رسالة في مستوى انتظارات الاتحاد الإفريقي

المذكرة الملكية، التي تم تقديمها أول أمس أمام القمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي، كانت في مستوى الانتظارات في مضمونها، مقاربتها، وتوصياتها لموضوع الهجرة ،وتتجاوز بعدها القاري، إذ تعيد صياغة مفهوم تم ضخه واصطباغه في العقدين الأخيرين من طرف جهات، ودراسات، ووجهات نظر، ووسائل إعلام بلبس متعمد أحيانا قصد استغلاله سياسيا واستثماره انتخابيا.
المذكرة أو «الاجندة الافريقية حول الهجرة «، كما اعتبرها جلالة الملك، الذي اختارته القمة ال 28 رائدا للاتحاد الإفريقي لهذا الملف، تم إعدادها بمقاربة شمولية وتشاركية، من خلال عدة محطات احتضنتها بلادنا، حيث ساهم فيها مؤسسات رسمية، ومنظمات متخصصة، والمجتمع المدني، وباحثون على إلمام بالظاهرة . وقد اعتبرها المشاركون في القمة، وثيقة مرجعية، لمعالجة قضية متعددة الأبعاد.
وبهدف تصحيح المغالطات، توضح الرسالة الملكية أنه لا وجود لتدفق للهجرة، ما دام المهاجرون لا يمثلون سوى 3.4% من سكان العالم، وأن الهجرة الإفريقية، هي قبل كل شيء، هجرة بين بلدان إفريقيا، ف4 من بين كل 5 مهاجرين أفارقة يبقون داخل القارة. ولا تسبب الهجرة الفقر لبلدان الاستقبال،لأن 85 بالمئة من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول.
وتظل هاته الظاهرة التي يتعين «وضعها في نطاق أبعادها الحقيقية بعيدا عن المغالطات، التي شوهت صورتها بشكل لافت «، تحديا عالميا، وتستحق مقاربة تجمع بين الواقعية والتسامح، وتغليب العقل على المخاوف، وهي ظاهرة طبيعية تمثل حلا لا مشكلة، وبالتالي علينا اعتماد منظور إيجابي بشأنها، مع تغليب المنطق الإنساني للمسؤولية المشتركة والتضامن، وهي تتطلب إرادة سياسية حقيقية للدول في التعامل معها، انطلاقا من احترام حقوق الإنسان، وتعتبرها رافعة للتنمية المشتركة، وركيزة للتعاون جنوب – جنوب، وأداة للتضامن باعتماد نهج قائم على سياسات وطنية، وتنسيق على مستوى الأقاليم الفرعية، ومنظور قاري، وشراكة دولية…
وباقتراح الإجراءات، خلصت الرسالة الملكية إلى توصيتين رئيسيتين تتمثلان في إحداث:
– مرصد إفريقي للهجرة: يرتكز عمله على ثلاثة محاور : هي «الفهم ،الاستباق والمبادرة». وسيُعهد إليه بتطوير عملية الرصد، وتبادل المعلومات بين البلدان الإفريقية، لتشجيع التدبير المحكم لحركة المهاجرين. والمغرب يعبر عن استعداده لاحتضان هذا المرصد.
– منصب المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المكلف بالهجرة: من أجل تنسيق سياسات الاتحاد في هذا المجال.
و تعد «الأجندة الإفريقية حول الهجرة» التي قدمها المغرب من خلال الرسالة الملكية، خارطة طريق، لمعالجة ظاهرة، أنتجت مآسيَ، وأزهقت آلاف الأرواح، وجعلت الأبواب مشرعة في وجه عصابات الاتجار بالبشر، لاستغلال نساء وأطفال ويد عاملة، اضطرتها النزاعات المسلحة، والتغيرات المناخية، والأوضاع الاقتصادية للبحث عن أفق آخر للحياة .
وبالمحصّلة، فإن الاتحاد الافريقي مطالب اليوم، بالانخراط في هذه الخريطة، بإخراج المرصد، ومنصب المبعوث الخاص إلى حيز الوجود في أقرب وقت، وبأن تتخذ دوله وشركاؤه داخل القارة وخارجها التدابير الضرورية، للحد من الفواجع الإنسانية والاجتماعية التي يتسع نطاقها سنة بعد أخرى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *