«زوق تبيع» بين الشاي والدين والسياسة !!

قدمت فرقة «أرثا للفنون» مساء يوم الخميس 22 فبراير 2018 المنصرم عرضا مسرحيا في مسرح الحي البرتغالي بالجديدة تحت: «زوق تبيع» عن فكرة للصحفية شامة درشول، ونص لثريا السعودي.. إخراج: بشرى أهريش وتشخيصها إلى جانب سعاد اخويي، عبد الحق بلمجاهد ومحمد بن بار، حيث تتفاعل الأحداث في إدارة مغربية غير محددة،أبطالها أربعة اشخاص: الأمين الجمعوي – أدى الدور بامتياز متقن الفنان محمد بن بار – رجل مصلحي يقحم نفسه في أي مشروع سياسيا كان أم جمعويا أم إداريا أم دينيا يرى فيه نفعا، إلى درجة أنه يشجع مبارك، ذلك الرجل البسيط والشبه أمي تقريبا، الذي يهتم بإعداد الشاي والقهوة للموظفين كما يشتغل حارسا للسيارات لتنمية دخله، على الترشح للبرلمان ! هكذا، دفعة واحدة (وبلا حشمة بلا عرگة) تؤيده في ذلك زميلته السعدية (الحامل) بسائر أنواع القذف والسباب والعطاس المتواصل في أوجه كل من يقف أمامها، كما تحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة رغم أنها مجرد موظفة في قسم الأرشيف بالقبو الأرضي وهي: «في أسفل السافلين» على حد تعبيرها.. أبدعت في تجسيد دورها، وبحرفية واضحة أيضا، الفنانة سعاد اخويي.

1 – عودة، أمل،
طموح، وإحباط

وهكذا تبدو النماذج الثلاثة الممثلة لتلك الإدارة، كاريكاتورية وسلبية لا نفع يرجى منها.. الشخصية الوحيدة التي تشكل الاستثناء الإيجابي بمحاذاتها هي الدكتورة النفسانية فاتن، بشرى أهريش التي بدت متمكنة من أدواتها كمخرجة في تسيير وتحريك زملائها، وكممثلة في أداء دورها بإقناع مشهود.. وتحيل على ذلك النوع من المواطنين المغاربة الذين يحصلون شواهد وخبرة في الخارج، ثم يعودون لأرض الوطن لإفادته بها لكنهم يصطدمون بجحود وتعقيدات محبطة على مستويات شتى: إداريا، قانونيا وخصوصا بشريا…
هكذا كان حال الدكتورة فاتن العائدة من ألمانيا محملة بشهادة وخبرة كبيرتين، وبطموح أكبر لخدمة وطنها من خلال تلك الإدارة النموذج.. فتصطدم بعقلية وواقع محبطين، رغم نها تعلن أن: «ريحة البلاد زينة» وأنه لابد من تغيير جذري وخدمة الصالح العام و..و..و… إلا أنها تتذمر من سلوك زملائها وأفكارهم في تواكلهم وعدم احترامهم لأوقات وفضاء العمل، باشتغالهم في أشياء تتنافى وواجباتهم المهنية، أقلها إعداد الشاي من طرف الشاوش، تنقية «الجلجلان» من طرف السعدية الحامل ثم العمل الجمعوي من طرف الأمين الدكتور الجامع المانع.. حتى العمل السياسي وعلى رأسه الانتخابات مازالت تدار بالوساطات وشراء الأصوات.. وغدا كل من هب ودب يرشح نفسه لأعلى المناصب، فمن مجرد شاوش يطمح مبارك أن يصبح نائبا برلمانيا وهو لا يكاد يفرق حتى ما بين: «الحضانة» و«الحصانة».. كما يتخذ الدين ذريعة للوصول بتغيير هندامه وحمل السبحة بين أصابعه بدل أكواب الشاي، آمرا زميلته السعدية بأن تستر العورة وهو الأعور بل الأعمى عن فهم واستيعاب كلام الله تعالى حين تًتْلى عليه الآية: «ووجدك ضالا فهدى» فيسأل بسذاجة «شكون هذا؟».. أدى الدور بحرفية مقنعة وكعادته الفنان عبد الحق بلمجاهد.
لكن رغم هذا التواكل، وهذه الوصولية والاستهتار بالعمل، تقرر الدكتورة فاتن أن تواصل نضالها وطرح مشروعها والاشتغال عليه، تساندها هذه المرة أيضا السعدية (الحامل)، لينتهي العرض بهذه الإشراقة، حيث تمسك المرأتان بأيدي بعضيهما معلنتين مواصلة النضال من أجل تغيير أفضل.
2 – نص، حوار،
تشخيص وكوميديا

