بسفح الجبل جنوب غرب الأطلس المتوسط جمعية «أمغار» بخنيفرة تفتح ملف «الزاوية الدلائية»

 

نظمت جمعية أمغار للمرة الثانية رحلة ثقافية ترفيهية لموقع الزاوية الدلائية القديمة المتواجد في سفح الجبل جنوب غرب الأطلس المتوسط، الذي ينتمي إداريا إلى الجماعة القروية أيت إسحاق (إقليم خنيفرة).تندرج هذه الزيارة في إطار الأنشطة الثقافية التي دأبت الجمعية على تنظيمها منذ تأسيسها سنة 2002 بهدف تثمين الرصيد التاريخي الغني ببلاد فزاز وأزغار، والتحسيس بضرورة إعادة الاعتبار للمواقع الأثرية بالمنطقة (الزاوية الدلائية/ أيث إديلا، إغرم أوسار، مدينة فازاز، قصبة موحى أحمو الزياني…)، وترميمها في أفق المصالحة مع الذات والهوية الأمازيغية الأصيلة.
وحرصت الجمعية على وضع برنامج متنوع وغني في إطار الزيارة الترفيهية والثقافية لموقع زاوية أيث إيدلا(الزاوية الدلائية). إذ انطلقت فعاليات برنامج الزيارة بتقديم الأستاذ والباحث المهتم بالتراث واللغة الأمازيغية ذ. علال الحاج لمداخلة علمية قيمة حول تاريخ الزاوية الدلائية، رصد من خلالها أهم المحطات التاريخية الكبرى لهذه الزاوية المرموقة التي أسست منذ سنة 1566، مبرزا الدور الديني والعلمي والسياسي الذي لعبه الدلائيون في تاريخ المغرب الحديث. وجاء في مداخلة الأستاذ علال الحاج أن الزاوية الدلائية تعتبر من أهم الزوايا التي بصمت تاريخ المغرب الحديث ، حيث لعبت أدوارا متعددة ومتداخلة على جميع المستويات ، خاصة في ميادين الدين والعلم والسياسة، ولاسيما خلال القرن السابع عشر في فترة مضطربة بين الدولتين السعدية والعلوية .
وحسب المتدخل، “فقد تأسست هذه الزاوية سنة 1566م على يد أبي بكر الدلائي الذي ينتمي إلى قبيلة مجاط احدى فروع صنهاجة الأمازيغية في منطقة أيت ادلا التي تبعد عن مركز آيت إسحاق (إقليم خنيفرة) بحوالي 15 كيلومترا، وقد كان الشيخ أبو بكر يتوفر على كل المؤهلات التي ضمنت له التفاف الناس حوله من عبادة وزهد في الدنيا، بالإضافة إلى علمه الواسع، عرفت هذه الزاوية العريقة تطورا كبيرا في عهد ابنه محمد بن أبي بكر الدلائي خاصة في الميدان الديني والعلمي.
ويمثل عهد محمد الحاج، حفيد المؤسس أبي بكر، الذي تولى شؤون الزاوية بعد وفاة أبيه سنة 1638م، فترة تاريخية متميزة في تاريخ الدلائيين، إذ تبلور لديه الوعي السياسي بضرورة تكوين دولة قوية، والانتقال من العمل الديني والعلمي الصرف إلى بناء صرح كيان سياسي قائم الذات، خاصة أن فترة حكم محمد أولحاج تزامنت مع تجزئة المغرب بسبب الصراع بين أبناء الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي بعد وفاته سنة 1603، وتزايد الأطماع الأجنبية البرتغالية والاسبانية. من ثم تمكن الدلائيون، خلال هذه المرحلة، من مد نفوذهم السياسي ليشمل وسط وشمال المغرب، وتعبئة المجتمع المغربي لمواجهة الأطماع الأجنبية. غير أن طموح الدلائيين ورغبتهم في توحيد المغرب سيتوقف مع ظهور الإمارة العلوية في منطقة تافيلالت ورغبة العلويين في التوسع في اتجاه الغرب والشمال، من هنا تمكن السلطان الرشيد العلوي من الانتصار على الدلائيين في معركة بطن الرمان.
