جمال الدين ناجي يسائل، في جامعة ليما (بيرو)، موروث «المدينة العربية العتيقة» مقابل»المدينة الذكية» وليدة العصر الرقمي

 
احتضنت جامعة ليما، مقر كرسي اليونسكو للعلوم والممارسة، المؤتمر العلمي السنوي للشبكة الدولية لكراسي اليونسكو الجامعية وللمنتسبين في مجال الاتصال )أوربيكوم(، وذلك من 8 إلى 10 مايو 2018 بعاصمة البيرو. وحضر هذا المؤتمر أزيد من 110 محاضر وما يقارب 930 طالبا أصغوا إليهم طوال ثلاثة أيام تخللها حوالي 40 اجتماعا عام وورشة عمل ومائدة مستديرة.
وتمحور هذا المؤتمر الذي تم تسييره بأربع لغات (الاسبانية والانجليزية والفرنسية والبرتغالية) حول «الاتصال في المدن والفضاءات العمومية»، وتحديدا «المدن الذكية». وبالموازاة مع هذا المؤتمر، عَقد الأعضاء الثلاثون للشبكة الدولية لكراسي اليونسكو الجامعية، الذين قدموا إلى ليما من كل بقاع الأرض لتمثيل 38 كرسيا لليونسكو (بالإضافة إلى 200 عضو منتسب للشبكة) اجتماعهم العام السنوي السابع «الفعلي» (بالإضافة إلى الاجتماعات العامة الانتخابية التي تنظم افتراضيا في نهاية كل سنة مند تأسيس الشبكة سنة 1994). وقد تميز هذا الجمع العام الذي سيره كل من السيد جمال الدين ناجي، مدير عام الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ورئيس الشبكة الدولية لكراسي اليونسكو الجامعية (أوربيكوم)، والأستاذ إيف ثييوري، أمين عام الشبكة (وأستاذ بجامعة كيبيك بمونتريال)، ونائبه السيد بيير جيجير (سفير سابق لكندا بإفريقيا وهايتي)، وكذا أعضاء المجلس الإداري للشبكة، بتنظيم جلسة خاصة للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة. وتمثلت هذه الجلسة في ورشة عمل شارك فيها ممثلو اليونسكو بباريس، ومن بينهم السيد غي بيرجير، مدير قسم حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام، وذلك بهدف إعداد جدول أعمال خاص بشراكة متوسطة الأجل تجمع بين الشبكة الدولية لكراسي اليونسكو الجامعية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وذلك استنادا إلى أهداف التنمية المستدامة للهيئة الأممية. وعقب هذا اللقاء، برئاسة الأستاذ ناجي، خلص جدول الأعمال ذاك إلى إدراج موضوع «حرية التعبير في العصر الرقمي» كورش مشترك بين المؤسستين في أفق 2018/2019، وكمحور لمنتدى شبكة كراسي اليونسكو (خلية تفكير المنظمة الأممية) المنتظر انعقاده العام المقبل بستراسبورغ، مقر المؤسسات المركزية للاتحاد الأوروبي (المجلس والبرلمان).
واهتمت الأشغال العلمية لمؤتمر «الاتصال في المدن والفضاءات العمومية» طيلة ثلاثة أيام بتخصصات متنوعة ساهمت في تحديد التحديات الراهنة والمستقبلية التي يعرفها مجال الاتصال في العصر الرقمي وخاصة بالمدن الذكية والأماكن العمومية بما فيها «الفضاء العمومي» بالمفهوم السياسي و ما يهم شأن الحكامة.
وخلال الجلسة الافتتاحية، قدم الدكتور أوسكار كيزادا مكيافيللو ، عميد جامعة ليما، موضوع هذه الندوة ودور العلوم في تعزيز القيم الديموقراطية، فيما أبرز السيد ناجي التحديات الكبرى التي تطرحها المدن الذكية ووسائل التواصل المتعددة في الأماكن العمومية وفي الإعلام وظواهر التقارب التي لا حدود لها. وأشار كذلك إلى بعد «الإنسية الرقمية» الذي يجب تسليط الضوء عليه في جدول السياسات العمومية التي تعمل على رسم وتصور المدن الذكية وجعلها في خدمة مواطنة تشاركية وشاملة. وقد عرف هذا المؤتمر الأول من نوعه بأمريكا اللاتينية تنظيم اجتماعات عامة وأخرى موضوعاتية وورشات عمل مختلفة تطرقت إلى عدة محاور، من بينها: الإدماج والعزل الاجتماعيين؛ مظاهر المدينة في الإعلام؛ الفضاء العمومي الافتراضي؛ السياسة والفضاء العمومي؛ المواطنة والنشطاء المدنيين، تعدد الثقافات وتلاقحها في المدينة؛ والمدينة كحكي أو سرد؛ التطرف وأوجه الانفتاح الاجتماعي الثقافي في المدينة، والوساطة الاجتماعية…
ودعا السيد ناجي، بصفته محاضرا رئيسيا للاجتماع العام الأول، المشاركين في المؤتمر الذي فاق عددهم الألف، طلابا وأساتذة وباحثين وخبراء منظمة اليونسكو والشبكة الدولية لكراسي اليونسكو الجامعية، إلى السفر عبر الزمن لمدة فاقت ساعة، وإمعان التفكير في وضع المدن العتيقة بين أمس لا زالت تحيى معالمه، ومستقبل نستحضر فيه المدن الذكية، وذلك تحت عنوان: «من المدينة العتيقة العربية إلى المدينة الذكية، رهانات المواطنة والديمقراطية وسلطة المواطنين».
وقد استهل السيد ناجي مداخلته بطرح التساؤل التالي: «هل يعِدنا العصر الرقمي، الذي يعرف قيام «حضارة» افتراضية، أو بالأحرى «حضارة رقمية»، بتطوير أدوار وخدمات مدننا القديمة، إلى جانب ما يمنحه من إمكانات وموارد هائلة للتواصل والمشاركة؟ هل ستكون «المدينة الذكية» بمثابة «مدينة قديمة متطورة»؟ لماذا ستصبح كذلك وهل ذلك ما يفترض حصوله؟ هل تلك هي رغبتنا حقا؟ ولماذا؟ ما هي نعم وخدمات وقيم المدينة القديمة التي نرغب في الحفاظ عليها، والسعي إلى مضاعفتها والسهر على تطويرها باعتماد التكنولوجيا الرقمية؟». وأكد السيد ناجي، من خلال أمثلة لتاريخ المدن العربية القديمة في كل من دمشق وبغداد والمدينة المنورة والقاهرة وقرطاج وتونس العاصمة وفاس ومراكش، على أن من المفترض أن تطرح السياسات العمومية المعنية بإطلاق وتطوير «المدن الذكية» هذه التساؤلات، دون أي حنين إلى الماضي، على المدينة العربية التي تتميز بخاصياتها المنفردة رغم أنها تذكرنا ببعض ثوابت المدينة الإغريقية الرومانية القديمة والفينيقية كذلك. وقد أطال السيد ناجي الحديث حول هذه القضية مستحضرا باستمرار النظرة المستقبلية دون إغفال شظايا الماضي: المدينة القديمة المغربية والمغاربية في معناها الواسع، من قرطاج إلى فاس… كما أضاف أن بعض الدول، مثل المغرب، تشرع في حل هذه المعادلة الهامة بالنسبة لمستقبل سياساتها العمومية المعنية بالمدينة. وفي إطار انخراط المملكة المغربية في مشروع «المدن المتصلة بالانترنيت»، استشهد السيد ناجي بمثال مدينة الدار البيضاء ومخططها 2014/2020، الذي يضم 70 مشروعا ويهدف إلى تخصيص 30 بالمائة من مساحة المدينة لوضع فضاءات خضراء وتطوير الولوج الحر إلى المعلومة «كازا أوربان داتا».
وأخيرا، أوضح السيد ناجي أن الديمقراطية هي الرهان الرئيسي الذي يجب أن تحمله كل سياسة عمومية تعنى بتنمية مدنها المستقبلية، مؤكدا أن ذلك يقتضي وضع استراتيجية تتمثل في ثلاثة أهداف مهيكلة: المواطنة الديمقراطية (وتهم سلوكيات المواطنين وأنماطهم الاستهلاكية وحاجياتهم)؛ الديمقراطية المواطنة (وتتعلق بالحكامة) فضلا عن تمتع المواطنات والمواطنين بالديمقراطية (القدرة الحقيقية لمشاركة المواطن في هيكلة مدينته وتهيئتها والسهر على حكامتها) … «يجب أن تكون للمواطن عين على مدينته وليس العكس».


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 22/05/2018