حتى تمر «ثلوج الرحّل».. بسلام !

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 

أساس “يومياتهم” التنقل في الفيافي والقفار بحثا عن نقط الماء والكلأ مهما كانت عصية / قصية، التغيرات المناخية زادت من حدة الظروف المسيجة لتحركاتهم، “مآويهم ” غير القارة بلا سقف أسمنتي أو طيني ، انشغالاتهم لا تشبه تلك التي تشكل ، عادة ، “محور ” الأجندة اليومية لسكان المدن والقرى، لا عنوان لهم يقصده ساعي البريد أو غيره من موظفي ومستخدمي المؤسسات العمومية أو الخاصة، من أجل إنجاز “غرض” إداري أو خدماتي معين … إنهم الرحل . هؤلاء الذين تداهم صورهم : رجالا ، نساء وأطفالا ..، ذهن المتتبع ل” قضايا المجتمع ” ، بمختلف تعبيراتها عبر جغرافية البلاد ذات التضاريس المتباينة ، كلما استوقفته “قوة” مضمون إحدى النشرات الإنذارية الصادرة عن مديرية الأرصاد الجوية الوطنية – والتي تتواتر خلال هذه الأيام الصقيعية – والداعية إلى “اتخاذ الحيطة والحذر تجاه تساقط الثلوج بكثافة والأمطار بغزارة وهبوب الرياح بقوة ..” .
استحضارا لواقع “الهشاشة ” المحيط ب”حياة ” هذه الفئة المجتمعية من كل جانب ، يجد المرء نفسه أمام أسئلة تحمل في طياتها كل معاني الخشية والقلق ، من ضمنها : أية احتياطات يمكن للواحد من هؤلاء اتخاذها داخل ” خيمة ” تتهددها رياح ” ذات قوة متوسطة ” بالاقتلاع في وقت تتحدث النشرات الإنذارية عن عواصف هوجاء تسقط “الحجر والشجر”، كتلك التي أدخلت الرعب في نفوس ساكنة مدينة فاس والنواحي، صبيحة يوم الاثنين 29 يناير 2018؟
سؤال تستند مرجعية طرحه إلى الأخبار الواردة من إقليم تنغير- في مستهل الأسبوع المنصرم – والذي شهدت جغرافيته تساقطات ثلجية كثيفة حاصرت مجموعة من الرحل، كما هو شأن منطقة جبلية بقرية “تانا” بجماعة أسول، و ألحقت ضررا كبيرا بقطعان ماشيتهم والدواب التي تشكل وسيلة تنقلهم الأساسية. كما يدفع إلى محاولة “النبش” من أجل معرفة نوعية العلاقة التي تربط “الرحل ” بجداول أعمال غالبية المجالس المدبرة للشأن العام على مستوى الجماعات المحلية القروية التي ينتمون إليها، وكذا الأخرى التي يتحركون على امتداد نفوذها الترابي .
“علاقة ” تؤشر العديد من معطيات “الواقع” وتصريحات المعنيين، على أنها تكاد تكون “منعدمة ” باعتبارهم ينتمون إلى “فئة ” لا تصنف همومها ضمن ” الأولويات ” – وفق حسابات الماسكين بزمام الأمور بالمناطق المحتضنة لقبائل الرحل – وأنّى لهم ذلك ، وهم لا يحتلون منزلة متقدمة في “سلم ترتيب” الأصوات المعبدة لطريق بلوغ كرسي “المسؤولية” ، محلية كانت أو مركزية ؟
النقطة ذاتها سبق ل”جمعية رحّل اسيكيس – تنغير ” ، أن دقت بشأنها ناقوس التنبيه ، محذرة من تداعيات التعاطي البارد مع قضايا هؤلاء المواطنين ، متسائلة عن موقعها داخل البرامج “الرسمية” الموجهة للقطاعات ذات “الاختصاص الاجتماعي ” – بالمفهوم الشامل للكلمتين – ، كالصحة ، التربية والتكوين ، الأسرة والتضامن …، “في وقت تؤكد المؤشرات الرقمية وجود أعلى معدلات الأمية ، ووفيات النساء الحوامل والرضع .. في صفوف الرّحل”؟
