التعليم الأولي أساس بناء المدرسة المغربية الجديدة

أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رأيا في موضوع «التعليم الأولي أساس بناء المدرسة المغربية الجديدة» ويتوخى المجلس من خلال هذا الرأي، تقديم توصيات من شأنها التعميم  الإلزامي والتدريجي لتعليم أولي مجاني وذي جودة، أساسه منظور تربوي مُجدِّد، يجعل الأطفال فاعلين في الأنشطة التربوية والتعلُّمية.  كما ييسر لهم المتابعة الناجحة لمسارهم الدراسي على نحو منصف وبفرص متكافئة. هذا الرأي يندرج في إطار تعميق الدراسة والبحث في بعض القضايا الأفقية المتضمنة في الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030.مهد للرأي بتقديم الإطار العام للرأي والمرتكزات المعتمد عليها لإصدار الرأي.

الإشكالية
ينــدرج التعليــم الأولي ضمــن حــق كل طفــل فــي تربيــة مبكــرة تُ عــده لمواطنــة كاملــة وتعليــم ناجــح. غيــر أن الواقــع الحالــي لهــذا الطــور يكشــف عــن عوائــق متعــددة تهــم التعميــم والإنصاف والنمــوذج البيداغوجــي والجــودة والحكامــة والتمويــل. عوائــق مــن أبــرز تجلياتهــا التفاوتــات القائمــة بيــن الوســطين الحضــري والقروي، وبين المؤسســات نفســها، وبيــن الإناث والذكــور، بمــا فــي ذلــك الأطفال فــي وضعيــة صعبــة ومهمشــة، ممــا يــؤدي إلــى إقصــاء أعــداد جــد مهمــة مــن الأطفال الصغــار مــن هــذه التربيــة، ويُخــل بمبــدأ تكافــؤ الفــرص والإنصاف والحــق فــي الولوجيــة للجميــع.

الهدف العام
وضــع منظــور إصلاحــي شــامل، بقطائــع نوعيــة، يضمــن ولــوج كافــة الأطفال المتراوحــة أعمارهــم بيــن أربــع ســنوات إلــى حــدود اســتيفاء الســنة الخامســة مــن العمــر، دون أي تمييــز، إلــى التعليــم الأولي، عصــري وذي جــودة وجــذاب، وذلــك فــي أفــق العشــر ســنوات المقبلــة.
وتمكيــن الطفــل مــن ولــوج الطــور الابتدائي وهــو يمتلــك كافــة الشــروط المؤهلــة للإدماج والنجــاح.

اعتبارات أساسية
/1 التربيــة مســألة سياســية ومجتمعيــة، واســتراتيجية رئيســية تهــم مســتقبل المغــرب، وليســت مجــرد مشــكلة تجــد حلهــا فــي سياســة عموميــة؛ فهــي قضيــة ســيادة تتعالــى علــى الإيديولوجيــات وتغييــر الظرفيــات السياســية. كمــا أنهــا تمتــد فــي الزمــن، وفــق ســيرورة مســتدامة تجعلهــا موضــوع تفكيــر دائــم؛
2/ التربيــة فضــاء للحيــاة، والمعرفــة والإنســية، ورافعــة للتنميــة، وموجــه للديموقراطيــة ودلالة علــى الكرامــة الإنسانية. وهــي فــي نفــس الوقــت حــق مــن حقــوق الإنسان والطفــل، وواجــب علــى الدولــة والأسرة، تســتوجب إقــرار تعميمهــا لتحقيــق إلزاميتهــا ضمانــا لتكافــؤ الفــرص والمســاواة. وكونهــا حــق شــامل ومترابــط وغيــر قابــل للتجزيــئ، فان تفعيلــه يرتبــط بفعاليــة الحقــوق الأخرى الاقتصادية والاجتماعية العادلــة؛
/3 الدســتور، والالتزامات الدوليــة، والخطــب الملكيــة التــي دعــت إلــى ضمــان تكافــؤ الفــرص ومبــدأ عــدم التمييــز، بالعمــل علــى دمــج كافــة الأطفال فــي النســيج الاجتماعي ولاسيما الإناث، والمحروميــن، والمنقطعيــن عــن الدراســة، ومــن هــم فــي وضعيــة خاصــة، وأطفــال المناطــق القرويــة، بمــا فــي ذلــك باقــي الفئــات مــن المجتمــع الذيــن هــم فــي ســن التمــدرس ولــم يلجــوا المدرســة بعــد؛
/4 البلــدان التــي اســتطاعت تعميــم التعليــم الأولي، وفــق مســتلزمات الجــودة والإنصاف وتكافــؤ الفــرص علــى كافــة الأطفال، تمكنــت مــن بنــاء منظومــة تعليميــة ناجعــة ونمــوذج تنمــوي تنافســي؛
/5 التعليــم الأولي عمــاد لتحســين الثــروة البشــرية الوطنيــة وخيــار لا محيــد عنــه لتقويــة ُســبل النجــاح الدراســي، والارتقاء بالمردوديــة الداخليــة للمنظومــة التربويــة والتكوينيــة؛
/6 ليســت المؤسســة التربويــة مجــرد فضــاء للتعلــم فحســب، بــل أيضــا فضــاء حيــاة وصقــل قــدرات وتطويــر مهــارات لتلبيــة حاجــات الطفــل، وعلى أساسها: الحاجات الحسية-الحركية، الحماية والأمن، المحبــة والتنشــئة، وتحقيــق الــذات. إنهــا تقــوم علــى احتــرام إيقاعــات الطفــل وتطــور إدراكاتــه العقليــة لصقلها وتقويتها، ولتمكينه من نســج علاقات متناغمــة مــع الآخرين، لبنــاء أفضــل لشــخصيته ولعطائــه فــي المســتقبل مــن أجــل إعــداده للمدرســة وللحيــاة المواطنــة.

الواقــع الحالــي للتعليــم األولــي : عناصر تشخيصية
عــدم التــزام الدولــة بتطبيــق توصيــات الميثــاق الوطنــي للتربيــة والتكويــن ولاسيما تعميــم التعليــم؛
انعــدام منظــور تربــوي شــامل ومُجــدد خــاص بالتعليــم الأولي؛
غياب إطار قانوني موحد وشامل؛
قطاع بمتدخلين متعددين؛
مجهــود فــي التعميــم يعانــي مــن تطــور متذبــذب فــي توســيعه. يســتقبل التعليــم الأولي مــا يناهــز 658789 طفلا فــي مختلــف المؤسســات. ويشــمل هــذا العــدد مــن هــم فــي ســن أقــل مــن أربــع ســنوات ومــن هــم فــي ســن أكثــر مــن خمســة، وفــي الفئــة المتراوحــة أعمارهــم بيــن 4و5 ســنوات، هنــاك 588040 طفلا، مــن بيــن 1342385 علــى الصعيــد الوطنــي، أي بنســبة % 8،43 طفلا فقــط يرتــادون حاليــا مؤسســات التعليــم الأولي.
تفــاوت فــي الولــوج وفــرص لامتكافئــة فــي مواصلــة التمــدرس؛
نقــص كبيــر فــي المؤسســات القــادرة علــى احتضــان الأطفال فــي الســنوات الأولى مــن عمرهــم؛
تضــارب وتبايــن البرامــج والطرائــق المتبعــة، تربويــا وإداريا، بحســب المؤسســات والجهــات الراعيــة؛
غيــاب تأطيــر وتقنيــن مؤسســات التعليــم الأولي وفضــاءات اســتقبال الأطفال؛
غياب المراقبة والضبط التربويين؛
عــدم تكافــؤ الفــرص بيــن المجاليــن الحضــري والقــروي، وبيــن الذكــور والإناث، وكــذا بيــن المؤسســات العاملــة فــي الميــدان؛
غيــاب تكويــن المربيــات والمربيــن، وهزالــة أجورهــم وانعــكاس ذلــك علــى مردوديتهــم؛
ضعــف تكويــن المــوارد البشــرية العاملــة وعــدم اســتقرارها المهنــي؛
طغيــان هاجــس الربــح فــي أوســاط العديــد مــن المســتثمرين فــي هــذا المجــال؛

غيــاب نظــام أساس للأطر العاملــة فــي هــذا الطــور التربــوي؛
ضعــف جــودة الخدمــات المقدمــة فــي أكثــر المؤسســات العاملــة بالتعليــم الأولي؛

تمويل غير منظم للقطاع (عشوائي)
توصيــات مــن أجــل تعميــم تعليــم أولــي لبناء أســاس المدرســة المغربيــة الجديدة
يوصــي الــرأي بتعميــم إلزامــي ومتــدرج لتعليــم أولــي مجانــي وذي جــودة، أساســه منظــور تربــوي ُمِّجــدد، وينبنــي علــى ثلاث مكونــات رئيســة: مؤسســاتية، وبيداغوجيــة، وتنظيميــة. تعليــم أولــي جوهــره تربيــة قبــل مدرســية تجعــل الطفــل فاعلا فــي الأنشطة التربويــة والتعلُّمية وليــس مجــرد مســتهلك لهــا. يركــز فيــه المربي(ة)مجهــود عملــه علــى الجوانــب الأساسية الثلاثة التاليــة: التربيــة، والتنشــئة، والوقايــة. يســتلزم تطبيــق هــذا المنظــور إحــداث قطائــع نوعيــة، علــى أن يتــم اســتكمالها كليــة فــي أفــق العشــر ســنوات المقبلــة.

يتضمــن الــرأي تســعة وثالثيــن توصيــة، نجمــل موجهاتهــا الأساسية فــي ما يلي
/1 توحيــد التســمية، بجعــل هــذا الطــور التربــوي قائمــا علــى منظــورُ مَجــدد، موحــد ومنســجم وعصــري للتعليــم الأولي، لــدى كافــة المتدخليــن، علــى خلاف التصنيــف الحالــي: تعليــم أولــي تقليــدي؛ تعليــم أولــي عصــري؛ تعليــم أولــي عمومــي؛
/2 إلزاميــة التعليــم الأولي فــي أفــق تعميمــه فــي العشــر ســنوات القادمــة؛
/3 مراجعــة شــاملة للنصــوص القانونيــة والتنظيميــة الحاليــة بجعلهــا تتلاءم مــع المنظــور التربــوي المُجــدد؛
/4 ربــط التعليــم الأولي بالتعليــم الابتدائي فــي إطــار ســيرورة تربويــة متكاملــة؛
/5 اعتمــاد منظــور تربــوي ُمَجــدد ومتكامــل، مبنــي علــى أرضيــة علميــة، يتجســد فعليــا فــي: الغايــات، الأهداف، مجالات التخصــص، مهننــة التكويــن، البرامــج والمنهــاج والوســائط، اللغــة، التربيــة الأسرية؛
/6 وضــع ُســلم معيــاري مبنــي علــى منظــور تربــوي لضمــان الجــودة؛

/7 وحــدة الإشراف، بإطــار مؤسســي قائــم علــى الحكامــة الجيــدة، يتمحــور حــول المصلحــة الفضلــى مــن أجــل الطفــل فــي مرحلــة التعليم الأولي؛
/8 تمويــل التعليــم الأولي اســتثمار ذو مردوديــة عاليــة، شــخصية واجتماعيــة واقتصاديــة، وليــس مجــرد كلفــة، وهــو بحاجــة إلــى مــوارد ماليــة كافيــة.
بناء على ذلك، فإن :
الاستثمار فــي التربيــة، وفــي الطفولــة الصغــرى بالدرجــة الأولى، هــو الأكثر «مردوديــة» للمجتمــع، والأهم فــي تقليــص هــدر المنظومــة، مــن أجــل إعــداد مواطــن الغــد علــى نحــو يمكنــه مــن الاندماج التــام فــي كافــة مناحــي الحيــاة؛

التعليم الأولي، ورش واســع لا يمكن كســب رهاناتــه إلا بــإرادة سياســية حازمــة تحــرص علــى تطويــر منظــور شــمولي للطفولــة الصغــرى، وقــادرة علــى إبــراز عزمهــا الأكيد لتفعيــل المنظــور التربــوي المُجــدد الــذي يشــكل عمــاد مشــروع الــرأي، وضمــان توفيــر تمويــل مالــي لــه، كاف ومســتدام؛
التعليــم الأولي، ورش وطنــي بحاجــة إلــى التــزام حقيقــي للجميــع، وإلــى تفعيــل جــاد لمنظــوره فــي شــموليته، وإلــى تعبئــة المــوارد اللازمة، إذا مــا أردنــا تحقيقــا فعليــا لتكافــؤ الفــرص لكافــة الأطفال والنهــوض بأجيــال الغــد، والارتقاء الفــردي والمجتمعــي بالمواطــن المغربــي فــي مجمــوع ربــوع المملكــة.


الكاتب : إعداد: ذ /محمد المرابيطي

  

بتاريخ : 28/03/2018