على مدار ساعة وربع، تفاعلت أحداث ومشاهد مسرحية (زوق تبيع) في قالب كوميدي ارتكز على رسم شخصيات كاريكاتورية في أشكالها، حركاتها وأقوالها، فكانت لكل شخصية صفة أو حركة معينة (تيك) تظل لصيقة به كعاهة مسرحية من بداية العرض حتى متمه.. فالأمين الجمعوي تجسدت عاهته في الثرثرة.. والسعدية في العطاس والسباب اللّامتوقفين.. والشاوش في المبالغة في التملق.. بينما الدكتورة فاتن ميزتها الصرامة والجدية المبالغ فيها والصراخ في وجه الظلم والتخلف من جهة، ثم لإسماع صوتها لآخر متفرج في القاعة حسبما تقتضيه قواعد الإلقاء واحترام مخارج الحروف.
هذا دون أن تنزلق هذه المسحة الكوميدية إلى الميوعة أو التلاعب بالمصطلحات أو تحريفها وإسقاطها في لغة الشارع والمقاهي، بل هي لغة المسرح التي تعبر عن واقع قد تصادفه في أية مقاطعة أو إدارة مغربية تلجها أو تشتغل فيها. فتماشى التشخيص بالتالي مع الطرح الفكري والشكلي للنص، إذِ اضطلعت به ثلة من أشد الممثلين احترافا وتمرسا على الركح كما الشاشة، ولا غرو في ذلك فكلهم خريجو المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، فبدا جليا انصهار الموهبة بالتكوين من حيث تنقلاتهم وتموقعهم فوق الخشبة واحترامهم لمساقط الضوء والصوت كما التعامل مع قطع الديكور.. وإن شاب الإيقاع قليل من الوهن وبياضات عابرة مع تباطؤ في إلقاء الحوار في بعض المشاهد، ران معها شعور بالفتور في وتيرة التلقي.. لكن حركية الممثلين وتمرسهم الحرفي، عمل على إنقاذ الموقف دون أن تحس أغلبية الجمهور بذلك، فتجاوب أفراده ومن مختلف الأعمار والمستويات مع العرض بشكل جميل.
الديكور بدا للوهلة الأولى أنه ضامر وغير موجود باستثناء كراسي وطاولة ومنضدة لإعداد الشاي والقهوة.. ثم لوحتان فمزهرية ورد اصطناعي.. وكلها قطع ثابتة لا تتحرك قد تُدرِج العرض فيما يسمى بمسرح «الفودفيل» والغرفة أو الأرائك والستائر التي لا تتغير.. لكن (زوّق تبيع) لم يسقط في براثن هذا النوع من المسرح وإن كان ليس عيبا طبعا، لأن قوته لم تكن في الديكور بقدر ما تجسدت في النص / الحوار، والتشخيص بالخصوص والذي لم يقتصر فقط على إلقاء الحوار بل حضر التعبير الجسدي.. وسحنات الوجوه كما فن الإيماء (الميم) الذي تميز فيه بالخصوص الثنائي بلمجاهد وابن بار في مشهد دام زهاء الخمس دقائق وما ينيف عبّرا فيه فقط بالحركات على إيقاع موسيقى مناسبة، فبلغا أكثر مما لو نطقا.. دون انتقاص طبعا من كفاءة وحِرَفية زميلتَيْهما: بشرى وسعاد.. هذا الرباعي المتناغم الذي قدم في المجمل عرضا مسرحيا حابلا بخطابات دالة.. بأسلوب مسرحي احترافي محكم.. وفي قالب كوميدي فرجوي نظيف ما فيه «لا زوق» و«لا بيع».


الكاتب : خالد الخضري

  

بتاريخ : 06/03/2018