إن الدارس لتاريخ الزاوية الدلائية ورغم شح المصادر وندرة الوثائق سيكتشف لا محالة أنها شكلت معلمة دينية وعلمية استثنائية في تلك الفترة من تاريخ المغرب المنسي، وسيتضح له بجلاء عمق تجربتها السياسية التي كادت أن تقلب مجريات تاريخ المغرب الحديث والمعاصر” .
” على المستوى الديني تعد الزاوية الدلائية صرحا دينيا كبيرا خلال عهد أبي بكر وابنه محمد حيث شكلت مركزا للعبادة والإطعام مستفيدة من شغفهم للعلوم الظاهرة وسمو الروح، وقد كانت الطريقة الشاذلية هي المعتمدة لدى الدلائيين كما بلغت شهرتها الدينية درجة كبيرة في الاحتفال بالعيد المولد النبوي الشريف حيث كان يقصدها العلماء والأدباء الأغنياء والفقراء لمشاركتهم هذه المناسبة التي تخصص للإنشاد وترديد القصائد والموشحات في مدح الرسول (ص) .
– على المستوى العلمي، تعتبر الزاوية الدلائية بمثابة مركز علمي يلتجئ إليه العلماء خلال تلك الفترة بفضل توفر شروط العلم وكرم الضيافة، ودرست فيها علوم متعددة ومتنوعة من التفسير، الحديث، التوحيد وفقه الأصول، التصوف، بالاضافة إلى المنطق والتوقيت، والمتفحص لأسماء التلاميذ الذين درسوا في الزاوية وأصبحوا فيما بعد علماء أمثال الحسن اليوسي صاحب كتاب المحاضرات ، والمقري صاحب كتاب نفح الطيب، والعربي الفاسي مؤلف مرآة المحاسن، ستتبين له بما لايدع مجالا للشك المكانة العلمية المرموقة للزاوية الدلائية .
– في المجال السياسي، وبشكل مختصر، استطاعت الزاوية الدلائية توحيد وسط وغرب وشمال المغرب حيث تم إعلان محمد الحاج سلطانا على المغرب وتمت مبايعته والتزام طاعته، وكان لبيعة علماء فاس طابع خاص لما لها من رمزية تاريخية ودينية، كما ربط الدلائيون علاقات دبلوماسية مع دول أوربية عدة أبرزها فرنسا ،هولاندا وانجلترا ،وأقاموا معها علاقات تجارية متميزة لفترة غير قصيرة،كما سكت عملة جديدة خلال فترة حكمهم،عرفت بالأقشوبية.
وبعد كل هذا الازدهار الذي عرفته الزاوية الدلائية على جميع المستويات، فإن أفول نجمها سيكون على يد السلطان رشيد العلوي الذي كان تلميذا في الزاوية نفسها، أطعم طعامها ودرس على علمائها لفترة غير مدققة تاريخيا، إذ دفعه طموحه للسلطة عدم إعارة أية أهمية لعلاقاته الرمزية بالدلائيين، إذ هزمهم في معركة شهيرة سميت ببطن الرمان سنة 1668م ، أخذ معاوله لهدم كل شبر من هذه الزاوية لطمس كل معالمها ولم يترك منها إلا ما كان مستعصيا على الهدم، مرحلا أهلها إلى فاس قبل تلمسان للتخلص بشكل نهائي منهم ومن الرمزية التي كانوا يتمتعون بها” .
وأضاف المتدخل ” إن الزائر اليوم للزاوية الدلائية سيتأكد له بالملموس، أن ذاكرة المغاربة المشتركة معرضة لشتى أنواع الإهمال والضياع ولا يعار لها أي اهتمام مما يتنافى مع المكانة التي تبوأتها هذه المعلمة، سواء من الناحية الدينية التي تفرض التوقير والاحترام خاصة أن ضريح كل من أبي بكر وابنه محمد يتواجدان بموقع الزاوية، أو من الناحية العلمية كجامعة قائمة الذات في وقتها، يجب أن يعطى بها المثل في عصرنا هذا لشحذ الهمم نحو مستقبل ينتصر فيه العلم والمعرفة لبناء مواطن متصالح مع ذاته ومنفتح على العالم المتغير باستمرار».
ثم تدخل ذ. الحجوي عبدالله، باحث متخصص في دراسة المجالات الرعي ـ زراعية، بعرض توضيحي مقتضب ركز من خلاله على إبراز التحالفات التي تبلورت بين الدلائيين والقبائل الأمازيغية الرعوية. “إذ تلاقت الأهداف السياسية للزاوية الدلائية خلال فترة حكم محمد أولحاج، التي تمثلت في تحقيق الاستقرار السياسي بالمغرب خلال القرن السابع عشر ومواجهة الأطماع الأجنبية، مع الطموح الاقتصادي للمجموعات القبلية التي كانت تسعى إلى التحكم في مجالين جغرافيين متكاملين في إطار نظام الإنتجاع، يتجلى ذلك من خلال بسط السيطرة على المجال الجبلي بالأطلس المتوسط الغربي، باعتباره يمثل المراعي الصيفية، ومد النفوذ القبلي للسيطرة على مجال أزغار (الهضبة الوسطى)، الذي يعد بمثابة المراعي الشتوية، أي البحث عن تحقيق التكامل بين الموارد الرعوية في أدرار وأزغار”.
ليتم فسح المجال أمام أسئلة المشاركين، حيث انصبت أهم التدخلات على أسباب فشل المشروع السياسي للزاوية الدلائية والظروف التاريخية التي جعلت السلطان المولى الرشيد يفلح في القضاء على الدلائيين. كما أثار المتدخلون إشكالية تهميش وطمس الدولة للمعالم الأثرية لهذه الزاوية المرموقة، وغياب مشروع متكامل لترميم المآثر التاريخية الغنية بالأطلس المتوسط.إذ تساءل المتدخلون عن أسباب غياب أية مبادرة رسمية لتثمين الرصيد التاريخي الغني ببلاد فازاز وأزغار، خاصة في ظل الموارد المالية المهمة التي تخصصها الدولة لدعم العديد من الزوايا الأقل مكانة تاريخيا وعلميا.
في السياق ذاته ، تم تنظيم مسابقة ثقافية، استهدفت تشجيع الطلبة والتلاميذ على الاهتمام بالرصيد اللغوي الأمازيغي، بتأطير من الأستاذين التجاني سعداني وعمر شكري. ليتم توزيع الجوائز على الفائزين الثلاثة الأوائل. كما تخللت أنشطة البرنامج فقرات فنية على أنغام أحيدوس إمازيغن، تغنت من خلالها الحناجر بأشعار أمازيغية مستوحاة من الرصيد المشترك الأمازيغي المستمد من قيم التسامح والانفتاح والارتباط بالأرض/ الطبيعية.
وفي ختام البرنامج تم تقديم العديد من التوصيات، من ضمنها: ـ المطالبة بإعادة الاعتبار للمآثر التاريخية ببلاد فزاز وأزغار في إطار المصالحة مع الذات وتثمين الذاكرة الجماعية ـ الحرص على الحفاظ على الأسماء الأمازيغية الأصلية للمواقع الأثرية وكل ما يتعلق بالطوبونيمية المحلية، باعتبارها تشكل رصيدا تاريخيا هاما- الدعوة إلى إعادة النظر في بعض جوانب سياسة التعريب … ـ تثمين المؤهلات التاريخية ببلاد فازاز وأزغار خدمة للسياحة الثقافية، التي من شانها إنعاش الاقتصاد المحلي …”.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 31/05/2018