من الذين تم تكليفهم بهذه العمليات؟
– بالنسبة للسوق المركزي «المارشي سنطرال»، فالذي تولى تنفيذ العملية هو محمد بنموسى، وقد توجه الى هناك رفقة عبد الله الزناكي، على متن سيارة هذا الأخير· بعد الوصول، حمل بنموسى القنبلة ووضعها قرب أحد محلات الجزارة، دون أن يثير انتباه المتبضعين الذين كانوا يملأون فضاء السوق، ثم قفل راجعا· وما هي إلا لحظات حتى انفجرت القنبلة لتحصد معها العديد من الضحايا·

– وبالنسبة لعمليتي «كولي بوسطو» و«البريد المركزي»؟
– كما هو معروف، البنايتان متلاصقتان، وقد توجه الى هناك كل من محمد منصور والغندور وبوشعيب الأيوبي ومولاي العربي الشتوكي، وذلك على متن سيارة هذا الأخير· بعد الوصول الى عين المكان، توجه الغندور الى مركز الطرود البريدية «كولي بوسطو» وبوشعيب الأيوبي إلى إدارة البريد المركزي، وقد حمل كل واحد منهما القنبلة التي تم إعدادها لذلك، وآخر التوجيهات التي زودهما بها منصور، وقد قام كل من الغندور وبوشعيب بتنفيذ المهمة التي أنيطت بهما، لكن القنبلتين لم تنفجرا، لأنه بعد إشعال الفتيل، أثار الدخان المنبعث، وفي مكان مغلق، انتباه الحاضرين، فبدأ الصراخ وهب رجال الشرطة فأطفأوها·
على العموم، أحدثت عملية «المارشي سنطرال» زلزالا في الأوساط الاستعمارية، وكانت من أكبر العمليات التي نفذتها المقاومة المسلحة، وحسب ما نشرته الجرائد بعد ذلك، فقد خلفت مقتل 18 شخصا وجرح 26 آخرين·
اللجوء إلى الشمال وقصة اللقاء الأخير مع الشهيد محمد الزرقطوني

– رغم أن عملية البريد المركزي و «كولي بوسطو» لم يكتب لهما النجاح· الا ان نجاح عملية «المارشي سنطرال» والخسائر التي تكبدها الاستعمار، كل ذلك جعل المهتمين بتاريخ المقاومة، يضعوها على رأس العمليات التي اصابت الاستعمار في مقتل، ماهي ذكرياتك عن الاجواء السائدة عقب هذه العملية؟
– بالفعل عملية «المارشي سنطرال» كان لها صدى استثنائي، فأن تتمكن المقاومة من صنع القبائل ونقلها الى المكان المحدد وتركها هناك دون اثارة الانتباه، وفي واضحة النهار، كل ذلك، رفع من اسهم حركة المقاومة المسلحة لدى الرأي العام الداخلي والخارجي· وبدأت تثير الانتباه لدى العديد من الاطراف الخارجية، كما ان عملية «المارشي سنطرال» وقبلها عملية القطار الرابط بين الدار البيضاء والجزائر العاصمة زعزع ثقة الاستعمار بنفسه، إلا أن أهم ما حققته من نتائج تبقى ايمان نخبة هامة آنذاك من الشباب المغربي المتحمس بالمقاومة المسلحة كخيار امثل لمقاومة الاستعمار: ايمان سيترجم على أرض الواقع بالتحاق العديد منهم بصفوف المقاومة المسلحة، وسيبرهنون عن استعداد كبير للتضحية بكل شيء دفاعا عن الوطن·

– اعتقال محمد منصور سيدفع بك الى مغادرة الدار البيضاء باتجاه تطوان، ماهي الظروف التي واكبت اعتقال صديقك ورفيقك في الكفاح، ومن ثمة لجوئك الى المنطقة الخليفية انذاك؟
– بضواحي الرباط كانت لدينا ضيعة بواد ايكم نخفي فيها بعض المقاومين «المتورطين» اي الذين اصبحوا مكشوفين لدى السلطات الاستعمارية، وسيمر وقت دون ان تصلنا أخبار من هناك، فبدأنا نطرح التساؤلات حول مصير الاخوان هناك· وقررنا ارسال عبد الله الصنهاجي لاستطلاع الامر، لكن الذي وقع هو ان الصنهاجي لم يحصل على أية معلومة تفيدنا بمصير الاخوان المختبئين، حينها ذهبت عند الشهيد الزرقطوني وقلت له «هاذ الشي ما عاجبنيش لابد ان نستطلع الامر بأنفسنا»·
وافق الشهيد على اقتراحي، وبهذا توجهنا الى الرباط على متن نفس السيارة «تراكسيون» ، نعم على متن تراكسيون التي كان يملكها المرحوم مولاي العربي الشتوكي، وكنت انا الذي أسوقها وكان الشهيد بجانبي، وكنا طوال الوقت نقلب الموضوع من مختلف الجوانب· في البداية قصدنا مسكن احد المقاومين المعلم حمو قرب المجزرة البلدية، فعلمنا انه اعتقل، فتوجهنا بعدها الى ضيعة واد ايكم، وبإجراء احتياطي، لم نتوجه الى الضيعة، بل اوقفنا السيارة قربها ونزلت من السيارة وفتحت «الكابو» كما لو اني كنت اصلح عطبا بالسيارة، وكنت ألقي بين الفينة والاخرى نظرة على باب الضيعة، فلمست حركة غير عادية هناك، اخبرت الشهيد الزرقطوني بمالاحظته وبتوجساتي، فقررنا العودة بسرعة الى الدار البيضاء·

– هل كان منصور قد اعتقل بعد عودتكم؟
– عندما عدنا توجهت مباشرة الى دكان منصور· فعلمت انه قد جرى اعتقاله اثناء غيابنا، وهكذا اتضحت لنا الصورة بالكامل· فقد أدى اعتقال الاخوان بضيعة واد ايكم وبينهم الغندور الذي شارك في عملية «كولي بوسطو» الى اكتشاف امر منصور الذي اعتقل بعد ذلك· وهكذا ما ان علمت بالامر حتى ادركت انه لن يمر وقت طويل حتى ينهار منصور تحت التعذيب الوحشي الذي كانت تمارسه الشرطة في حق المقاومين· وبما انه الوحيد الذي كان يعلم بهويتي الحقيقية، فقد اصبحت مضطرا للاختفاء عن الانظار بأسرع وقت ممكن·

– تقول انه الوحيد الذي كان يعرف بالضبط اسمك الحقيقي؟
– نعم هو الوحيد، اننا كنا اصدقاء منذ عدة سنوات وقبل ان نلتحق بحزب ا لاستقلال ثم بالمقاومة المسلحة، وكما سبق ان ذكرت، فقد كانت تنظيماتنا محكمة لدرجة انه كان لكل واحد منا اسمه الحركي ورقم خاص به، فأنا مثلا كان انذاك اسمي الحركي هو «حمو» ورقمي هو 27 ،لكن من يكون حمو هذا بالضبط، لا أحد يعرف باستثناء منصور·

– الزرقطوني لم يكن يعرف اسمك الحقيقي؟
– كلا، لم يكن يعرف· بالنسبة اليه كنت «حمو» وهو بالنسبة لي كان «علال»، عندما احدثك الان عن اسماء المقاومين، من امثال عبد لله الصنهاجي وحسن صفي الدين وحسن العرايشي··· فهذه الأسماء لم تعرف إلا بعد مدة طويلة، لقد كانت تنظيماتنا محكمة، ولذلك تمكنت المقاومة من الصمود رغم الضربات القوية التي وجهت إليها·

– ماذا فعلت بعد أن علمت باعتقال محمد منصور؟
– بعد استطلاع الأجواء، علمت أن رجال الشرطة سألوا عني في دكان السجائر الذي سبق وحدثك عنه، والواقع في زنقة ستراسبورغ، عندها لبست «جلابية» واتصلت بالشهيد الزرقطوني، وعندما رآني ضحك وقال: «إذا لقد تورطت بدورك فأجبته» نعم، هاذ الشي اللي كاين» فقررنا أنه يجب أن أختفي عن الأنظار·

-من الذي «تورط» أيضا معك وكان يجب أن يختفي بدوره؟
– هذه الاعتقالات دقت أيضا ناقوس الخطرل «عبد لله الصنهاجي» الذي سيكون عليه أن يختفي بدوره، وسيرافقني بعدها الى الشمال· عندها لم يعد من الممكن البقاء في الدار البيضاء·  قبل ذلك اتخذتم جملة من الاحتياطات، من بينها نقل شحنة من الأسلحة كان محمد منصور على علم بمكان تواجدها· بالفعل، كانت هناك شحنة من الأسلحة مخبأة في «عرصة لارميطاج» وكان محمد منصور يعرف بأمر تواجدها، ولذلك فقد كان من الضروري والمستعجل نقل هذه الشحنة الى مكان آخر، لذلك أسرعت أنا والزرقطوني الى مكان تواجد سيارة المرحوم «مولاي العربي الشتوكي»· في البداية لم نتمكن من إشعال محركها، فاضطررنا، أنا والشهيد الى دفعها لمسافة غير قصيرة، وبعدها ركبنا السيارة وتوجهنا الى مكان تواجد الأسلحة·

– كم كانت كمية الأسلحة المخبأة في «عرصة لارميطاج»؟
– العدد الأكبر منها كان عبارة عن قنابل، أما المسدسات فكان عددها قليلا· وكان من الضروري نقلها حتى لاتقع في يد السلطات الاستعمارية·

– وكيف تمت عملية نقل الأسلحة؟
– تمت بنجاح، لكن ماحدث لنا في طريق العودة أمر أغرب من الخيال

– ما الذي حصل؟
– في طريق العودة، فوجئنا بحاجز لرجال الدرك يفتش السيارات والشاحنات، ولا أخفي عليك أنني في الوهلة الأولى أدركت أننا وقعنا· التفت إلي الشهيد وسألته: ألم تحمل معك مسدسا أو اثنين لندافع عن أنفسنا؟ أجابني بالنفي، فالأسلحة كلها كانت في صندوق السيارة، فقلت له: يا إلهي، إن الأسو من الاعتقال هو أن يأخذونك مجانا «فابور»، لو كان معنا على الأقل مسدس فلن ندعهم يلقون علينا القبض إلا بعد إسقاط أكبر عدد ممكن منهم (يضحك) لكن بعد هنيهة سنفاجأ برجال الدرك يطلبون منا مواصلة الطريق دون أن تفتيش، ولم نتنفس الصعداء إلا بعد أن أصبحنا بعيدين عنهم، حينها أدركنا أن العناية الإلهية ترافقنا، وأننا مادمنا ندافع عن قضية عادلة فالله معنا· على كل وصلنا الى المكان الذي اتفقنا على وضع الأسلحة فيه، وهو منزل والد الحسين برادة، فتركنا الأسلحة هناك وأعدنا السيارة الى مكانها·

