خسارة عفرين تقصم ظهر الأكراد وتركيا تحول مجموعات سورية معارضة إلى قوة فاعلة

بعدما تمرسوا في قتال الجهاديين في شمال سوريا، لم يجد المقاتلون الأكراد أمام الطائرات والنيران التركية خيارا سوى الانسحاب من مدينة عفرين، برغم أهميتها الرمزية كونها أول منطقة طبقوا فيها الادارة الذاتية.
وبعد حملة عسكرية طالت نحو شهرين، سيطرت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها الأحد على مدينة عفرين في شمال سوريا، ورفع العلم التركي على مباني الإدارة الذاتية الكردية التي طالما أثار وجودها امتعاض أنقرة.
خلال السنوات الماضية، أبدى مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية فاعلية في قتال تنظيم الدولة الاسلامية على جبهات عدة. وتمكنوا من طرده من مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا آخرها مدينة الرقة في أكتوبر. وبعدما شكل التحالف الدولي بقيادة أميركية شريكا رئيسيا لها موفرا الغطاء الجوي في المعارك ضد الجهاديين، وجدت الوحدات الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، نفسها وحيدة في عفرين بمواجهة الطائرات والمدفعية التركية التي استهدفت مواقعها.
وانسحب المقاتلون الأكراد من مدينة عفرين بعد أسبوع من تمكن القوات التركية وحلفائها من تطويق المدينة، من دون قتال يذكر داخل المدينة.
ويقول القيادي في الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا عبد السلام أحمد لوكالة فرانس برس “لم يكن هناك خيار سوى الانسحاب التكتيكي” أمام “الخلل في توازن القوى”.
ويوضح أن القوات المهاجمة استخدمت “مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والطيران واتبعت سياسة الأرض المحروقة مقابل مقاتلين يحملون أسلحة خفيفة ومرصودين عبر أحدث التقنيات ومحاصرين في حيز جغرافي صغير”.
وبعد انسحابها الى مناطق في محيط المدينة ملاصقة لمناطق سيطرة قوات النظام، أعادت الوحدات الكردية انتشارها في محيط المدينة.
ويقول القيادي الكردي البارز إلدار خليل لفرانس برس إن الوحدات الكردية “ستستمر في المقاومة بالاعتماد على أسلوب حرب العصابات”.
وأعلن الأكراد الأحد في اول تعليق بعد خسارتهم عفرين، أن قواتهم “تتواجد في كل مكان من جغرافيا عفرين (…) وستتحول إلى كابوس” للقوات التركية.
وتخشى أنقرة من إقامة الأكراد حكما ذاتيا على حدودها على غرار كردستان العراق، ولطالما أكدت رفضها للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد في ثلاثة “أقاليم” في شمال وشمال شرق البلاد، بينها إقليم عفرين.
ويقول الباحث في المعهد الأطلسي أرون شتاين أن “التاريخ الكردي بحد ذاته مأساة”، والخسارة الأخيرة ستعزز مقولة أن “ما من أصدقاء للأكراد سوى الجبال”، مضيفا “إنها خسارة عسكرية ومعنوية، لكن هؤلاء الأشخاص يقاتلون لما هو أكبر من عفرين”.
ويوضح المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين بروسك حسكة لفرانس برس ان الوحدات اعتمدت “الهجمات الدفاعية بمواجهة التقنيات الحديثة التي استخدمتها تركيا”، مضيفا “كنا نواجهها بأسلحتنا المتوسطة ومعنوياتنا”.
ويشير الى أنه مع وصول “الدولة التركية ومرتزقتها الى أطراف عفرين (…) شعرنا بثقل على المدنيين أمام القصف المكثف ورأينا أنه من الضروري إخراج الشعب وتوزيع مقاتلينا”.
خلال شهرين، أسفر الهجوم التركي عن مقتل أكثر من 1500 مقاتل كردي غالبيتهم في قصف جوي ومدفعي، وفق ما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقتل في المقابل أكثر من 400 مقاتل سوري موالين لأنقرة، وتحدث الجيش التركي عن خسارته 46 جنديا .
وبعد التقدم الأخير في مدينة عفرين، باتت القوات التركية تسيطر على كامل “إقليم” عفرين.
ويقول حسكة “سنتبع من الآن وصاعدا اسلوب الهجوم (…) في كل عفرين، في قراها وبلداتها وجبالها”، موضحا “سيكون العدو مستهدفا من قبلنا بكل الوسائل (…) إنها معركة وجود”.
وبدأت خلايا الأكراد المتوارية في منطقة عفرين بالفعل هجماتها، وفق المرصد السوري الذي أفاد عن مقتل ستة مقاتلين موالين لأنقرة السبت في استهداف آليتهم في منطقة راجو الحدودية.
ويتوقع حسكة أن تكون المعركة طويلة الأمد، مضيفا “نعتبر عفرين وبلداتها وقراها من الآن وصاعدا كلها منطقة عسكرية”.
ويتهم الأكراد تركيا بالسعي لإحداث تغيير ديموغرافي، عبر تهجير سكان منطقة عفرين واستبدالهم بلاجئين فروا الى اراضيها على مدى سنوات النزاع السوري المستمر منذ 2011.
وتسبب الهجوم الذي انطلق من المنطقة الحدودية وتقدم تدريجيا وصولا إلى مدينة عفرين بحركة نزوح جماعية في المنطقة. وفر من مدينة عفرين وحدها قبل دخول القوات التركية إليها أكثر من 250 ألف مدني، بحسب المرصد.
وطالما شكل دعم التحالف الدولي للوحدات الكردية ضد الجهاديين عامل توتر بين أنقرة وواشنطن. وتصنف تركيا الوحدات الكردية مجموعة “إرهابية” وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يقود تمردا ضدها منذ عقود.
وبالسيطرة على عفرين، بات النفوذ التركي يمتد على منطقة حدودية من أطراف محافظة ادلب غربا الى مدينة جرابلس في شمال شرق حلب.
ويعتبر الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش أن أردوغان يريد إنشاء “محمية تركية على طول الحدود (…) والهدف منها منع لاجئين جدد من الذهاب إلى تركيا، كما إعادة اللاجئين إلى تلك المنطقة”.
ويضيف لفرانس برس “غالبية المدنيين في عفرين خرجوا، ولا اعتقد أن الجيش التركي سيسمح لهم بالعودة”.
وبعد سقوط عفرين، باتت “المناطق الكردية كافة بخطر الآن”، وفق ما يقول الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو.
وتعهد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مجددا الاثنين بتوسيع نطاق هجومه بعد عفرين، وصولا الى منبج وكوباني ومدينة القامشلي في اقصى شمال شرق البلاد.
وحمل الأكراد التحالف الدولي، حليفهم الرئيسي ضد الجهاديين، جزءا من المسؤولية لعدم منعه تركيا من شن هجومها.
ويقول أحمد “مهاجمة منبج مرهونة بموافقة الولايات المتحدة التي تتواجد قواتها على الأرض هناك

تحويل مجموعات سورية معارضة الى قوة فاعلة

اعتمدت تركيا في هجومها على جيب عفرين على مجموعات مسلحة سورية نجحت في تحويلها الى قوة فاعلة في مناطق نفوذها بشمال سوريا.
وتوحدت هذه المجموعات ضمن ما يسمى “الجيش السوري الحر” الذي كان مشرذما قبل ان تتولى تركيا امره وتنظم صفوفه. ورغم ان غالبيتها ليست بعيدة من التيارات الاسلامية، ترفض انقرة وصف المنضوين فيها ب”الجهاديين”.
واعلن تشكيل “الجيش السوري الحر” بعد بضعة اشهر من اندلاع النزاع السوري في 2011 من جانب عقيد سوري لجأ الى تركيا. وكان يضم خصوصا مدنيين انضموا الى صفوف المعارضة وتلقوا تدريبا على يد منشقين من الجيش السوري.
لكن هذا الجيش فقد اهميته تدريجا وحل محله طيف واسع من الفصائل، بدءا بمقاتلين لا انتماء دينيا لهم وصولا الى فصائل اسلامية، قبل ان تعيد انقرة احياءه.
تولت انقرة تدريب مجموعات “الجيش السوري الحر” وتجهيزها وتمويلها، وقد شاركت صيف 2016 في هجوم تركي اول في شمال سوريا هدف الى طرد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية والمقاتلين الاكراد في وحدات حماية الشعب التي تعتبرها تركيا “ارهابية” بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني، رغم انها متحالفة مع الولايات المتحدة وتشكل راس حربة في المعارك ضد الجهاديين في سوريا.
ومنذ عملية “درع الفرات” في 2016، باتت تركيا تسيطر تحت ستار “الجيش السوري الحر” على مناطق واسعة في شمال سوريا. وتكرر هذا السيناريو الاحد مع السيطرة على مدينة عفرين في اطار عملية “غصن الزيتون” التي بدأت في 20 يناير الفائت.
ورغم اتهامها بتأجيج النزاع عبر دعم مجموعات تشارك في الحرب السورية، اكدت تركيا على الدوام ان هدفها هو تأمين مناطق داخل هذا البلد للسماح بعودة اللاجئين السوريين، وابرزت في الوقت نفسه تمسك “الجيش السوري الحر” بوحدة اراضي سوريا في مواجهة مشروع الحكم الذاتي الذي يدافع عنه الاكراد.
وبين مجموعات هذا الجيش التي شاركت في عملية عفرين لواء السلطان مراد وكتيبة حمزة وفيلق الشام القريب من جماعة الاخوان المسلمين.
واعتبر ارون لوند الباحث في مركز “سنتوري فاونديشن” الاميركي انه اذا كان يمكن اعتبار فصائل عدة في “الجيش السوري الحر” اسلامية فانها لا تتقاسم الفكر نفسه مع تنظيمي القاعدة والدولة الاسلامية، حتى ان بعضها قاتل بدعم من الولايات المتحدة.
وقال “سيكون خاطئا ومن باب الدعاية وصف هذه المجموعات بانها جهادية. انها مجموعات عملت في الاعوام الاخيرة مع تركيا والغربيين ضد فصائل مرتبطة بالقاعدة، وذلك رغم انها تحالفت موقتا مع جهاديين ضد (الرئيس السوري بشار) الاسد”.
من جهته، اكد جنرال تركي متقاعد سبق ان عمل مع “الجيش السوري الحر” خلال عملية “درع الفرات” ان “تركيا بذلت جهودا جبارة لتحسين كفاءة وانضباط وتنظيم” هذه الوحدات العسكرية التي تتلقى تمويلها من انقرة.
ورأى ان المشاهد التي اظهرت عناصر في “الجيش السوري الحر” يقفون الى جانب جثة ممزقة لمقاتلة كردية قرب عفرين او يعمدون الاحد الى عمليات نهب في المدينة، لا تشمل سوى “اقلية”، مضيفا “يمكن ان نرى مشاهد مماثلة في الحروب لكن هذا السلوك لا ينطبق على جميع المقاتلين”.
وقال الجنرال الذي لم يشأ كشف هويته لفرانس برس “يمكن اعتبارهم اسلاميين لان لديهم تفسيرا معينا للديانة. لكنهم (…) لا يقطعون الرؤوس ولا ينفذون اعتداءات انتحارية”، موضحا ان مشاركة “الجيش السوري الحر” في المعارك تمنح طابعا سوريا للتدخل العسكري التركي.
واضاف “لدى تركيا جيش قوي، لكنها تريد ان تظهر للعالم ان التصدي لوحدات حماية الشعب الكردية هو ايضا سوري”.
واعتبر عبدالله اغار، وهو خبير عسكري تركي قريب من الحكومة، ان “الاستقرار” الذي تشهده المناطق التي تديرها مجموعات تابعة ل”الجيش السوري الحر” منذ انتهاء عملية “درع الفرات” يبرر الدعم الذي حظيت به هذه المجموعة.
وقال “لقد اعيد النظام. تمكن عشرات الاف الاشخاص من العودة الى بلادهم”.
واضاف “يمكن ان نتوقع اقامة نظام مماثل في عفرين بعد عملية غصن الزيتون”.

مساعدات وإطلاق نار ونهب في عفرين

بعد يوم من انتزاع القوات التركية ومقاتلي المعارضة السورية السيطرة على عفرين، بدأت وكالة إغاثة تركية توزيع الإمدادات في وسط المدينة اليوم الاثنين لكن السكان واصلوا المغادرة بعد تقارير واسعة النطاق عن عمليات نهب.
ووقف مقاتلو المعارضة السورية المنتصرون على تمثال على الأرض وأطلقوا النار في الهواء بينما سارت المركبات العسكرية في دوريات بالشوارع التي لا تزال يتناثر فيها الركام جراء الهجوم الذي شنته تركيا على مدى ثمانية أسابيع لطرد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية.
وأغلقت المحال وغادر بعض الناس إلى قرى خارج عفرين، المدينة الرئيسية في منطقة يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سوريا. وقال أحد السكان إن مقاتلي الجيش السوري الحر المعارض المدعوم من تركيا الذين اجتاحوا عفرين صباح الأحد ينهبون المحال والمنازل.
وأضاف الرجل الذي لم يذكر اسمه “الجيش السوري الحر جاء ودخل عفرين وكان من المفترض أن نكون آمنين. لكن الأمر تحول إلى النقيض”.
وتابع “الجيش السوري الحر نهب سياراتنا ومنازلها ونهب متاجرنا. لقد تحول الأمر كما لو كنا مشردين (حتى) في منازلنا. لا طعام.. لا شراب.. لا أمن”.
وقالت وزارة الخارجية السورية في رسالة إلى الأمم المتحدة نشرتها وسائل الإعلام الرسمية إن متعلقات سكان عفرين تعرضت للنهب ومنازلهم دمرت في الحملة التي تقودها تركيا.

ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من المتحدث باسم الجيش السوري الحر في المنطقة.
وذكر المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن أنقرة تأخذ التقارير عن حدوث عمليات نهب في عفرين مأخذ الجد. وقال إبراهيم كالين لشبكة (سي.إن.إن) “نفحص الوقائع. لقد حدثت على ما يبدو. بعض المجموعات لم تتبع أوامر قادتها”.
وقال رجل آخر في عفرين بينما كان يقوم بتحميل حشايا وأبسطة وسلعا أخرى على شاحنة إن أسرته انتقلت إلى بلدة بلبل على بعد 30 كيلومترا، عندما شنت تركيا هجومها الجوي والبري في يناير كانون الثاني.
وأضاف “ما إن بدأ القصف حتى فررنا إلى عفرين. نحن الآن عائدون من عفرين إلى منزلنا لأنه أكثر أمنا”.
وقالت الأمم المتحدة إن ثلثي 323 ألف ساكن غادروا منطقة عفرين الأوسع منذ بدأت تركيا حملتها لطرد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، الذين تقول إنهم امتداد لمسلحين أكراد يشنون تمردا طويلا في جنوب تركيا.
وناشدت المنظمة الدولية تقديم إمدادات عاجلة “لوقف الوضع الكارثي” لعشرات الآلاف من السكان في عفرين والغوطة، حيث تقاتل القوات الحكومية السورية لسحق آخر معقل تسيطر عليه المعارضة على أطراف العاصمة.
بيد أن تركيا تعهدت بدعم السكان في عفرين وقامت وكالتها للإغاثة الطارئة بتوزيع المساعدات في وسط المدينة.
وقال محمد جول أوغلو مدير (رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ) “بدأت مهمتنا للشؤون الإنسانية منذ أمس عندما دخل الجيش التركي والجيش السوري الحر إلى هنا”.
وأضاف “نحن هنا اليوم لتقييم الاحتياجات وكذلك لأولى عمليات التوزيع. نحن نوزع الطعام والمعدات الصحية وبعض الأطعمة الجاهزة وبعض البطاطين على أي حال”


بتاريخ : 22/03/2018