عبد الإله بلقزيز: العرب لم يستفيدوا من عناصر القوة التي تمنحها العولمة لصالح مشروعهم القومي

 

عبد الحي المودن: العولمة ساهمت في إضعاف كيانية دول الجنوب

احتضنت قاعة القاهرة بالمعرض الدولي للكتاب في دورته 24، لقاء لتقديم كتاب «المسألة الكيانية والعولمة» لمؤلفه الباحث عبد الاله بلقزيز، وهو اللقاء الذي حاول من خلاله الاستاذ عبد الحي المودن إلقاء الضوء على بعض فصوله وأهم الاشكالات التي يطرحها.
اعتبر الأستاذ عبد الحي المودن وهو يقدم إضاءاته حول كتاب «المسألة الكيانية والعولمة» للباحث الدكتور عبد الاله بلقزيز، أن الكتاب يدخل ضمن اهتمام الباحث بحقل التفكير السياسي الاستراتيجي حول العولمة ، مضيفا أن تقديمه لن يخرج عن التعامل معه كونه نصا مشتركا بين الكاتب والقارئ ، بعيدا عن القراءات الأيديولوجية التي لا تسعى الى تعميق فهمنا للقضايا المطروحة.
وأضاف المودن أن الأستاذ بلقزيز يساهم منذ ثلاثة عقود في التفكير الفلسفي الاستراتيجي حول قضايا مركزية بالنسبة له، كما يعيد طرحها في الكتاب على ضوء التحولات العالمية، مشيرا الى أن الكتاب يطرح إشكال العولمة باعتبارها التحول الهائل الذي يطبع العالم بعد مروره عبر مراحل تاريخية بغية الخروج من الدائرة الفردية الضيقة بهدف التفاعل مع وحدات وهويات أخرى، مؤكدا أن الإشكال مطروح منذ القرن 20، وموضحا أنها ظاهرة تكشف التواصل والاتصال بين المجتمعات وهذا الانتقال الهائل للمعلومات والبضائع والناس والهجرات، وهذا التشابه الذي يتبلور من خلال عملية العولمة، والذي قد يؤدي الى نهاية الدولة القومية والوطنية في مجالها الجغرافي والترابي ، وبالتالي تحول العالم الى وحدة متجانسة.
واعتبر المودن أن الكتاب يطرح نهاية الدولة التقليدية في ظل تيارين نظّرّا لهذه النهاية:
– تيار الماركسية اللينينة التي كانت تقول باتجاه العالم نحو الامبريالية كشكل من أشكال العولمة عن طريق تسيد وتوسع الرأسمال الاقتصادي.
– التيار الليبرالي بالغرب الذي كان يدفع نحو تأسيس المنظمات الدولية ويرى أنها يساهم في إضعاف الدولة.
ورأى المودن أن بلقزيز حين طرح في كتابه سؤال ماهية العولمة، فإنه طرحه بكونها لا تؤدي الى نهاية الدولة القطرية بدليل أن الحديث عنها ينطلق من قاعدتين سياسيتين للعولمة:
الأولى أنها مرتبطة بالدولة الوطنية، أي أن العولمة إما تنتجها الدول الكبرى وتصبح بذلك مرادفا لمفهوم «فيض الدولة الكبرى» الذي تفرضه على العلم عن طريق دول أخرى.
القاعدة الثانية أن العولمة لا تعني تقابل الحضارات بقدر ما تعني فرض هيمنة القوى الكبرى التي لا تشمل أمريكا فقط ولكن كل الدول المصدرة للعولمة، تقابلها دول مستوردة لها وهي دول العالم الثالث.
الكتاب يثير أيضا إشكالات من قبيل التساؤل عن إضعاف هذه الظاهرة لكيان الدولة العربية ولا يتحدث عن كيان الدولة الوطنية وهو الموضوع الأساسي بالنسبة لبلقزيز، حيث يميز الوطن العربي الذي يميزه عن الدولة الوطنية.
وخلص المودن الى أن الكتاب يتحدث عن الكيانية في مواجهة العولمة مختصرة في الوطن العربي، وهذه الإشكالات يطرحها على مستوى الكيانات السياسية والمجموعات الثقافية ولا يذكر منها الكتاب إلا الى حالة الكيان العربي، متسائلا :هل الكيانات المركزية التي يشير إليها الكتاب مرتبطة بالدولة الوطنية باستثناء الوطن العربي، وخصوصا ما يهم مجالات الأمن الاجتماعي  والقومي. وتوقف المودن عند مفهوم الامن القومي الذي يضم التهديدات الخارجية للأمن الجغرافي وهنا يستحضر الكتاب القضية الفلسطينية ومآلاتها بما هي قضية صراع صهيوني عربي لأنه يهدد بقية دول الجوار، ويرتبط بمسألة مصيرية في استقلال الشعوب وهي السيادة، بالإضافة الى الأمن الاجتماعي المتمحور حول الإرهاب والأمن الثقافي الذي يهم المواجهة بين دعاة الانفتاح ودعاة حماية الهوية، طارحا الحل من حلال التركيز على ما هو أصيل مع الانفتاح في الآن نفسه، ومواجهة المد التكفيري عبر برامج ثقافية.
من جهته نفى عبد الإله بلقزيز، وهو يعقب على قراءة الأستاذ عبد الحي المودن لكتابه «المسألة الكيانية والعولمة» أن يكون قد ركز على مفهوم الكيان في شقه العربي فقط، مؤكدا أنه تحدث عن الآثار السليبة للعولمة في «الميتروبولات»، وليس الأطراف والوحدات داخل بلدان الغرب نفسه (كيان اسبانيا، الصين، بريكست..) مشيرا الى الظواهر التي أفرزتها العولمة ومنها صعود خطاب معاد للعولمة اليوم كما حصل في حملة الرئيس الأمريكي ترامب، بالإضافة الى ما أصبحت تشكله من عبء إضافي على الدول المهيمنة ويتعلق بالكلفة المالية والاقتصادية، مقابل بعض دول جنوب استثمرت في العولمة بل نجحت في تحويلها الى غنيمة. وأضاف بلقزيز أن هاجسه في الكتاب كان هو ما تشكله العولمة من تهديد على الكيانات العربية ومرده ما حصل أثناء موجتها الأولى في التسعينات، حيث اعتبرت عاصفة اقتلعت كل شيء قبل انحسارها وظهور وقائع جديدة. وتساءل بلقزيز عن مدى استفادة العرب من هذه التحولات وكيفية تعاملهم معها. وأشار بلقزيز بخصوص مسألة الأمن الى أنه طرح نقطة الأمن القومي كمسألة كيانية لم تحسم منذ انتهاء الاحتلال العثماني للمنطقة، مضيفا أن تناوله لها كان محاولة للتأريخ للطور الأخير منها. وعرج بلقزيز بهذا الخصوص على ما شاب هذه الفترة من خصائص حددها في ثلاث:
مرحلة ما بعد الاستقلالات الوطنية ومرحلة الانكفاء القطري ، ثم الدولة القطرية التي كانت تدان آنذاك بكونها نتاج عملية تجزيئ وهي ما فُكك اليوم عبر الضغط على مكوناتها وتفجير تناقضاتها الداخلية.
وتوقف الأستاذ بلقزيز عند خصوصية الكيان العربي، مشيرا الى عناصر التشابه بين المجموعة الكبيرة المكونة للوطن العربي وسواها من دول العالم الثالث ودول الجنوب التي لم تستطع التفاعل بشكل خلاق وايجابي مع العولمة كما حدث في القارة الافريقية باستثناء جنوب إفريقيا وآسيا، باستثناء الصين والهند. وأرجع بلقزيز تركيزه في الكتاب على الكيان العربي إلى انتمائه لهذا الكيان، مؤكدا أنه بهذا يكتب تاريخه الذي يمتلك معطياته.
وأكد الأستاذ بلقزيز في نهاية تدخله أن الدراسات المقارنة وحدها من تستطيع تسليط الضوء أكثر على ظاهرة العولمة، جازما أننا في حاجة ماسة الى هذا النوع من الدراسات المقارنة بين مناطق مختلفة من بلدان الجنوب حول كيفية التعامل مع مجموعات كيانية بالجنوب مع زحف رياح العولمة إليها، وذلك بالبحث في نموذجي الصين والهند اللتين اكتسبتا عناصر القوة من العولمة وحولتاها الى مصلحة مشروعهما القومي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 17/02/2018