– بعد ذلك اختفيت
– نعم، أذكر أن من الأماكن التي اختفيت فيها، وكان ذلك رفقة عبد الله الصنهاجي، منزل يملكه صهر هذا الأخير، اختفينا في غرفة بسطح المنزل يقع في المدينة القديمة· كما كنا مرات نبيت انا والزرقطوني في الخلاء، قرب مكان الاذاعة بعين الشق· وعندما اشتد علينا الخناق، اصبح من الضروري ان أغادر الدار البيضاء فالأنباء التي كانت تصلنا، كانت تفيد بأن السلطات الاستعمارية قد جندت العديد من المخبرين ورجال الشرطة للبحث عني، بعد المعلومات التي تمكنت من جمعها حولي، لذلك اصبحت مقيدا وغير قادر على الحركة· فكان من الضروري ان اغادر الدار البيضاء لبعض الوقت· اذكر انني عندما اخبرت الشهيد محمد الزرقطوني بأني سأنتقل الى الشمال· بكى وقال لي: هل تتركني لوحدي، قلت له، ان وجودي هنا اصبح عبئا على حركة الفداء ولم يعد من الممكن ان ابقى في ظل هذه الاجواء، وعدته بأنني سأعود بعد ثلاثة اشهر· سأفي بوعدي، وسأعود فعلا بعد ثلاثة اشهر، لكن الزرقطوني كان قد استشهد رحمه لله·

– كانت اذن لحظة الوداع آخر لقاء بينكما؟

– نعم اخر لقاء، ودعني والدموع في عينيه، ولم أكن أعرف لحظتها انها المرة الأخيرة التي سأرى فيها هذا البطل الاستثنائي.
كيف أفلت مرتين من قبضة حرس الحدود المصطنعة في عرباوة

– قررت إذن، رفقة عبد لله الصنهاجي، مغادرة الدار البيضاء، باتجاه المنطقة الخليفية حتى تهدأ الاوضاع قليلا، وذلك في الوقت الذي كنت – أنت والزرقطوني على رأس المطلوبين بعد اعتقال منصور، كيف كانت الرحلة الى الشمال· وهل واجهت بعض المصاعب قبل الوصول الى تطوان؟
– لم تكن الرحلة خالية من المصاعب، وكنا قد وضعنا خطة لتجاوز الحدود المصطنعة في عرباوة وعدم الوقوع في أيدي حرس الحدود· كنا ثلاثة، أنا وعبد الله الصنهاجي وشخص ثالث اسمه الرحموني· وصلنا الى منطقة الحدود في الليل، كان الصنهاجي بحكم قامته الطويلة يسرع الخطى، وقد سبقنا خلال المسير لمسافة غير قصيرة· وبقينا أنا والرحموني وراءه، فجأة وجدنا انفسنا وجها لوجه أمام حرس الحدود· كانوا عدة أفراد، كل واحد منهم يمتطي فرسا ومتأهبا لإلقاء القبض لكل من يحاول التسلل،بدأوا يصيحون في وجهنا ويطلبون منا التوقف· لم أذعن لأوامرهم، وصحت في وجه الرحموني طالبا منه الاسراع بالفرار· ذهب هو في اتجاه وأنا في اتجاه آخر· كنت أسرع بكل ما أوتيت من قوة وأحد حراس الحدود ورائي على حصانه· لا أخفي عليك اني في تلك اللحظات أحسست بأني سأقع في يده لا محالة، فلا يمكن ان أسبق الحصان مهما كانت مقدرتي· لكن العناية الإلهية كانت مرة اخرى في جانبي·

– كيف ذلك، كيف تمكنت من الإفلات وأنت ملاحق هكذا؟
– كنت أضع جلابة فوق كتفي، وأنا أعدو بسرعة، شعرت بأنها تضايقني، فرميتها ورائي فسقطت مباشرة فوق رأس الحصان الذي لم يعد يرى أمامه فتعثر، كانت تلك فرصة ذهبية، فلم أضيعها، بالقرب من هناك، كان وادي عميق، فنزلت إليه وغطست· ظل حارس الحدود الذي كان يتعقبني يقطع المنطقة ذهابا ورجوعا دون ان يعثر على أثري، الى أن يئس وغادر المكان· انتظرت مدة، حتى أطمئن، ثم نهضت وتابعت طريقي

– ماذا كان مصير الرحموني؟
– لم يكن محظوظا، فقد ألقي عليه القبض

– هل كان هو الدليل الذي من المفترض أن يساعدك أنت والصنهاجي في اجتياز الحدود؟
– كلا· كان واحدا من بين المقاومين· من مدينة العرائش، الدليل الذي كان معنا، او «المراسل» كما كنا نطلق عليه انذاك فقد تجاوزنا مع الصنهاجي.

– بعد ان أفلتت من قبضة حرس الحدود، ماذا فعلت؟
– واصلت السير الى أن التقيت ببعض الاشخاص· اخبروني انهم رعاة مكلفون بمراقبة ماشية في ملك قائد المنطقة· سألتهم عن الطريق المؤدية الى العرائش· فبادرني أحدهم قائلا: هل انت من الداخل، أجبته: نعم· فقال لي: سأرافقك الى أن تصل إلى الطريق المؤدية إلى العرائش: لكن بعد أن يحل الصباح، رفضت وأفهمته أني لا أنوي البقاء في هذه المنطقة· وسلمته مبلغ 15 ألف فرنك – 3 الاف ريال فقبل ورافقني· لكن وبعد أن قطعنا مسافة قصيرة توقف وطلب مني المزيد من النقود، أخبرته بأني قد أعطيته كل ما بحوزتي· لكنه لم يصدق، فبدأ يفتش جيوبي· في الواقع كان معي مبلغ محترم من المال، وقد خبأته في سروالي، لكنه لم يعثر عليه· عندما يئس، قال لي بأنه لا يريد اأن يواصل السير معي، فرجوته أن يبقى معي لبعض الوقت حتى أصل الى الطريق المؤدية الى العرائش، وبعد أخذ ورد قبل ان يظل معي مدة قصيرة· وفي الطريق طلبت منه عصا كانت معه· مدعيا أني اريد أن اتكئ عليها بعدما اشتد بي التعب· فسلمها لي، وبسرعة هويت بها عليه فسقط أرضا، واخذت منه 15 ألف فرنك التي كنت قد سلمتها له من قبل، وأسرعت بعيدا· ظللت أواصل السير الى أن بدأت تلوح أولى خيوط الصباح· عندما وصلت الى احد الدواوير في الكوخ الاول الذي وصلت اليه طلبت من سيدة هناك ان تدلني على طريق العرائش· فقالت لي: هناك فوق: ولم تضف شيئا، ولأني لم أعرف الاتجاه الذي تقصد هذه السيدة ذهبت قرب أحد الاكواخ وجلست التقط انفاسي بعدما هدني التعب· وفجأة خرج رجل يقتاد قطيعه· فسألته عن طريق العرائش، اقترب مني وحدق في برهة ثم طلب مني أن التزم الصمت، مشيرا الى بعض الخيام المنصوبة غير بعيد عنا، في هذه الخيام كان بعض الحرس· لم أشعر بوجودهم، ولولا هذا الرجل الطيب الذي دلني على طريق النجاة لكنت قد وقعت في أيديهم مثلما كان هناك اشرار فأمثال الراعي الذي حاول سرقتك كان هناك طيبون
بالفعل، ولولا طيبوبة هذا الشخص ودهاءه لكنت قد وقعت في أيدي حرس الحدود، الحاصل واصلت السير الى أن وصلت الى دوار سيدي «لهواورة» كنت جائعا بعد مدة طويلة لم اذق فيها شيئا· قصدت دكانا هناك وطلبت منه قليلا من الحمص· وعندما سلمته النقود رفض اخذها قائلا بأنها «نقود الداخل» لا يتم تداولها هنا ، أعدت له الحمص وتسلحت بالصبر مواصلا السير، الى أن وصلت الى سوق يسمى سوق «لعمامرة» هناك غيرت النقود التي كانت معي بالعملة الاسبانية «البسيطة» وما ان تسلمتها حتى قصدت خيمة يعد صاحبها الشاي والأكل·

– أصبحت اذن في منأى من حرس الحدود·
– نعم، فقد احسست بزوال الخطر لأني اصبحت في «المنطقة الخليفية» التي كانت تقع انذاك تحت الاحتلال الاسباني· بعد ذلك ركبت الحافلة المتوجهة الى العرائش· مازلت أذكر صاحب الحافلة عندما طلب مني ثمن التذكرة ،بسطت له ما كان عندي من نقود اسبانية لجهلي بقيمتها، فاخد ما أراد· في تلك الاثناء لم أكن مهتما بهذه التفاصيل كل ما كان يهمني هو الوصول إلى العرائش.

– وبعد وصولك الى هنالك؟
– عندما وصلت الى العرائش، وكانت المرة الاولى التي ازور فيها هذه المدينة توجهت الى حديقة قريبة وجلست هناك افكر فيما يجب علي القيام به، وفجأة رأيت المقاوم سليمان العرايشي، رحمه الله، يسير بالقرب من الحديقة، فناديت عليه، عانقني وهو غير مصدق، اخبرته بكل ما جرى، وكيف اني كنت مع عبد الله الصنهاجي، وافترقنا قرب الحدود، طمأنني ورافقني الى منزله، وبعد ان استرحت توجهت الى الحمام، ومرة أخرى لعبت الصدف الجميلة لعبتها، فما ان ولجت الحمام حتى وجدت الصنهاجي هناك، وكأننا كنا على موعد· كان الاخوة في العرائش وتطوان يعتقدون انني قد وقعت في أيدي حرس الحدود· وذلك بعد ان تأخرت في الوصول· بعد أيام من وصولي الى العرائش توجهت الى تطوان· هناك اتصلت بالمرحوم احمد زياد، الذي كان مسؤولا عن اللاجئين، حاول ان يرافقني الى أماكن تواجدهم· ليجد لي مكانا بينهم فرفضت، اخبرته اني لا أنوي اللجوء، وان مقامي في تطوان لن يدوم طويلا· عندها رافقني الى منزل احد الاخوة، ويدعى «عبد العزيز لعميري» واختبأت هناك مدة ثلاثة اشهر، وكنت بين الفينة والأخرى اغادر المنزل مدة قصيرة وأعود·

-وماذا عن عبد لله الصنهاجي؟
– ظل في العرائش قبل ان ينتقل الى القصر الكبير

-ولماذا رفضت الانضمام الى مكان تواجد اللاجئين ؟
– انا لم أكن أنوي البقاء هناك طويلا، فقد وعدت الشهيد الزرقطوني أن أعود بعد ثلاثة اشهر الى الدار البيضاء، كما ان انتقالي للعيش رفقة عدد كبير من اللاجئين، كان من شأنه ان يكشفني، وهو ما كنت أحاول أن أتجنبه، لأني قررت العزم على العودة الى الدار البيضاء·
ستعود فعلا بعد انصرام ثلاثة أشهر، لكن الزرقطوني كان قد استشهد قبل ذلك·
نعم، عدت بعد أسبوع واحد بالضبط من استشهاد الزرقطوني

– وكيف علمت بالخبر؟
– عن طريق الجرائد، كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي ومازلت إلى الآن أتذكر آخر لقاء بيننا لحظة الوداع تلك التي لم يستطع الشهيد ان يحبس دموعه· أحسست أن مسؤوليتي ومسؤولية القيادة اصبحت جسيمة، وانه علينا ان نواصل الكفاح مهما كان الثمن· واننا يجب ان ننتقم لروحه الطاهرة بتوجيه ضربة موجعة للاستعمار وإفهامه انه رغم الخسارة التي خلفها استشهاد هذا البطل فإن المقاومة ستستمر· هكذا وبعد أسبوع بالضبط غادرت تطوان عائدا الى قلب المعركة في الدار البيضاء ·


الكاتب : أجرى الحوار: عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 26/01/2018