عودة الروح إلى العنصرية الغربية من أجل اقتلاع جذور الآخر…

محمد أديب السلاوي

-1-
وفقا لتعريف الموسوعة البريطانية لمصطلح «العنصرية» : هي الفكرة أو النظرية التي ترى أن هناك رابطة سببية بين الصفات الفيزيقية، وبين صفات معينة من الشخصية أو مستوى الذكاء أو نوعية الثقافة. ويرتبط بها مفهوم رقي بعض الأعراق على غيرها بشكل وراثي (1).
ويشكل التمييز، فصيلة رئيسية من العنصرية فهو (أي التمييز) المعاملة المختلفة للأفراد الذين ينتمون لعرق أو لغة أو دين أو جنس معين، وتتمثل هذه المعاملة في نظر الموسوعة البريطانية في فرض قيود عليهم بشكل رسمي أو واقعي، تتعلق بمكان الإقامة أو بالخدمات العامة أو المجتمعية المتاحة. والتمييز هو قبل ذلك وبعده، مجموعة سياسات وإجراءات متباينة من حيث الحقوق والالتزامات تجاه جماعة من البشر، نتيجة لما تتمتع به تلك الجماعة من صفات مختلفة، تتعلق بالعرق أو اللغة أو الدين أو الجنس أو اللون أو غير ذلك من معايير الاختلاف (2) كما يشكل التعصب فصيلة اخرى من فصائل العنصرية، فهو يحتضن كافة المفاهيم والسياسات المتعلقة بالعنصرية والتمييز.
في اللغة العربية، يأتي مصطلح التعصب من العصبية، وهي أن يدعو الرجل الى نصرة عصبيته والتألب معها على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين.
وفي المفاهيم الاوروبية، يشتق مصطلح التعصب، من أصل لاتيني يعني الحكم المسبق الذي ليس له أي سند يدعمه.
وقد حدد علماء النفس الاجتماعي، ثلاثة مكونات لمفهوم التعصب، وهي:
المكون المعرفي، ويتمثل في المعتقدات والافكار والتصورات التي توجد لدى أفراد عن افراد آخرين، أعضاء جماعة معينة، وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية التي تتسم بالتصلب الشديد.
المكون الانفعالي، وهو بمثابة البطانة الوجدانية التي تغلف المكون المعرفي.
المكون السلوكي، وهو المظهر الخارجي للتعبير عما يحمل الفرد «المتعصب» من مشاعر وقوالب نمطية.
-2-
يعني هذا التعريف الأكاديمي الشامل، أن العنصرية، هي كل مشاعر العداء ضد الآخر. وهي بذلك تصبح نظاما متكاملا، لممارسة قائمة من الفرضيات، تزعم أن الآخر مغاير ومختلف وأقل شأنا. وتزعم أن العامل المقرر في خصائص و قدرات البشر هو الانتماء العرقي، وأن العناصر العرقية تتفاوت نوعيا، لا من حيث الشكل فقط، و لكن أيضا من حيث القدرة الفكرية و الأخلاقية والاجتماعية.
والعنصرية، عبر التاريخ البشري، صنفت الناس، إلى سادة و عبيد، وجعلت من مشاعر العداء ضد الآخر شريعة وسلوكا، انطلاقا من الزعم، إن هناك عناصر بشرية متفوقة، و أخرى وضيعة .
والمفاهيم العنصرية، في ثقافات بعض الشعوب، تستند على مكون أساسي وهو «التمييز العنصري»، الذي يستند بدوره لمفهوم «التفوق العنصري»، وكليهما يصنف الناس على أساس «الهوية العنصرية» التي تقسم خلق لله إلى فئتين من الأجناس، الأولى متفوقة ” عليا «والأخرى متدينة حقيرة «سفلى».
ولقد أقامت المجتمعات القديمة أنساقا ثابتة للعنصر الأصلي الذي تنتسب إليه و تتفرغ عنه، و اعتبرت كل دخيل عليه إنسانا/ عنصرا غريبا و عدوا محتملا، يجب رفضه و مقاومته و تهميشه.
وكما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، و أوربا اليوم ضد المهاجرين القادمين من إفريقيا أو أسيا، وخاصة منهم السود والصفر، فعلت في الماضي الإمبراطورية الصينية، حيث، اعتبرت كل الذين هم خارج حدودها أعداء متوحشين. وكذلك فعلت اليونان القديمة،التي عاملت كل شخص خارج أثينا معاملة الغرباء، لايملك حق المواطنة. وأنشأت الإمبراطورية الرومانية قانونا يعرف باسم «قانون الشعوب» ينظم العلاقة بين الرومان و غيرهم.
يقول التاريخ، القديم: إن جذور «العنصرية» تعود إلى العلاقات التي كانت قائمة في المجتمعات التعسفية و الاستغلالية القديمة، إلا أن القرن السادس عشر، عرف نقلة نوعية في المجال العنصري، حيث منحت بعض المجتمعات الأوربية لنفسها، شرعية غزو الشعوب التي تزعم أنها تنتمي إلى فئة الأجناس المتدينة، و مع تطور الظاهرة الاستعمارية، بدأت تظهر على واجهة الثقافة الغربية، تبريرات عنصرية مغلفة بطابع «علمي» أحيانا، وبطابع «حضاري» أحيانا أخرى، لغزو الأجناس «المختلفة/الدونية» حسب منظورها، وهي نفسها التبريرات التي ارتكزت عليها «النازية» و«الفاشية» و«الصهيونية» و«الابارتيدية». والتي اتخذتها غطاء  فكريا لفرض سيطرتها على شعوب اعتبرتها «أدنى منها». البيض اتخذوا المتاجرة بالرقيق وبيع الزنوج بالولايات المتحدة الأمريكية وبجهات أخرى، بمبررات «الفوارق البيولوجية». والنازيون الألمان، توسعوا على حساب الشعوب الأوربية وغير الأوربية الأخرى، بمبررات «فوارق الدم والعرق»، و«الأباتهيد» والصهيونية ركزتا نظامهما العنصري في جنوب  إفريقيا، وفلسطين على نفس المبررات الواهية.
ويقول التاريخ الحديث: أن تحرير العبيد في أمريكا وجهات أخرى من العالم، واختفاء «الدول» العنصرية من خرائط العمل السياسي، وإغلاق أسواق العبيد. وإلغاء النظام العنصري في جنوب إفريقيا. واعتراف الكثير من الأنظمة بميثاق حقوق الإنسان، لا يعني إطلاقا من الوجهة العملية، اختفاء العنصرية أو تراجعها. بل بالعكس، عرفت رقعتها ــ في كل من أوربا وأمريكا وفلسطين المحتلة ــ المزيد من الاتساع خلال العقود الأخيرة، على يد جماعات ومنظمات أحزاب متطرفة، تدعو إلى تصفية كل ما هو أجنبي أو مغاير، واستعمال العنف ضد كل ما هو غير غربي، بنفس المفاهيم التي كانت سائدة في الماضي.
في الدول الأكثر تقدما في الزمن الراهن، والأكثر ادعاء بارتباطها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، يتحول حلم الإنسان بعالم تسوده قيم العدالة والسلام، وقيم الإنسانية، إلى كابوس اسود،لا تفسير له، ولا منطق له، بسبب المشاهد العنصرية المتنامية على الساحة الإنسانية، في مناطق عديدة من أوربا وأمريكا والشرق العربي .
كل دقيقة من الزمن الإنساني الراهن، تسقط ضحية بالسلاح العنصري. تنطلق رصاصة من مسدس أو بندقية تجاه «صدر غريب»/تنطلق طعنة سكين الى قلب «مهاجر» أو يتم اختطاف طفل أو امرأة أو يحرق بيت عربي.
وفي كل مناسبة أوربية وأمريكية أو اسرائيلية، ترفع شعارات عنصرية، في وجه المهاجرين الأجانب والعرب، لا تختلف من بلد لآخر، لتؤكد أن «العنصرية» سلوك أخلاقي/سياسي/اجتماعي، يتموضع في  العديد من جهات العالم.
إن «الوعي» العنصري الجديد، في هذه الجهات، يدفع إلى الاعتقاد، بمبدأ العنصر الجيد والعنصر الرديء، وإلى ترسيخ فكرة الصفات الوراثية البيولوجية والقدرات الذكائية والمزايا الحضارية، التي لايملكها الآخرون… وهو ما يشكل خطوة واسعة إلى الوراء.
ما يحدث اليوم بأوربا وأمريكا و فلسطين المحتلة، من جرائم عنصرية، بإيقاع يكاد يكون يوميا، يفسر ظاهرة «الجيل العنصري الجديد» الذي تفجرت جرائمه مؤخرا بالعديد من العواصم، وهي ظاهرة رجعية، بكل المواصفات والمقاييس و الحجج.
لقد حاولت اوروبا والولايات المتحدة الامريكية ان يقدما أنفسهما بعد الحرب العالمية الثانية، مثالا لـ «المواطنة الدولية» فجلبا ملايين المهاجرين، من العالم الفقير / افريقيا واسيا، للقيام بالأعمال الوضيعة، أثناء تحقيق معجزتهما الاقتصادية، وبموازاة ذلك، سمحا «لحليقي الرؤوس» ولجماعات «النازية الجديدة» وللجماعات العنصرية، بالتسلط على السواعد المهاجرة التي بنت أمجادهم الصناعية والاقتصادية، وهو ما يستعصي على الفهم والادراك، ويتجاوز التفكير العقلاني الذي تدعى اوروبا وامريكا انهما مالكتاه ومبدعتاه.
ان الاحداث العنصرية التي تعرفها تباعا اوروبا الغربية، وبعض الولايات الامريكية وفلسطين المحتلة (على يد اسرائيل النازية)، تؤكد على أن عقدة التفوق ونزعة الامبريالية الاستعمارية، مازالت حية في عروق بعض فئاتها الاجتماعية والسياسية، وأن هذه «العقدة» لا تخفي نفسها بالمشهد السياسي، وبالمشهد الاجتماعي، فهي تحرك الأفراد والجماعات، وأحداثها الدامية والقاسية والبشعة، تحرك المشاعر الانسانية.
-3-
نعم، لقد عمل المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، على مكافحة كافة أشكال التمييز والعنصرية عبر سياسات فاعلة في مواجهة الدول والمجتمعات التي تتبع هذه السياسات، وعبر ابرام اتفاقات ومعاهدات دولية ومن قبيل ذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 دسمبر عام 1948/اعلان الامم المتحدة بإدانة كافة أشكال التمييز العنصري في 20 نوفمبر 1963/الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري والتي أعدتها لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة واعتمدتها الجمعية العامة في 21 ديسمبر 1965 ودخلت حيز التنفيذ في 4 يناير 1969/الاتفاقية الدولية لمكافحة الفصل العنصري التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 ودخلت حيز التنفيذ في 18 يوليوز 1976/واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دسمبر عام 1979 ودخلت حيز التنفيذ في سبتمبر عام 1981/أيضا هناك الاعلان الخاص بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمة على أساس الدين أو المعتقد التي أقرتها الجمعية العامة في نوفمبر عام 1981 / وهناك أيضا الاعلان بشأن حقوق الاشخاص المنتميين لأقليات قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية والتي اعتمدتها الأمم المتحدة في دسمبر 1992.
-4-
وعلى الرغم من ان الدول الغربية، كانت من أوائل الدول التي صادقت على هذه الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحقوق الانسان، ومناهضة الميز العنصري، الا أن المشكلة ظلت تتمثل بوضوح في عدم انتقال مبادئ هذه الاتفاقيات من مستوى القبول النظري والقانوني الى الممارسة العملية.
يمكننا ملامسة هذه الحقيقة بسهولة ويسر، من خلال وضعية المهاجرين المغاربيين في اوروبا، وخاصة في فرنسا واسبانيا، حيث ما زال العمال الاجانب يعانون من الاهانات الادارية والسياسية والاجتماعية المتوالية، ومن عنصرية القوانين، وعنصرية التأهيل وعنصرية التشغيل رغما على القوانين والمعاهدات الدولية، التي تحمي المهاجرين وتؤمن حياتهم، وهي كثيرة ومتنوعة.
1/ بالنسبة لفرنسا:  لم تقف السلطات الفرنسية عند حد تشديد القوانين المتعلقة بالهجرة، بل قامت بتصعيد حملات اللجوء إلى القمع والأساليب الزجرية، لطرد المهاجرين واعتقالهم والتنكيل بهم، وهي إجراءات تتنافى صراحة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تعود أصوله و منابعه إلى تراث الثورة الفرنسية (سنة 1789) مع شديد الأسف وهو ما يعني أن «الثورة الفرنسية، لم تضع أي حد للعنصرية الفرنسية… فهذه الأخيرة، عرفت نوعا من البروز» على الواجهة  السياسية، في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت فرنسا تعاني ضائقة اقتصادية ومالية، حيث توجهت «الحركة العنصرية»  ضد اليهود،و كانت العجلة الاقتصادية الفرنسية، تعتمد على أغنيائهم. ولكنها خمدت بعد ذلك، بدخول فرنسا سلسلة حروب كونية، وباحتلالها من طرف«هتلر» أب العنصرية المعاصرة في الحرب الكونية الثانية…
ولربما، لم يتوقع العالم، أن تعود العنصرية بقوة إلى هذا البلد، الذي أنقدته جيوش الشعوب الأفريقية من حرائق و مآسي الحروب في النصف الأول من القرن الماضي، وأنقدته جيوش عمالها من الإفلاس الصناعي والاقتصادي في نصفه الثاني… خاصة و أنه البلد الذي يصدر «الحرية» إلى العالم من خلال ثقافته الحديثة.
والغريب في أمر العنصرية الفرنسية، أنها في نهاية القرن التاسع عشر، تسلطت على اليهود. واعتبرتهم مصاصي دماء فرنسا،و طردتهم ونكلت بهم إلى حد الوحشية… وفي نهاية القرن العشرين، اتخذت من الإسلام عدوا لذودا لها، تجند ضده وضد المؤمنين به، جيوشا من النازيين و حليقي الرؤوس المتوحشين. على اعتبار أن المسلمين / الأجانب والمهاجرين «فيروسا»يفسد طهارة الدماء الفرنسية.
ففي بداية السبعينات من القرن الماضي، (مرحلة ظهور الأزمة الاقتصادية الفرنسية)، أخذ المجتمع الفرنسي يلفظ ما في داخل أمعائه، ليخرج منها عنصريته الراكدة، المضادة للآخرين/ المهاجرين القادمين من إفريقيا وآسيا، الذين انتهت مهمتهم، ويجب التخلص منهم بأي ثمن و بأي أسلوب !! على حد تعبير الشعارات اليمينية الفرنسية .
وتحت ضغط الجماعات العنصرية،اتجهت السلطات الفرنسية، إلى طرد جميع العمال الذين تدعي أنهم لا يتوفرون على عقود شغل (قرار فونتاني ومارسولان سنة 1972) مما أدى إلى اضرابات عن الطعام، وإلى اضطرابات ومظاهرات عمالية للمطالبة بالحد من العنصرية والتعامل اللاأخلاقي ضد الأجانب.
وفي سنة 1974، حيث انخفض الإنتاج الاقتصادي، وظهرت الملامح الأولى للأزمة المجتمعية بفرنسا، اتجهت الحكومة مرة أخرى، إلى سد الأبواب  في وجه العمال الأجانب، وفي مقدمتهم العمال المهاجرين المغاربة، وإصدار مرسوم مراقبة الحدود وتوقيف الهجرة السرية.
ويمكن للباحث المهتم، أن يرصد الحركة العنصرية الفرنسية من خلال محورين واسعين، الأول سياسي، والثاني تشريعي.
أ/ على المستوى السياسي: ظهر في فرنسا (في مطلع سبعينيات القرن الماضي) شعار عنصري غريب، يصعب  تصديقه، فقط لأنه ينطلق من أرض تدعي «أيمانها» بــ «الحرية» و«الإخاء» و«المساواة»، يقول الشعار: فرنسا للفرنسيين، والفرنسيون أولا … وهو ما جعل كل أجنبي على الأرض الفرنسية مشبوها،عدوا، وأن خلاص فرنسا من الأجانب، أصبح حقيقة أكيدة.
وفي مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، ظهرت الملامح الأولى لبرامج حزب «الجبهة الوطنية» التي يتزعم فكرة إعادة المهاجرين عامة والمغاربيين خاصة، من حيث أتوا، وظهرت ملامح زعيمه «جان ماري لوبان» (وهو أحد الضباط الذين حاربوا بالجزائر، ثم في السويس/ 1956، ولديه ملف حافل بتعذيب مدنيين جزائريين خلال حرب التحرير الجزائرية) . كأحد قادة الجيل العنصري الجديد بفرنسا.
ففي إطار هذه الحركة، خاض اليمين الفرنسي المتطرف معارك سياسية واجتماعية، من أجل طرد العمال الأجانب، باعتبارهم «يسرقون وظائف الشغل من الفرنسيين، ويدخلون الخلل في النظام التقليدي العام، ويفسدون المزايا الفرنسية»، وكذلك من أجل تصفية الجنس الفرنسي الطيب المزهر، من الوصمات الأجنبية الساقطة والوسخة. والقضاء على أولئك الغزاة الذين يفسدون على فرنسا حياتها السعيدة، وسلامتها الثقافية والحضارية !..
ب/ وعلى المستوى التشريعي، عرفت قوانين الهجرة بفرنسا تعديلات متلاحقة خلال العقود الأربعة الماضية، تتجه جميعها نحو تصفية هذا الملف والخلاص من تركاته ..، نذكر منها :
ــ قانون باسكوا، لسنة 1973، وهو يحمل اسم وزير الداخلية بالحكومة الفرنسية خلال تلك الفترة، (شارل باسكوا) الذي دخل الحكومة، ببرنامج لتصفية ملف المهاجرين المستقرين وغير المستقرين بالبلاد، بإجبارهم على الرحيل، وهو قانون يصب في اتجاه أفكار وإديولوجية حزب «الجبهة الوطنية»  الذي ظهر بارزا في انتخابات هذه السنة.
ـــ قانون دوبري لسنة 1997، وهو يحمل اسم وزير داخلية فرنسا خلال هذه الفترة، وهو أكثر شدة، وأكثر عنصرية من سابقه.
وأن الأحداث العنصرية التي عرفتها باريس، ومرسيليا، و العديد من المناطق الفرنسية خلال العقدين الاخيرين للقرن المنصرم، (1980-2000)، والتي ذهب ضحيتها العشرات من المهاجرين المغاربة، تعطي الدليل، على أن عودة العنصرية، كانت عودة هادفة. تتخذ من الآخر هدفا مباشرا، ترصده بكل الأسلحة الفتاكة .
يقول تقرير صحفي نشرته سنة 1999، جريدة «الغارديان» والعديد من الصحف الغربية، أن الشرطة الفرنسية وحدها تسببت في مصرع أكثر من ثلاثمائة شخص أغلبهم من المهاجرين، بمعاملاتها السيئة واللامشروعة.
ويقول استطلاع للرأي، أجراه معهد «لويس هاريس» سنة 1999  بطلب من اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، أن الأشخاص المنحدرين من أصول مغاربية، هم الأكثر تعرضا للهجمات العنصرية بمعدل 75% من الاعتداءات التي وقعت بفرنسا في السنة ذاتها  .
2/ وبالنسبة لإسبانيا، ما كادت تسترد وعيها المسلوب، وتتخلص من ديكتاتورية الجنرال فرانكو، حتى عادت إلى ممارسة العنصرية، بشكل لا يتناسب وانتقالها إلى الديمقراطية ودولة الحق والقانون، ولكن بصفة خاصة، ضد المهاجرين المغاربة.
ومن المعروف أن إسبانيا، تمثل نموذجا حيا، لبشاعة العنصرية الغربية، فهي واحدة من الدول الأوربية، الأكثر ارتباطا بالمشاعر العنصرية تجاه الآخرين، و من أكثرها احتفاظا عليها، حتى في الوقت الذي انتقلت فيه إلى الديمقراطية، و شروطها و تحدياتها … فقد أوجدت جيلا جديدا من العنصريين المسلحين بالعنف والشدة والجنون، مباشرة بعد اختفاء نظام الجنرال فرانكو. وهو الجيل الذي أنجز أكثر من مأساة، ضد المهاجرين المغاربة في جهات مختلفة من إسبانيا (كاطالونيا/ كوبيدو/ الميريا/ مورسيا/ ايل ايخيدو)، والتي ذهب ضحيتها مئات المهاجرين الذين أفنوا حياتهم في بناء إسبانيا الجديدة، من أجل العيش والكرامة، و هي مآسي تتجاوز القوانين والأعراف والقيم الإنسانية، وتؤكد على أن المشاعر العنصرية، مازالت أقوى ما تكون، في النفس الإسبانية. وأن شعارات الديمقراطية و حقوق الإنسان، لم تخفف من وطأتها.
