ملف ساكنة حي لكرابة بعين بني مطهر : ما مصير مشروع إعادة الإسكان و من يتحمل مسؤولية تعثره ؟

سبق أن أشرنا إلى الوضعية المأساوية التي تعيشها ساكنة حي لكرابة بمدينة عين بني مطهر بإقليم جرادة ، هذا الحي الذي يعد أحد أقدم الأحياء على الإطلاق بالمدينة، إذ يعود بناؤه إلى عشرينيات القرن الماضي حيث كان معروفا آنذاك ب « VILAGE DE NEGURE «كانت تقطنه العديد من الأسر المحافظة التي استقرت به بداية من سنة 1930 و مع مرور الزمن و السنوات تحول هذا الحي الهادئ إلى إحدى بؤر «الفساد» بالمدينة بعد أن غادرته الأسر التي قطنته بداية الثلاثينات و أصبح قبلة و وجهة لعدد من بائعات الهوى و ممتهنات الدعارة اللائي يفدن عليه من خارج عين بني مطهر و من مناطق مختلفة في رحلة بحث عن «لقمة عيش» حتى و إن كان المقابل بيع جسد في متعة عابرة من أجل دريهمات معدودة أو الهروب من فضيحة ما و خوفا من عقاب أسري لا أحد يتوقع نتائجه .

 

 

استمر الوضع المأساوي الذي تعيشه مجموعة من الأسر بهذا الحي لسنوات في غياب أية التفاتة حقيقية من القائمين على تدبير الشأن المحلي بالمدينة، بل الأكثر من هذا تحولت مأساة ساكنة حي لكرابة التي تجترها منذ سنوات إلى رقم انتخابي ليس إلا، يوظف فقط في استحقاقات جماعية من أجل الظفر بمقعد في مكتب مجلس بلدية عين بني مطهر على حساب كرامة مواطنين ساقتهم الأقدار و الظروف الاجتماعية و الاقتصادية الصعبة المحيطة بهم إلى أن يكونوا ضحية لواقع لا أخلاقي استغل  معاناتهم ، دون أن يضع المستغلون في الحسبان أن استمرار وضعية هذا الحي و بهذا الشكل المتردي يعد إساءة لساكنة مدينة قاوم رجالها و نساؤها الاستعمار و حمل شبابها هم النضال السياسي المرتبط بهموم القوات الشعبية من  أجل أن تعيش ساكنة المدينة بكرامة و عزة نفس.
مأساة مستمرة

مرت السنوات و حي لكرابة على حاله، بل تفاقمت أوضاعه و ازدادت معها معاناة ساكنته في غياب مبادرة حقيقية لإنقاذه و لإعادة الاعتبار لساكنته التي لم تطالب سوى بحقها الدستوري في العيش الكريم و في سكن لائق كباقي ساكنة الأحياء الأخرى المشكلة للنسيج العمراني المحلي و التي تعيش نسبيا وضعا أحسن بكثير من وضع حي لكرابة ، و أمام هذه اللامبالاة اضطرت ساكنة الحي إلى الخروج في مسيرات و تنظيم وقفات احتجاجية من أجل إسماع صوتها و لفت انتباه المسؤولين إلى الحالة المتردية التي يعيشونها منذ سنوات علهم يتجاوبون مع مطلبهم الأساسي في إعادة الإسكان، لكن شيئا من هذا لم يتم و بقي الحال كما هو عنوانه الأبرز «المأساة» .
مشروع مع وقف التنفيذ

ما يلاحظ بهذا الحي أن جميع البنايات المتواجدة به تآكلت بفعل العديد من العوامل و أصبحت مهددة بالانهيار في أية لحظة من اللحظات، بل بعضها انهار فعلا و أصبح عبارة عن ركامات من الحجارة و الأتربة بسبب قدمها و تموقعها بأراض منخفضة و تواجدها كذلك على مقربة من الفرشة المائية للمنطقة السقوية رأس العين، الأمر الذي دفع بالسلطات المحلية إلى منع البناء بهذا الحي بموجب تصميم التهيئة الذي تمت المصادقة عليه بالمرسوم رقم 2-98-45 الصادر بتاريخ 14 نونبر 2004 .
و بالرجوع إلى فكرة  إعادة إيواء قاطني حي لكرابة ، فهي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي و بالضبط إلى تاريخ 24 أبريل 1995 حيث صادق المجلس البلدي آنذاك في دورته العادية الثانية على رفع ملتمس لوزير الإسكان قصد إنجاز مشروع سكني بديل لفائدة ساكنة حي لكرابة لاعتبارات عدة منها على وجه الخصوص الحفاظ على سلامتهم الجسدية و على حياتهم، و كذلك مراعاة لحالاتهم الاجتماعية و الاقتصادية المزرية، الأمر الذي نتج عنه تخصيص وزارة الإسكان لمبلغ مالي لصالح شركة العمران لجهة الشرق، و التي عملت بصفتها صاحبة المشروع على توفير الدراسات الهندسية و التقنية ليحظى بعدها المشروع بموافقة اللجنة الجهوية في مجال التعمير ، و بعد موافقة الوكالة الحضرية على تصاميم المشروع بتاريخ 24 ماي 2011 قامت الشركة بإسناد أشغال تجهيز القطعة الأرضية بشبكتي التطهير السائل و الطرقات إلى إحدى المقاولات حيث انطلقت الأشغال يوم 13 أكتوبر  2012 لتتوقف بعدها و بشكل مفاجئ أشغال التهيئة في غياب معطيات حقيقية عن الأسباب التي كانت وراء تعثر الأشغال ، و أمام إلحاح ساكنة حي لكرابة و صمودها في الدفاع عن حقها الدستوري في السكن ،و أمام دعوات الدعم و المساندة التي تلقتها من عموم ساكنة عين بني مطهر و فعالياتها الحقوقية و السياسية ، و التي وصل صداها إلى قبة البرلمان  بعد إثارة الموضوع في أسئلة كتابية من الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، و من أجل التسريع من وتيرة إنجاز هذا المشروع الذي ابتدأ أمنية و أضحى اليوم حلما ينتظر التجسيد على أرض الواقع ، عقدت السلطات الإقليمية اجتماعا بتاريخ 04 يوليوز 2012 بحضور كافة الأطراف التي لها علاقة مباشرة بهذا المشروع / الحلم لدراسة المشاكل و الأسباب التي أدت إلى توقف الأشغال و عاقت تقدم إنجاز هذا المشروع السكني ليتم خلالها الاتفاق على إعداد دراسة تقنية أخرى من طرف شركة العمران تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات التي صادفت بداية الأشغال ، و بعدما كان المشروع في صيغته الأولى عبارة عن تجهيز 40 بقعة أرضية و بناء 30 وحدة سكنية تحول الأمر بقدرة قادر إلى تجهيز 70 بقعة أرضية فقط ، إضافة إلى  مرفق عمومي، فيما تبخرت الوحدات السكنية الشيء الذي طرحت معه العديد  من التساؤلات حول هذا التعثر الذي حدث فجأة و دون سابق إعلام.
و بالرجوع إلى الكلفة المالية لإنجاز المشروع فقد حددت في مبلغ 10،72 مليون درهم فيما الدعم المالي الذي توصلت به الشركة صاحبة المشروع لا يتعدى 4،5 مليون درهم .
في أفق إنهاء المعاناة

اليوم ، و نحن نطرح التعثر الذي عرفه مشروع إعادة إسكان قاطني حي لكرابة ، يبقى من غير المقبول أن يستمر هذا الوضع إلى ما لا نهاية، فقد آن الأوان أن تتحمل الحكومة و معها السلطات الإقليمية و المنتخبة مسؤوليتها من أجل إنهاء معاناة الساكنة والاستجابة لنداءات أسر لا تطالب سوى بحقها الدستوري في السكن اللائق  .
فهل تشهد الأيام القادمة «حلحلة» لهذا الملف الذي عمر طويلا ، أم أن سياسة الأذن الصماء و اللامبالاة ستبقى سيدة الموقف بخصوص مشروع ابتدأ بملتمس سنة 1995 و مازال حلما و نحن في سنة 2018 ؟


الكاتب : الطيب الشكري 

  

بتاريخ : 29/01/2018