خواطر المجنون (5)

41
***
لا تقلقْ.
منذُ سنينَ
تحاولُ أن تنفخَ في الجثةِ:
لا روح في الجوارِ ترأفُ، فتستريحَ.
منذُ سنينَ،
والحنينُ إلى ما لا يعنيكَ يتأججُ مثلَ عاصفةٍ:
لا ريحَ في السماء تهبُّ، فتحملكَ.
منذ سنينَ،
ومهما يكنْ
تلك صورتكَ:
لا مرآة في هذا الليلِ تشعُّ، فتعمى.
لا تقلقْ.
42
***
في آخر الليل،
في الرابعة صباحا مثلا،
يمضي أصدقائي إلى رفوفهم
كي يتأملوا الحياة من فوق
ويتغامزون علي
بينما أنا في الساعة نفسها
أعرج إلى الأريكة
كي أنفض تعب النهار
وأفتح قلبي للموسيقى
فهناك ترفٌ يجب أن ينهض
هناك روح يجب أن تأتي
هناك أضواء
وأشباح
وأصداء وشوشات بعيدة
حب يخرج مثل برق من الأغاني
وآهاتٌ
حنين يخنق الأرواح
وسماوات تشتعل.
على الأريكة
ثمة حروب تهدأ
وسلام يطرق الأبواب.
43
***
في كل هذا الضجيج،
أنا الآن بلا شمسٍ،
أتأمل الكرة الأرضية تخطو في الظلامْ
ثُمَّ كما لو أنني
مسكون بروح الحربْ،
أُغِيرُ على ممالك ماضيةٍ،
هناكَ ما ينبغي أن أستعيدهُ:
شمسي التي ربيتُها في بيت الحاضر
صنارتي التي أصطادُ بها المستقبلَ،
وطريقي.
أفكرُ في الكرة الأرضيةِ،
وفي خطواتي تنسفُ الظلامَ إلى ممالكَ آتيةٍ،
هناكَ ما ينبغي أن يكون لي:
وجهي وقد غطّاهُ الغبارُ
ويدي لتكتبَ ما يوحي هذا الضجيجْ
وطريقي التي في نهايتها
ستنبُتُ شجرة فوقها عشّ فيه طيور.
أفكرّ في الكرة الأرضيةِ
في الظلامِ
في صدري الذي يهتزُّ
في الطيور التي ستخرجُ ساخرةً
من الصيادِ
ومن كلابِ الصيدِ
في روحي التي ستصعدُ أعلى من الضجيجِ
وفي فكرتيِ عن الحربِ
والأسرِ
والحياة.
أفكر في شجرة الحياة فحسبْ.
44
***
حينئذٍ،
لم تكن الحديقة ملائمة بعدْ
ولا الهواء الجديد.
كان لدي طائران في قفص،
الآن ماتا.
ماتا منذ خمس سنين.
في الحياة لذة قاسية حين تكون غامضة:
انتظار الذي لن يأتي
وموت طائرين في قفص
كل ذلك يشبه ندف صقيع في صباح مختلف.
إنني أحلم واقفا،
هناك مطرٌ متخيلٌ ينزلُ
وحياة طائرين،
هناك مطرٌ بينما ينظران إلى الموت
من زاوية الحبّ.
في الحياة،
هما معا
وفي الحبٍّ على مشارف الموتِ.
لم تكن الحديقة،
ولم يكن الهواءُ،
القفص فكرة سيئة.
مجردُ كنايةٌ عن العدمْ:
لقد قتلتُ طائرينِ… هذا كل شيء !


الكاتب : جمال الموساوي

  

بتاريخ : 09/02/2018