إن ما حدث في أيل ايخيدو (جنوب إسبانيا) سنة 2000 ضد المهاجرين المغاربة من جرائم مطبوعة بالحقد الأعمى، يطرح في العمق مسألة الإرهاب العنصري والتطرف، الذي بدأ يطبع المجتمع الإسباني، في «عهده الجديد». وتطرح إشكالية مواجهتها .
ففي هذه المدينة التي كانت تشغل نسبة كبيرة من المهاجرين المغاربة، ذهب عشرات المغاربة ضحية للعنف العنصري (فبراير 2000) على يد حشود مدججة بكل الأسلحة اللاقانونية: قضبان حديدية/عصى/سلاسل/خناجر/ سيوف، و تعرضت بيوتهم و محلاتهم التجارية إلى الإتلاف، كما تعرضت سياراتهم وأكواخهم و مقرات جمعياتهم إلى التخريب العنصري، بشكل وحشي وغير حضاري، لا لسبب سوى لأنهم مهاجرون مغاربة، ومسلمون.
والملاحظ أن العنصرية ضد المهاجرين المغاربة في إسبانيا، لم تأت فقط من عصابات «حليقي الرؤوس»، و«الجماعات النازية»، ولكنها أتت أيضا من القوانين المنظمة للهجرة (قانون 1985/ قانون 1995) التي تضع المهاجرين في دائرة مفرغة، وتجعلهم بالإضافة إلى معاناتهم اليومية والمستمرة هدفا للعنصرية داخل المجتمع، وتعرضهم للإهانة والاختطاف والاغتيال بأشكال مختلفة، يعانون من عنصرية القوانين ومن عنصرية الشغل، وعنصرية المدارس والجامعات، وعنصرية الشوارع والمقاهي والمحطات والأماكن العمومية، وهي أقسى أنواع الإرهاب النفسي الموجه ضد الآخر، تحت مسمى ” دولة القانون ” .
نشرت جريدة «المونودو» الإسبانية (17 يوليوز 1997) أن عشرة في المائة (10%) من الشباب الإسباني عنصري النزعة و التوجه.
ونشر معهد الدراسات السوسيولوجية بمدريد (سنة 2000) استطلاعا للرأي، يقول إن الجالية المغربية المهاجرة إلى إسبانيا مرفوضة أكثر من أية جالية مهاجرة أخرى.
وجاء في التقرير السنوي «لمنظمة مناهضة العنصرية» أن حالات العنصرية في إسبانيا، ارتفعت بشكل خطير من المواطنين الإسبان، ومن الدوائر الرسمية، وأن العنصرية أصبحت أمرا طبيعيا في هذا البلد. وأن أغلبية الحالات تتعلق بمهاجرين مغاربة.
وندد تقرير آخر يحمل عنوان «التقرير السنوي للعنصرية في الدولة الإسبانية لسنة 2000» بالاستعمال الخبيث للحكومة الإسبانية لقانون الأجانب، لتأليب الرأي العام ضد المهاجرين، ومحاولة إيهامه بأن إسبانيا تتعرض لغزو قادم من الجنوب (المغرب).
وأبرز التقرير المذكور، من جانب آخر، الاستغلال البشع الذي يتعرض له المهاجرون في إسبانيا، وخاصة أولئك الذين لا يتوفرون على أوراق إقامة قانونية، مما يجعلهم مهضومي الحقوق، ولا يمكنهم أن يقدموا شكايات عن أوضاعهم، حيث قارن التقرير أوضاعهم بالعبودية الجديدة.
وأظهرت دراسة لجامعة «كومليتنسي» بمدريد، تصاعد رفض الإسبان للمهاجرين المغاربيين، ولا سيما المغاربة الذين أضحوا الأقلية الأكثر عزلة في المجتمع الإسباني، و هو الوضع الذي كان يعاني منه حتى وقت قريب «الغجر».
ومن جهتها اعتبرت الجمعية الإسبانية غير الحكومية «أس.أو.إس.راسيزم»، أن الميز الاجتماعي بهذا البلد أضحى أكثر تطورا ونصاعة، مؤكدة، أن نسبة هامة من الشباب، تسعى للقيام بحملات «للتطهير العرقي» للقضاء على الغجر والعرب واليهود والسود والأمريكيين اللاتينيين.
وأظهرت دراسات أكاديمية أخرى، (أنجزها مؤخرا مركز الأبحاث السوسيولوجية لمدريد) أن نسبة الأشخاص الذين يتبنون ممارسات عنصرية، يمثلون نسبة عالية في المجتمع الإسباني اليوم.
-5-
طبعا ليست فرنسا وإسبانيا وحدهما اللتان تفجر بهما «الجيل العنصري الجديد» فمثل هذا «الجيل» الشرش والعنيف في عنصريته، يتواجد اليوم في أركان أوربا الغربية، بنسب متفاوتة، ففي جهات أوربية مختلفة، تتجه «أظافر» هذا الجيل إلى المهاجرين لنهشهم ورميهم خارج الحدود … وتتجه أفكار هذا الجيل إلى السلطة، من أجل تنظيف أوربا من الذين «لا يستحقون العيش».
ويمكن للملاحظ المتتبع لتطورات الأوضاع في أوربا وخاصة فرنسا/إسبانيا/هولاندا/ألمانيا/إيطاليا/بلجيكا، خلال العقود الأخيرة/، أن الظاهرة العنصرية، لا تخص بلدا معينا، فهي تمتد من شمال أوربا إلى جنوبها. و لها أكثر من تأثير خارج حدودها، حيث أخذ التيار القومي الشعوبي، الذي تجسده أحزاب اليمين المتطرف، يعمل من أجل زعزعة الاتحاد الاوروبي الحالي، الذي يتخذ الديمقراطية والحرية والسلم والتعايش، شعارا له، وبناء أوربا جديدة،قائمة على عداء الآخر ورفضه.
إن الأحداث العنصرية العنيفة التي ظهرت على الساحة الأوربية، في السنوات الأخيرة، وخاصة ضد الأجانب والمهاجرين، تعطي الإنطباع، أن التيار القومي الشعوبي العنصري، أصبح يشكل بالفعل تهديدا حقيقيا، لا «للغرباء» فقط،  ولكن لكافة التيارات السياسية الأخرى، التي ناضلت من أجل مبادئ وأفكار وقيم، دفعت بالقارة الأوربية، بعد سلسلة من الحروب البشعة، إلى الازدهار والتوحد والديمقراطية.
ولا شك أن ما حدث في فرنسا في الانتخابات الرئاسية السابقة، يعطي الدليل القاطع على هذا التوجه، حيث استطاعت «الجبهة الوطنية» أكثر «الجبهات» عنصرية ضد المهاجرين – الأجانب، وأكثرها كراهية لهم، الوصول إلى الدور الثاني من هذه الانتخابات، وهو ما اعتبره الإعلام الفرنسي، والإعلام الأوربي عموما، زلزالا أصاب فرنسا في كبدها، لما تمثله «الجبهة الوطنية» من عنف وحقد وعنصرية … وجنون .
الأمل الأوربي، بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من أوجاع ومآسي وخسارات، كان هو الانتقال بأوربا من هم النزاعات العنصرية و العرقية، إلى أوربا موحدة، يتمتع فيها الجميع بنفس الحقوق والواجبات،  ويعمل في فضائها الجميع، من أجل التعايش والسلم والديمقراطية، ولكن يبدو أن مشاعر العنصرية التي أوجدت «جيلها الجديد»  مازالت حية في العروق… ومازالت تبحث عن امتدادات جديدة لتجعل من هذه المشاعر شريعة قائمة على الدم… وعلى رفض الآخر حتى الموت.
إذن، هو التاريخ يعيد نفسه.
هناك عودة الروح الى العنصرية الغربية العتيقة/هناك عودة أوربية إلى ماض لانعتقد أنه يشرفها. من موقعنا، حيث نرثي لحالها، وهي تشاهد بلا إرادة عودتها إلى «عصر الظلمات»، نوجه اهتمام الحكومات المغاربية والإفريقية، التي تعمل جهدها وأكثر منه،لإرضاء «الأصدقاء» الأوربيين، على حساب أشياء كثيرة، أن العنصرية المتنامية ضد المهاجرين المغاربيين والأفارقة عموما في مناطق عديدة من بلاد هؤلاء الأصدقاء، تجعل البون شاسعا بين مفهومنا للصداقة… ومفهومهم إليها.
أفلا تنظرون…؟
*****
الدكتور عماد جاد (الامين العام للمنظمة العربية لمناهضة التمييز) / مجلة الانساني / خريف 2005
د.عماد جاد / المرجع السابق

الكاتب : محمد أديب السلاوي - بتاريخ : 19/03/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *