ندوة الفيدرالية الديمقراطية للشغل بأكادير حول أسئلة الراهن الاجتماعي بالمغرب

شكلت الندوة الوطنية التي نظمتها الفيدرالية الديمقراطية للشغل بمدينة أكادير،يوم الإحد 15 أبريل2018،حدثا اجتماعيا بامتياز،نظرا لعمق التشخيص والتحليل لإشكالية العمل النقابي عموما وراهنية المطالب الإجتماعية خاصة، والمعيقات المختلفة التي تحول دون تحقيقها من أبرزها تعثر الحوار الاجتماعي بين النقابات المركزية وبين الحكومة خاصة في ولايتها السابقة ، وانتظارات المرحلة الراهنة.

وقد أثار المتدخلون عدة إشكالات كبرى منها ما يتعلق أساسا بسوسيولوجيا العمل النقابي بالمغرب، وما يتعلق بأفاق العمل ضمن التغيرات والتحولات المجتمعية ببروز ثقافات وقيم أخرى غير تلك التي تربت عليها الأجيال السابقة.وما يتعلق أيضا بالتراجع عن المكتسبات السابقة مما خلق حالة من القلق الاجتماعي لدى الشغيلة،وما يتعلق بالآفاق حيال هذه التحولات المجتمعية التي أفرزت حراكا اجتماعيا غير مؤطر نقابيا وسياسيا.
وهكذا أبرز عبد الحميد الفاتيحي الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل حساسية الوضع الاجتماعي بعدما اختارتشخيصا دقيقا لنقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق» بالوضع النقابي المغربي الحالي المتشرذم والمتحكم فيه أحيانا»، والثانية «براهن الوضع الإجتماعي وما يخلفه من بوادر القلق والخيبة على جميع المستويات بُعيد ما سمي بالربيع العربي».
وقال الفاتيحي في الندوة الوطنية التي عرفت حضورا مهما من النقابيين بمختلف الأجهزة النقابية والمنخرطين بجهة سوس ماسة: «إن التعبيرات الإحتجاجية الأخيرة غيرالمؤطرة نقابيا وسياسيا تكشف عن تقصير وتهميش وقلق اجتماعي تسببت فيه الحكومة السابقة.. وهو قلق مستمر ، مما يبين بالملموس أن هناك نقائص في المؤسسات السياسية والنقابية،وفي الطيف المجتمعي ، بحيث لم تجد المؤسسات السياسية حلا لتصريفه في قنوات أخرى غير قنوات الإحتجاجات».
وبيّن بالتشخيص الدقيق أن «القلق الإجتماعي مصدره مجموعة من الأشياء من بينها غموض في هوية الدولة على المستوى الإقتصادي هل دولة ليبرالية أم حارسة أم متدخلة في عدة مجالات تنموية واقتصادية؟».ووضح ذلك بكون الدستوري « ينص على النهج الليبرالي لكن في الممارسة يتضح أن الحكومة في سياساتها العمومية تنهج شيئا آخر،غير الإصلاح الحقيقي الذي ينشده المواطن المغربي المسحوق، وبالتالي فالإصلاح الذي تنادي به الدولة متعثر للغاية لأنه لايهدف إلى تحقيق العيش الكريم للمواطن ولا يوفرله سكنا لائقا ولا صحة جيدة..والدليل على ذلك هي تلك التعبيرات الإحتجاجية التي تبرز هنا وهناك بمختلف مناطق المغرب،خاصة أن الإصلاح التي تعتمده الحكومة الحالية سيرا على نهج سابقتها، يستمد تصوراته من الإملاءات الخارجية من المؤسسات النقدية الدولية والأسواق العالمية».
وأعطى الفاتيحي مثالا بإصلاح صندوق المقاصة «الذي يبين بالملموس كيف أن الدولة رفعت الدعم عن الغاز والمحروقات بدون أن تفكر في المواطن البسيط الذي يعاني من التهاب الأسعاربسبب الزيادة في الغاز والمحروقات».
«فصحيح أن رفع الدعم،يضيف،ساهم في التخفيف من ميزانية العجز،لكن ساهم أيضا في الضغط على المواطن لأنه هو الذي يؤدي في النهاية فاتورة الزيادة في الغاز والمحروقات من خلال الزيادة في سعر النقل ثم بعد ذلك في سعرالمواد الإستهلاكية».
كما انتقد مشروع إصلاح الحكومة السابقة لنظام المعاشات الذي تحمل فيه المواطن عبءا كبيرا،»حيث أقرت الحكومة بالزيادة في سن التقاعد لكن في المقابل تم النقص من المعاشات ،بل أكثرمن ذلك فهذا الصندوق مهدد في المستقبل نظرا لسياسة التقليص من الوظيفة العمومية ونهج سياسة التعاقد في القطاع العام والخاص».
وقال الفاتيحي: «على الدولة أن تعيد النظر في المواد المدعمة وتعطي بدائل للفئات الفقيرة المستفيدة من هذا الدعم،وأن تنهج إصلاحا شموليا يقضي بالمساواة في التقاعد بين القطاعين العام والخاص ويعمل على توحيد أجور المعاشات.وأن تعمل أيضا على جعل الإنتخابات المقبلة تتحكم فيها الإختيارات السياسية بعيدا عن سلطة المال والأعيان لأن المواطن المغربي ملّ من التصويت على انتخابات لا يجد فيها اختيارات واضحة وبرامج حقيقية وذات مصداقية.كما على الحكومة أن تقوم بتنزيل القوانين المنظمة لمقتضيات دستور 2011،بما في ذلك القانون التنظيمي للأمازيغية،وإعمال الشفافية في إسناد المناصب العليا وإلا كيف تفسرالحكومة إسناد 800 منصب عال في الإدارة للموالين للحزب الذي يقود الأغلبية الحالية» ؟.
وعن الشق النقابي ،أكد الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل،على أن « الحوار الإجتماعي المرتقب لا ينبغي أن يكون الهدف منه فقط هو الزيادة في الأجور،والترقي وتحسين صورة الدولة.بل يجب أن يتمخض عنه وضع إطار ديمقراطي لتدارس كل الخلافات و الإختلافات،والإنصات للنقابات،ووضع إطار للتعاقدات بين الحكومة والمركزيات النقابية لأن هذه المسألة تعثرت للأسف في عهد الحكومة السابقة التي لم تشهد أي تعاقد من هذا النوع خلافا للحكومات التي سبقتها. كما أنه ومنذ تولي بنكيران زمام تسيير الشأن العام الحكومي،في 2011،أضحت القدرة الشرائية للمواطن في تراجع نتيجة الزيادة الصاروخية في المواد الإستهلاكية بسبب رفع الدعم عنها في ظل إصلاح صندوق المقاصة».
وختم الفاتيحي مداخلته بقوله: «نحن في حاجة ماسة اليوم إلى مقاربة جديدة للخروج من الأزمات التي عرفها القطاع العام والخاص،وشهدت تراجع نسبة تنقيب العمال والعاملات والموظفين بحيث تراجعت نسبة الإنخراطات في صفوف النقابات بسبب الإنتكاسات التي عرفها الوضع الإجتماعي في ظل محاربة العمل النقابي والتضييق عليه».
من جهة أخرى تناول الدكتورالخاطر الشرقي الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط ،موضوع الندوة من الزاوية السوسيولوجية، حيث ربط العمل النقابي بالتحولات المجتمعية وبتحديد الممارسات النقابية في استقلاليتها عن العمل السياسي.
وطرح مجموعة من الأسئلة الشائكة تتعلق أساسا بالاختلالات البنيوية التي تعاني منها النقابات ،وأخرى تتعلق بوضعية العمل النقابي بالمغرب من قبيل ما إذا كانت أزمة العمل النقابي مرتبطة بعمل سياسي تقليدي وبتراكمات قديمة أم مرتبطة بتحول مجتمعي وبتحول أجيال؟
أمين مال الفيدرالية الديمقراطية للشغل عبد الرحيم لعبايد ،ذكر، من جهته ، “ أن مغرب الغد مقبل على تغيرات اجتماعية عميقة طالما نبه إليها اساتذة علم الاحتماع منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي،أمثال محمد جسوس حين تحدث عن “سياسة تضبيع المجتمع المغربي”.
وقال من يريد أن يعرف الوضع الإجتماعي الراهن عليه أن يرجع إلى الإحصائيات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط والتي أكدها وزير الشباب والرياضة في آخر اجتماع حكومي بكون نسبة المغاربة ما بين 15 و35 سنة تصل إلى 34 في المائة من ساكنة المغرب.وهذه النسبة تعطينا حوالي 11،7 مليون نسمة منها 51 في المئة من النساء. ليطرح السؤال حاليا هل يمكن أن نتردد اليوم في المناصفة مع أن مغرب الغد ستشكل فيه النساء نسبة كبيرة قد تفوق الذكور؟.كما أن نسبة ساكنة المجال الحضري حاليا تشكل 60 في المائة وغدا ستصل إلى 70 في المائة. ليبقى السؤال ماذا اعددنا لهذا التحول المجتمعي في أفق 2025؟.
واختارحفيظ أكلكال عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، الحديث عن الجدلية بين العمل السياسي والعمل النقابي،بحيث قدم نبذة تاريخية عن ذلك بداية من الإضراب الوطني لسنة 1990،وما أعقبه من توزان سياسي بين الحكومة والمعارضة نتجت عنه مكتسبات حقوقية واجتماعية في عهد حكومة التناوب.وكان من أبرزمظاهرها مأسسة الحوارالإجتماعي والزيادة في الأجور والترقية الإستثنائية و التوظيفات لتقليص البطالة والتقليص من المديونية الخارجية والمساهمة في الإستقرار السياسي و الإجتماعي الذي عرفه المغرب في بداية الألفية الثالثة على مدى عقد من الزمان.
وأضاف أن المغرب لم يعرف احتقانات اجتماعية بحدة كبيرة كما في عهد حكومة بنكيران التي تسببت في رفع الدعم عم مواد الاستهلاك و ضرب مكاسب أنظمة التقاعد والإقتطاع من أجور المضربين في قطاعات الدولة والتقشف في الميزانيات الإجتماعية والعمل بالتعاقد وعدم الإستقرار في العمل وتحميل أعباء الضائقة الإقتصادية لقاعدة المجتمع العريضة.
وساهمت هذه الاحتقانات، يقول أكلكال، في بروز احتجاجات اجتماعية في مجموعة من مناطق المغرب نتيجة غلاء فاتورة الماء والكهرباء وانعدام فرص الشغل والزيادة في الأسعار،وغيرها من الأسباب التي كانت وراء احتجاجات الريف وجرادة..
هذا واعتبر الكاتب العام للإتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بأكادير « أخمير» ، “ أن أهمية موضوع الندوة الوطنية تكمن في تسليط الضوء على عدة إشكاليات تعيشها النقابة المغربية في نضالها من أجل تشخيص الوضع وتحديده بعد تعاظم الفوارق الطبقية، وتكدس الثروة لدى فئة قليلة من المحظوظين في مقابل اتساع دائرة المهمشين والمحرومين والمعطلين والفقراء الذين يعيشون خارج أية تغطية ولايجدون منفذا إلى الخدمات الإجتماعية».


الكاتب : عبداللطيف الكامل

  

بتاريخ : 23/04/2018