وفي سياق “السواد” ، دائما ، يبقى لافتا أن تسليط الضوء “المناسباتي” على هؤلاء ، يرتبط، في الغالب، بأحداث مأساوية ، كما هو حال شهر أبريل من سنة 2016، حيث كانت إحدى خيم الرحّل بدوار لفريطيس بالجماعة القروية بني مطهر، مساء يوم الأحد 17 ـ 04 ـ 2016،
“مسرحا” لفاجعة لن تنمحي بسهولة من الذاكرة الجماعية لأفراد القبيلة المعنية ، بعد أن “التهمت النيران جسد الرضيعة ” رميساء ” ، التي لم تتجاوز شهرها التاسع، جراء انفجار قنينة غاز من الحجم الصغير، في لحظة خروج الأم لتفقد قطيع البقر قبل أن يعم الظلام ” . وبتراب إقليم ميدلت، وبالضبط بقرية “باكنو”، المتواجدة على بعد حوالي 20 كيلومترا من مركز كرامة، كشف شريط فيديو عممه نشطاء جمعويون ، يوم 28 أبريل 2016 ، عن وضع قاس لطفلتين من ذوي الاحتياجات الخاصة – إعاقة ذهنية وحركية – فاطمة و محجوبة ” 6 سنوات و12 سنة” ، كانتا محتجزتين ، ومكبلتين بحبال مثبتة بعمود يشكل إحدى دعامات الخيمة”. وضعية “بررها” ، أنذاك ، والدهما الرحّالة بكل تلقائية قائلا : ” إنني أخاف عليهما من التيه في الخلاء، وأخشى وقوعهما فريسة للحيوانات الضالة والمتوحشة”، لكونه كثير التنقلات في البراري، حيث يمارس”أشغالا مختلفة ” ، ضمنها تربية الماشية ، ما يجعله يتردد على الأسواق من أجل البيع و الشراء ، في وقت تقضي الأم يومها راعية في السفوح والمرتفعات…
إنه نمط عيش يمكن أن ينعت ب” الاستثنائي “، قياسا للمتعارف عليه بين قاطني المجالين الحضري والقروي ، والذي يتأسس على التمسك بتقاليد وأعراف الأجيال السالفة ، لكنه “استثناء” لا يعني ترك الرحل يواجهون تقلبات المناخ الشديدة، بشكل أعزل واعتمادا على إمكانياتهم “البسيطة”، بلا “مظلة ” عناية رسمية تخفف عنهم “وطأة ” قساوة الطبيعة التي ألفوا التعايش معها، علما بأن دراسات علمية – شملت أنماط حياة رحّل في بلدان عديدة – أكدت أن ” الرحّل يلعبون دورا مركزيا في حماية الطبيعة من التدهور، من خلال ثقافاتهم البيئية وارتباطهم الوثيق بالوسط الإيكولوجي الذي يعيشون فيه ” . وهو ما جعل منظمة الأمم المتحدة ، تعتمد على الرحل من أجل إنجاح برامجها التي تستهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي في مناطق عدة ، وذلك في أفق “حماية الوسط الطبيعي من كل العوامل البشرية والطبيعية التي تفقده ميكانيزمات التوازن”.
رجاء لا تجعلوا القسوة ، بشتى تجلياتها ، الظاهرة منها والخفية ، بمثابة العنوان الوحيد / الأوحد لحياة “الرّحل” ، منذ أن يفتح الواحد منهم عينيه لأول مرة في هذه الدنيا الفانية إلى أن يغمضها راحلا إلى ” الدار الباقية “، ولا تتركوهم عرضة ل “اهتمام ” من درجة الصفر ، فيكفيهم ما يعانونه جراء انخفاض درجات الحرارة تحت الصفر!

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 06/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *