المغرب والجزائر.. الحرب أولها كلام 2/2

عبد الحميد جماهري

رابعا، الانتقال المغربي من قبول الاستفتاء إلى تقديم مقترح الحكم الذاتي، والذي يعد مخرجا من وضع الاستحالة التي وجد فيه الملف بعد فشل محاولة تنظيم الاستفتاء، وعدم اتفاق الأطراف المعنية بالنزاع على جدوله، والمشاركين فيه، وأدوات ترتيبه، غير أن الحكم الذاتي الذي وصفته الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالمقترح الجدي وذي المصداقية مازال يتعرّض لمحاولة التجاوز من البوليساريو وداعمها الديبلوماسي، والسير نحو المبدأ العام لتقرير المصير. ويعتبر المغرب أنه ليس المسؤول عن فشل الاستفتاء، بل الأمم المتحدة، باعتبار أن إعلان استحالة تنظيمه جاء في تقارير المبعوث الشخصي للأمين العام، بيتر فالسوم وقبله جيمس بيكر ومن جاء بعده، إضافة إلى قناعة أمناء عامين باستحالة تنظيمه، غير أن هذا السجل السلمي الذي بدا أنه يشكل الأساس المهيكل للسلوك الديبلوماسي في المنطقة يواجه تحولا أخطر على مستوى الأرض، وكذلك في معادلات الصراع.
خامسا، نص اتفاق وقف إطلاق النار في الصحراء على وجود مناطق عازلة وأخرى ذات قيود محددة، شرق الجدار الأمني وغربه. ولطالما أعلنت جبهة بوليساريو أنها أراضٍ محرّرة، على الرغم من أنه لا وجود لتعبير مثل هذا في قرار وقف إطلاق النار، ولا في وثائق الأمم المتحدة. وفي السنة التي نحن بصددها، أعلنت أنها ستنقل مؤسسات عديدة لها إلى هذه المناطق، وهو ما أعلن المغرب رفضه، ودعا إلى تحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤوليته في تطبيق وقف إطلاق النار. والعنصر الجديد في قضية تيفاريتي وتحركات البوليساريو هو السعي إلى إيجاد “بنية” دولة مهما صغرت لإتمام ثلاثية الشرط الضروري دوليا لإعلان الدولة التي تم إطلاق وجودها الدبلوماسي والعسكري، قبل وجودها الفعلي القانوني، أي أن الجبهة أعلنت دولة بدون وجود لا أرض ولا دولة ولا شعب. الجديد هو رد المغرب، فهي المرة الأولى التي ترد فيه كلمة حرب في تعبير ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة. ومنذ وقف إطلاق النار، أي قرابة 27 سنة، لم ترد في أية مراسلة مغربية رسمية عبارة تفيد عودة شبح الحرب، فبعد أن ذكر، في رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي، قال السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال إن “العديد من العناصر المسلحة للبوليساريو دخلت هذه المنطقة على متن مركبات عسكرية ونصبت الخيام، وحفرت خندقا، وأقامت سواتر بأكياس من الرمل”، وإن “المغرب لن يقف مكتوف الأيدي أمام تدهور الوضع على الأرض”. وإن تحريك أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية أو أيا كانت طبيعتها، لجبهة بوليساريو، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء المغربية، تشكل “عملا مؤديا إلى الحرب.” وأضاف إن
“المغرب طالب ويطالب دوما بأن تشارك الجزائر في المسلسل السياسي، وأن تتحمل المسؤولية الكاملة في البحث عن الحل”، مشدّدا على أنه في وسع الجزائر “أن تلعب دورا على قدر مسؤوليتها في نشأة هذا النزاع الإقليمي وتطوره”. وتريد الجزائر التي تعد المشارك الرسمي في الحرب الدبلوماسية أن تقدم نفسها مهتما مراقبا، وهو ما رفضه المغرب في ثلاث مناسبات على الأقل.
قد لا يكون الوضع الدولي، والعواصم الدولية مستعدة للتسليم بقرار الحرب في المنطقة، وليس من مصلحة القوى العظمى فتح جبهة غربية للتفكك العربي الواسع، غير أن نخبة مغربية، سياسية وإعلامية، وفي مراكز القرار، لا تخفي تخوفها من تغير معطيات التوازن الداخلي في النظام الجزائري الجار، فالجميع يتفق على تحليل يفيد بأن “ورقة الصحراء حاسمة في منح الشرعية السياسية” لدى نخبة الدولة الجارة. ويذكّر أصحاب هذا التحليل بتطورات القضية، منذ السبعينيات، حيث إن النزاع مع المغرب كان ورقة في تأهيل النخبة التي قادت الانقلاب ضد الرئيس الأول، أحمد بن بلة، والذي كان خصومه، وفي مقدمتهم قائد الانقلاب، هواري بومدين، ينعته بالمروكي (المغربي)، علما أنه الرئيس الذي خاض حرب الرمال، في النزاع الذي اندلع في 1963، بين البلدين قبل المسيرة الخضراء المغربية إلى الصحراء بعقد.
وقد يغري التنافس الإقليمي بالحسم العسكري، لاسيما مع تزايد التموقع المغربي داخل أفريقيا التي كانت ساحة فارغة مؤسساتيا، ومع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بل نزوعه إلى اختراق عواصم ودول كانت تعتبر من العواصم الكبرى في دعم جبهة البوليساريو والمحور الجزائري. وبالنسبة لمحللين مغاربة كثيرين، فإن النزاع قد يتطور لأسباب داخلية مرتبطة بهندسة الدولة الجارة، مع وجود محيط إقليمي، يشجع على النزعة العسكرية، لاسيما عندما يكون الطابع الخاص بالدولة يمتح من العسكرتارية.
خلاصة القول إن هناك ثوابت تدعو إلى السلام، وهناك أيضا تغيرات على الأرض، قد تسعفها تطوراتٌ إقليمية، كما أن هناك تطوراً في القاموس، والحرب أولها كلام.
عن «العربي الجديد»

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/04/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *