لكسب « تحدي تكريس الثقة الموطدة لأمن القانون»

حميد بنواحمان

 

في إطار التطلع إلى “الرقي بالعدل والعدالة ” ، احتضنت العاصمة الرباط ، يوم الخميس 18 يناير 2017 ، لقاء تواصليا “وازنا”، من تنظيم محكمة النقض ورئاسة النيابة العامة ، بتنسيق مع هيئات المحامين ، تضمنت عروضه إشارات “دالة” على أن هناك وعيا تاما باستعجالية إخراج القطاع من وطأة “الشوائب ” – المادية منها والمعنوية – التي طالما خدشت صورته العامة لدى المواطنين. إشارات تجعل المهتم ب”أحوال المجتمع ” أمام أسئلة محورية عديدة من قبيل : إذا كان الفاعلون الأساسيون في المجال متفقين على أنه لا مناص من طي صفحة “النقائص السالفة” وتدشين مرحلة جديدة عنوانها المفصلي ” تضافر جهود كافة الشركاء بعيدا عن أي إقصاء ” ، فأين تكمن، ياترى ، أسباب التعثر الحائلة دون بلوغ الأهداف المرسومة وتحقيق النتائج المتوخاة ؟
لنتأمل عينات من التصريحات “الثقيلة ” التي تم تداولها إعلاميا عقب اللقاء المشار إليه أعلاه.
فهذا الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يقول “إن أسرة العدالة توجد اليوم أمام تحدي تكريس الثقة الموطدة لأمن القانون…”، كما أنها ” أمام محطة حاسمة في بناء السلطة القضائية بكل مقوماتها، وأمام أسئلة كبيرة تتطلب إجابات واضحة وإجراءات دقيقة لتكريس دولة القانون وسيادة قيم العدل والحرية والمساواة”.
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ، رئيس النيابة العامة، شدد، من جهته، على أن “المحامي يعد شريكا للقاضي في صنع العدالة وفي الدفاع عن القانون وقيم المساواة”، وأنهما “ملزمان اليوم أكثر بالتعاون من أجل الوفاء بالتزاماتهما المهنية كمكونين أساسيين من مكونات أسرة العدالة، والتنسيق فيما بينهما في إطار المهام التي يمنحها لهما القانون من أجل إنجاح هذه المرحلة الانتقالية للعدالة المغربية”.
رئيس هيئات المحامين بالمغرب ، أبرز، من جانبه، “أهمية تحقيق التوازن بين أطراف العدالة”، لأن “غايتنا جميعا أن نرفع من نجاعة القضاء كمرفق عمومي”، ومن ثم يبقى ضروريا “التخلص من كل الشوائب التي تعترض العلاقة بين القضاة والمحامين، والتي قد تكون مرتبطة بأوضاع ذاتية أو موضوعية..”.
إنها “خلاصات ” تؤشر على أن قراءة نقدية للمرحلة السابقة، بإيجابياتها وسلبياتها ، منجزاتها وأعطابها ، قد تم القيام بها من قبل مكونات ” أسرة العدل ” ، كل طرف انطلاقا من موقع مسؤوليته ، وذلك بعيدا عن” لغة الخشب” التي غالبا ما تطغى على نقاشات فاعلين في قطاعات أخرى، لدرجة إفراغها من أي “محتوى إصلاحي” حقيقي. وهو مستجد يجعل المتتبع يترقب التنزيل الواقعي لهذه الرؤية الجديدة داخل ردهات كافة محاكم البلاد ، بمختلف درجاتها واختصاصاتها ، والذي من شأنه التخفيف من ضغط ” هواجس الشك والارتياب “، التي كثيرا ما ترافق خطوات عدد من المواطنين، ممن تشاء الأقدار أن يتوجهوا إلى هذه “المؤسسات” طلبا للعدل والإنصاف.
وبخصوص مسألة “اللاثقة”، هذه ، تتوحد نسبة كبيرة من الشكايات الواردة على الجريدة ، من مختلف مدن وأقاليم البلاد ، في تركيز أصحابها على ضرورة ” إبعاد القضايا المتداولة – بشتى أنواعها – أمام هذه المحكمة أو تلك ، عن كل المؤثرات المرتدية للبوس غير قانوني ، تعلق الأمر بنفوذ سلطوي أو وضع مادي “غليظ ” ، والاحتكام ، أساسا ، للنصوص والمساطر المشكلة لدعائم مجتمع الحق والقانون “.

وارتباطا بالنقطة ذاتها ، سبق لبعض “الكتابات القانونية “، المنشورة في مجلات ومواقع إلكترونية متخصصة ، أن تحدثت عن سبل تحقيق “النجاعة القضائية أو الفعالية في الأداء القضائي” ، كما تقول الأستاذة أمينة شبيب ، التي تحدد معالمها في “سلوك أيسر المساطر القانونية في أسرع الآجال لتحقيق العدالة، وتوزيعها على المتقاضين إنهاء للخصومة القضائية، مما تكون معه النجاعة القضائية أسلوب عمل يتضمن هدفا وغاية، فأما الأسلوب فيجب أن يكون مبررا سريعا، وأما الغاية فهي إنهاء الخصومة في أسرع وقت ممكن وفق قواعد قانونية عادلة” ، ومن ثم تصبح “النجاعة القضائية” ، عبارة عن ” استراتيجية مشتركة، تبتدىء من المتقاضي باعتباره العمود الفقري للعدالة، لتمر بالمحامي ومساعدي القضاء، وتصل أخيرا إلى القاضي، وذلك بهدف تحقيق حكامة قضائية”.
إنه “تغيير” جذري يستهدف الشكل والمضمون ، من المؤكد أن تجسيده على أرض الواقع ليس بالأمر الهين ، ولن يتم بين عشية وضحاها ، وذلك استحضارا ل” إرث ثقيل” من السلوكات “غير القانونية” التي عمرت لعقود طويلة، والتي لن يستسلم “المنتفعون” من استفحالها بسهولة ، وقد يلجأون لكل أساليب التشويش والعرقلة ، الظاهرة منها والخفية . ومن ثم يبقى مطلوبا برمجة المزيد من اللقاءات التحسيسية ، التي تتوجه “رسائلها” ، بالأساس ، إلى عموم المواطنين ، وجعلهم على بينة من أهداف أوراش الإصلاح المفتوحة داخل قطاع العدل، وتوعيتهم بضرورة توخي الحيطة والحذر تجنبا للسقوط في شباك محترفي “النصب والاحتيال “، الذين يدعون القدرة على تغيير “موازين” القضايا والملفات المتداولة أمام المحاكم ، اعتمادا على “مفاتيح ” الكواليس، التي تتنافى ومقومات “دولة الحق والقانون وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا “.
وفي أفق العبور ب”المرحلة الانتقالية للعدالة المغربية “، إلى بر الأمان ، لابد من الاجتهاد من أجل تقليص الهوة الفاصلة بين ما تنص عليه القوانين من “ضمان للحقوق” ، وما تؤشر عليه ممارسات عدد من المرتبطين بالقطاع من ” جور وتعسف ” ، ذلك أنه من غير المقبول اليوم – كما قال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ” التساهل مع من يخرق أخلاقيات العدالة ويخالف الضوابط كيفما كان موقعه أو صفته أو مسؤولياته”، أو “لتستر على من يسيء إلى العدالة أو يهينها … فلا توافق مع الفساد والمفسدين ولا تطبيع مع التهاون والاستهتار “.

الكاتب : حميد بنواحمان - بتاريخ : 30/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *