نبض المجتمع: شغب «معلوم».. والمسؤولية «ضد مجهول»!

حميد بنواحمان

على خلفية مظاهر الترويع وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، والتي أضحت قاب قوسين أو أدنى – بفعل تكرارها المستفز – من ارتداء لبوس «العادة» المؤثثة لـ «الطقوس» المواكبة لعينة من المباريات الكروية المتداولة إعلاميا تحت مسميي «الديربي» و«الكلاسيكو»، كما حدث مؤخرا بمدن وجدة «الأحد 28 يناير2018»، الدارالبيضاء «7 فبراير 2018» والرباط «الأحد 18 فبراير 2018»، تسللت إلى ذهني، على حين غرة، صورة طفل برتغالي يدعى «ماتياس»، في العاشرة من العمر، تحمل تاريخ الأحد 10 يوليوز 2016، المصادف للقاء النهائي لكأس أوربا في كرة القدم بين منتخبي فرنسا والبرتغال.
شكلت دلالة الصورة، آنذاك، حدثا لافتا ترجمته ملايين التعليقات على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وتناقلته كبريات المحطات التلفزية الدولية والصحف ذات الصيت العالمي. كيف لا والصغير «ماتياس» ، المبتهج بتتويج منتخب بلاده البرتغال، باللقب الأوربي، انتبه إلى شاب فرنسي، يقف غير بعيد ، وقد أخفى وجهه بين يديه بعد أن غالبته دموع الخيبة جراء الخسارة غير المنتظرة في عقر الدار، وخاطبه بعفوية حكيمة قائلا: «إنها مجرد مباراة ..ويجب ألا تحزن.. رغم أنني أتفهم مشاعرك».. «لا أحب أن أرى الناس يبكون حتى لو كنت لا أعرفهم».
عبارات تلقائية، تنطق نبلا وسموا، جعلت الشاب الفرنسي يكفكف دموعه، قبل أن يضم الصغير «ماتياس» بين أحضانه بحرارة قوامها الصدق والتعبير عن الامتنان، لا بد وأن تجعل المنشغل ب «مستجدات المجتمع»، بكافة تلاوينها، يتساءل حائرا: أين نحن من «المعنى الراقي» للروح الرياضية الذي تؤشر عليه خطوة الصبي «ماتياس» المستشهد بها أعلاه؟
بعض ملامح الجواب – السلبية للأسف! – تكشف عنها «التداعيات» التالية:
«متابعة ثمانية أشخاص ، أربعة في حالة اعتقال «سجن عكاشة «وأربعة في حالة سراح، على إثر «أحداث التخريب» التي أعقبت «الديربي» البيضاوي، بصك اتهام يقول مضمونه: «المساهمة في أعمال عنف بمناسبة مباراة ارتكب خلالها عنف، والمساهمة في أعمال عنف بمناسبة مباراة وقع خلالها إلحاق أضرار بمنقولات مملوكة للغير، وإهانة قوات عمومية أثناء قيامها بمهامها والعنف في حق أفرادها، وتعييب شيء مخصص للمنفعة العامة».
– بعض الخسائر المحددة – وفق محاضر الضابطة القضائية – 15 سيارة مملوكة للغير تم تكسيرها، زجاج 6 سيارات للشرطة وحافلات النقل العمومي تعرض للتهشيم، إصابة رجل أمن على مستوى العين..
– فوضى المتورطين في الشغب غيبت الأمن والطمأنينة في محيط المركب الرياضي محمد الخامس».
وبخصوص مسألة «الفوضى» ، تنبغي الإشارة إلى أن عددا من السكان المجاورين للملعب صار هاجسهم الأكبر هو التفكير في الرحيل عن المنطقة ، بعد أن أضحى «الفزع « عنوانا بارزا لمقامهم، كلما احتضن لقاء «استثنائيا» يستقطب جماهير غفيرة؟
ومن ضمن «التداعيات»، أيضا، تعرض سيارات مواطنين أبرياء للرشق بالحجارة من طرف مجهولين، على الطريق السيار بين الرباط والدارالبيضاء ، عقب نهاية لقاء «الكلاسيكو « الأخير بالمجمع الرياضي للعاصمة الإدارية».
«مخلفات» تأبى صفحات «كتابها الأسود» الطي، علما بأنه سبق أن بلغت حد إزهاق أرواح أبرياء، كما هو أمر «الموسم الدموي»، عفوا، الكروي 2015 – 2016، حين تجاوزت «عواقب الشغب» حدود الملاعب لتطال الشوارع والفضاءات العامة في أكثر من مدينة، والتي تحولت، غير ما مرة، إلى «مسارح» لارتكاب أفعال جرمية مع سبق إصرار وتخطيط، أفلح «أبطالها» في ترويع الكبار والصغار، وفي الآن ذاته ترويج وتسويق صورة «رمادية» عن البلاد، ضدا على المجهودات المبذولة من أجل جعلها قبلة لـ «الأمن والأمان».
وقائع ما كان لها أن تحدث لو كان هؤلاء المشاغبون، المخربون، المعتدون…، في مستوى «حكمة» الطفل ماتياس وعمق عبارته القوية: «إنها مجرد مباراة».
و ما كان لها أن توقف مسارات حياتية ليافعين وشبان، غادروا أحضان آبائهم وأمهاتهم ، دون كلمة «وداعا»، تاركين في قلوبهم لوعة لن يخفف من حدتها تعاقب الشهور والسنوات. وكيف يتأتى لهم ذلك وقبور فلذات الأكباد بكل من مقبرتي «الغفران والرحمة» بالدارالبيضاء – وبمقابر مدن أخرى – تقف شاهدة على فداحة ما تصنعه «البلطجة»، التي كثيرا ما استحالت، تحت معاولها، لحظات أفراح بنصر عارض إلى أتراح تحفر» بصماتها» العميقة في الذاكرة بشكل دائم .
وضع «قاتم»، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع ذلك ، يغيب الإحساس بالمسؤولية وبضرورة ممارسة نوع من النقد الذاتي لدى بعض «الملتصقين» بالمجال الرياضي، تعلق الأمر برؤساء فرق أو أعضاء بمكاتب مسيرة، غالبا ما صبت خرجاتهم «الإعلامية» غير المسؤولة، المزيد من «الزيت في النار المشتعلة»، تحت ذريعة الاحتجاج على «هفوة تحكيمية» تسجل، باستمرار، «زلات» أكبر منها في بطولات احترافية عريقة، دون أن تصل حد إطلاق الكلام على عواهنه باتهام هذا الطرف أو التشكيك في ذمة آخر.
«خرجات» لا تتردد بعض التعليقات والتحليلات «الورقية والإذاعية والتلفزية والإلكترونية» – المفترى عليها – في النفخ فيها، عبر إسنادها بمصطلحات ذات مرجعية «شعبوية»، دون استحضار أنها موجهة ، أساسا ، لآلاف «المحبين والأنصار»، الذين تتشكل قاعدتهم الواسعة من فئة المراهقين الأكثر عرضة للتأثير، كما تنطق «وجوه» عدد من العابثين بمقاعد الملعب الكبير بمراكش بعد زوال الأحد25 فبراير 2018؟
إن المستجدات الأخيرة لمسلسل «تعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة «وإلحاق الأذى بمواطنين لا علاقة لهم بـ «الملاعب وأخبارها»، تدق ناقوس الخطر بشأن إصرار بعض الجهات على «تعويم «المسؤولية وحصرها في «نطاق أمني» فقط، وتستوجب تعاطيا مغايرا قوامه الصرامة وتفعيل مبدأ «ربط المسؤولية بالمحاسبة « بشكل يشمل جميع المرتبطين بهذا «القطاع».

الكاتب : حميد بنواحمان - بتاريخ : 27/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *