نبض المجتمع : حتى تكون مباراة لـ « ولوج الأمل»

حميد بنواحمان

تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة “، وتسهرعلى ” إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية ، أوحسية حركية ، أوعقلية ، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية ، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع» .
هكذا تحدث الفصل 34 من دستور فاتح يوليوز 2011 ، والذي يعود باعث استحضاره هنا، إلى أحد قرارات المجلس الحكومي الملتئم يوم الخميس 15 مارس 2018 ، والقاضي “بتنظيم ، على الأقل ، مباراة واحدة في السنة لفائدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ” في أفق “تمكينهم من الولوج للوظيفة العمومية بسهولة وبعد اجتياز المباريات”، إذ أنه – حسب التفسير المصاحب للقرار- ” سيصعب تنظيم مباراة في كل قطاع ، لكن تنظيم مباراة واحدة مركزية أمر ممكن بالنسبة إلى الإدارات والوزارات الراغبة في الاندماج في هذه المباريات الموحدة ، هذا إضافة إلى البرامج المتعددة الموجهة لهذه الفئة من المواطنات والمواطنين “.
قرار يستوقف المنشغل ب” الأوضاع العامة” لهذه الفئة الاجتماعية، المتزايدة أعدادها من سنة إلى أخرى، لطرح سؤال التنفيذ على أرض الواقع والسقف الزمني المسيج له ، وذلك بالنظر لاستعجالية إخراج هذا الملف الحساس من “ثلاجة ” الانتظار، وجعل المعنيين به من حاملي الشهادات الجامعية والدبلومات التقنية والمهنية…، يستعيدون الأمل في المستقبل، هم الذين أضناهم عدم الوفاء بالوعود طيلة سنوات؟
كيف لا يوصف الوضع ب”الاستعجالي ” ومشاهد الوقفات الاحتجاجية، والمسيرات ، و”الاعتصامات” التي خاضها العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة في أكثر من مدينة ، والتي بلغت، في فترة سابقة بالعاصمة الإدارية للبلاد، حد التلويح بالإقدام على خطوة “الانتحار الجماعي “، مازالت راسخة في الذهن، بكل ما تؤشر عليه من دلالات اليأس والقنوط ؟
يأس ضاغط يحيل على “الفشل” في تفعيل قرار رسمي سالف ينص على “تخصيص 7 % من المناصب المقيدة في ميزانيات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لفائدة الأشخاص المعاقين طبقا لقرار الوزير الأول رقم 3.130.00 الصادر في 7 ربيع الآخر 1421 الموافق ل 10 يوليو 2000 وللمنشور رقم 5/2001 بتاريخ 17 مايو 2001″، وكذا “التزام ” ، بالصوت والصورة ، تضمنه جواب للوزارة الوصية ، خلال ولاية الحكومة السابقة، عن سؤال بمجلس النواب، تقول بعض جمله ” إن الوزارة ستجتهد في تنزيل هذه النسبة” ، لفائدة “هذه الفئة من المجتمع ” التي ” لها حقوق وواجبات بموجب المواطنة..” ومن ثم “فإن كل القطاعات معنية بهذا الأمر”.
وارتباطا برهان “الترجمة الواقعية ” للقرار المتمخض عن المجلس الحكومي للخامس عشر من مارس 2018، طالب بيان إحدى مجموعات المكفوفين المعطلين ، بضرورة “إلزام كل القطاعات المعنية بالمشاركة وتوفير المناصب الكافية لتنظيم هذه المباراة” ، عوض ترك المسألة مرهونة ب “الرغبة ” فقط ، وذلك في أفق” تمكين هؤلاء من حقهم في العيش الكريم ” و” رد الاعتبار لفئة طالما انتظرت الحلول الناجعة” لقضيتها .
فئة لا يترقب ” المنتمون ” إليها سوى منحهم فرصة لتأكيد ذواتهم و”تفجير ” طاقاتهم ” الثرية التي تخول لهم “الإدماج الإيجابي” داخل مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية ، بكل جدارة واستحقاق ، بعيدا عن أية مقاربة إحسانية تقوم على” الرؤية الإشفاقية ” الصرفة ، والتي تنظر إلى “الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ” باعتبار أنه يعاني “من عائق يحول دون تحقيق الذات داخل المجتمع”.
رؤية متجاوزة ، بالتأكيد ، كما أثبت ذلك الحصاد الاستثنائي للمشاركة المغربية في منافسات الألعاب الأولمبية الموازية “البارالمبية “، التي احتضنتها العاصمة البريطانية لندن ، بين 29 غشت و 9 شتنبر 2012 – على سبيل المثال لا الحصر – حيث حطم ممثلو الراية المغربية، إناثا وذكورا ، أرقاما قياسية بالجملة أبهرت كبار خبراء الرياضة العالمية ، مؤكدين قدرتهم على تحدي “إعاقتهم ” وتخطي صعاب معيشهم اليومي غير الملائم لصقل مواهبهم الفطرية، وذلك من أجل غاية سامية، وفق تصريحاتهم آنذاك ، تتمثل في ” رؤية العلم الوطني يرفرف خفاقا عاليا ، وإسعاد ملايين المغاربة داخل الوطن وخارجه “. تألق لم تستطع إليه سبيلا مشاركات العديد من “الأصحاء ” – في الملتقيات الأولمبية وغيرها – المتعاقبة ، رغم الميزانيات الضخمة المرصودة ل “الاستعداد الجيد ” و”ضمانات الإدماج ” في الحياة العملية بعد بلوغ سن “الاعتزال الرياضي ” ؟
وحتى تشكل “مباراة” الإدماج ، المشار إليها أعلاه ، فرصة حقيقية لاستعادة ذوي الاحتياجات الخاصة الأمل في المستقبل ، والتخلص من “مخالب” التفكير التشاؤمي ذي العواقب الوخيمة ، يبقى مأمولا أن يشكل “اليوم الوطني للمعاق” ، الذي يتم الاحتفاء به يوم 30 مارس من كل سنة، مناسبة لإنصاف هذه الفئة من المجتمع، عمليا و تجسيدا على أرض الواقع ، لا فقط على مستوى “النصوص القانونية” ، ذات الصلة ، “طبقا للالتزامات المرتبطة بمصادقة المغرب على المعاهدة الدولية للأشخاص المعاقين والبروتوكول الاختياري” . إنصاف سبق أن تساءل بشأنه خطاب ملكي، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، يوم الجمعة 8 جمادى الأولى 1420 الموافق 20 غشت 1999: ” كيف يدرك تكافؤ الفرص وإتاحتها للجميع إذا كان المعوقون جسديا يهمشون ويبعدون عن الميادين التي هم لها مكونون ومستعدون، في حين أن الإسلام – وهو دين التكافل والتكامل – يدعو إلى الاهتمام بالمستضعفين ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع، والأخذ بيدهم، ليكونوا أعضاء فيه عاملين ومنتجين ” ؟.

الكاتب : حميد بنواحمان - بتاريخ : 27/03/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *