المهرجان الجهوي الأول للمسرح الاحترافي: رهان المصالحة مع المسرح، ومع الذات والآخر

تعيش جهة الدارالبيضاء ـ سطات، أو البيضاء وجهتها رهان المصالحة مع المسرح، تيمة المهرجان الجهوي الأول للمسرح الاحترافي.

فبمناسبة الافتتاح الذي انطلق يوم الأحد 3 يونيو 2018، أعطىت التأشيرة ليستمر فعل المصالحة مع المسرح إلى غاية يومه الجمعة 8 يونيو 2018، بمسارح البيضاء والجهة، لينطلق، فعليا الفعل الحقيقي للمصالحة المرجوة والتطلع لمستقبل مسرحي بالجهة، الذي يستلهم روحه من التأسيس الذي ساهمت فيه أجيال مسرحية وانخرطت فيه أجيال عديدة، إذ لكل جيل اسهامه منذ الخمسينيات وصولا إلى الزمن الذهبي في السبعينيات والثمانينيات وأوائل التسعينيات، دون أن ننسى المراحل الحالية التي ساهمت بدورها، ومنها هذه المبادرة التي نوه بها الجميع، حيث ترأس حفل الافتتاح السيد والي الدار البيضاء سطات، والسيد رئيس جهة الدار البيضاءـ سطات، مما يؤشر أن هناك نية صادقة لتفعيل المصالحة مع المسرح والتي اقترحها أهل المسرح بأنفسهم من خلال «مسرح الكاف» الذي يترأسه الفنان المقتدر عاجل عبد الإله.
صرح السيد رئيس الجهة مصطفى بكوري خلال فعاليات حفل الافتتاح أن الجهة تدرك أبعاد ومتطلبات الجهوية المتقدمة التي يريد المغرب أن ينخرط فيها بكل مقوماته التاريخية والبشرية وإرثه المادي وغير المادي وضمنه، بطبيعة الحال، الفعل المسرحي باعتباره قاطرة الثقافة والفن وإعداد المواطن الجهوي الذي يتحمل مسؤوليته في تطوير الرؤية والتعاطي مع المستجدات التي تواكب تطورات العالم للاحتفاظ بالخصوصية التي تتسم بها الجهة وتلتزم في نفس الوقت بشروط الهوية المستقلة المحتفية بإرثها وتراثها، ارتباطا بالماضي وتأكيدا لأسئلة الحاضر المطلة والمشرعة على أسئلة ومنتظرات المستقبل.
لذا، فشعار هذا المشروع الذي تم الإعلان عن نجاحه منذ خطوته الأولى « المصالحة مع المسرح» تترجمه الرغبة في التطوير الفعلي وبلورة توافق تدبيري للشأن العام والمحلي، لأن المصالحة مع المسرح ليس بالمهمة السهلة ولا العمل البسيط بقدر ما هو رهان حيوي يتطلب تضافر كل مكونات وبنيات العمل الثقافي، واسهام كل الفاعلين، إذ المهرجان ليس العروض المسرحية فقط ومناقشة العروض وتوقيع الكتاب والمعرض والمبادرات الموازية للمهرجان، بل إنه تصريح بجهر من طرف أهل المسرح في الجهة بأننا هنا ولدينا رؤية وأمل للمصالحة الفعلية، وتدشين علاقة جديدة تتطلع للآتي من خلال هذه الوقفة التقييمية والتقويمية والتحاورية والتواصلية.
يعنى بالمصالحة، إذن ذاك الفعل والتطهير الذي نمارسه مع الذات والآخر، من خلال النقد الذاتي أولا، ثم من خلال المرافعة مع الآخر، إذ أن النقد الذاتي يطالب الجسم المسرحي أن يزيل عنه الأدران ويسمو بخطابه ولغته من خلال الإبداع نحو أثر مساهم في التغيير الفعلي الذي نوده ومساهم بالفعل في غرس ثقافة جديدة للتعاطي مع المشترك من مدخل تشاركي ترافعي يحقق التنمية الذاتية والاجتماعية الحقيقية المندمجة في تفاعلها وتفعيلها للتوصيات ولما لامسه المهرجان من عمق الانتظارات.
المصالحة مع الآخر تعني الأنا برؤى معاكسة، أي أن يتصالح الآخر من باقي الذوات، لأن المسرح منذ أن كان وهو اكتشاف بشري يخاطب الروح لتسمو ويخاطب الوجدان ليترقى ويخاطب الحياة لتزداد حيوية ويخاطب المرجعيات.
فعلا، هذه هي فلسفة الفكرة والبعد من الشعار، وتصريح ضمني تقول به اللجنة المنظمة للمشروع، كفانا تشتتا وذاتية وأنانية وشوفينية ومصلحية، تم كفانا صراعا مع بعضنا البعض، سيما وقد تجلى ذاك على مستوى الإبداع الذي هو جنس له علاقه جدلية مع منتجه، وعلينا أن نصالح الجمهور مع المسرح وهذا سؤال مركزي لامسه المهرجان وتم التحاور في شأنه، من خلال سؤال أين الجمهور؟ كيف يمكن أن نعيد الجمهور إلى مقاعد المسرح وفرجته ورسالته ومتنفسه؟ وهل من الممكن أن نصل إلى تأسيس أو بالأحرى إحياء تقليد الذهاب المسرح والاحتفاء بالذات والإبداع والفن والثقافة، هذه المهمة هل تندرج ضمن مهام الفرقة أم الإدارة الفنية للفضاءات الثقافية الحالية، أم مهمة المؤسسات التعليمية، أم مهمة المعاهد التكوينية الحالية والمستقبلية على مستوى الجهة؟ …..
هي أسئلة قبض عليها المهرجان وصرحت اللجنة المنظمة في شأنها أن المهرجان منذ الآن بدأ يفكر في خطة التدبير والنظر إلى محور الدورة الثانية من المهرجان، ومن ضمن الأفكار المركزية، خلق ندوات محورية خلال السنة بتيمات مختلفة من ضمنها المسرح والجمهور، تاريخ التقليد المسرحي بالبيضاء والجهة تجارب وأفعل وتفاعل، الجهوية والمسرح، الاسهام الفعلي للثقافة والفنون في المشروع التنموي، إسهام المسرح في إعداد المواطن الجهوي، نحو رصد الذاكرة للمكونات الثقافية والفنية للجهة وتوظيف معطياتها كمشاريع مندمجة في تصور الإقلاع بالجهة ككل بإسهام الجميع كل من موقعه….
أثيرت عدة أسئلة واشكاليات عن هذا الحضور الموضوعاتي المتعدد في المهرجان الجهوي الأول للمسرح الاحترافي، كما طرحت تطلعات ومنتظرات: أيننا الآن من التلقي؟ هل للحضور الثقافي مقصدية وضرورة في المجتمع؟ وعموما ماهي علاقة الفعل الثقافي بالتنمية وبمشروع الجهوية الموسعة والمتقدمة ككل؟ وهل فعلا وصلنا إلى مرحلة تنزيل معطيات الرسالة الملكية التي بعثها المرحوم الحسن الثاني إلى المناظرة الوطنية الأولى للمسرح الاحترافي في 15 ماي 1992، والتي أعلن فيها جلالته وأوصى بتأسيس فرقتين مسرحيتين في كل جهة.
وعليه نطرح بدورنا السؤال من خلال هذا التحريك والمبادرة: هل من الممكن أن نتغير؟ فعلا من الممكن أن نتغير ونتطور شريطة أن نتصالح مع المسرح مصالحة فعلية تلغي الأنا والأنانية وصراع الأجيال المصطنع، الذي ارجعنا إلى الوراء حتى أخلفنا موعدا مع التاريخ في أكثر من مناسبة، هي مطالب ومتطلبات كبيرة، فهل من الممكن أن تتحقق، وإن كان ممكنا، فكيف، ومع من؟ا السؤال بين يدي كل من يعنيه الأمر مبدعي ومسرحيي ومسؤولي جهة الدار البيضاءـ سطات.
تأتي المصالحة مع المسرح إذن، كمرافعة يقودها هذا المهرجان من خلال عروضه المسرحية 16 داخل المسابقة وخارجها على مستوى مسارح البيضاء وجهتها في كل من مسرح الحي المحمدي والمركب الثقافي ثريا السقاط، ومسرح عين السبع ومسرح سينما ريالطو، وعلى مستوى مسارح وفضاءات الثقافة ببنسليمان والمحمدية والجديدة وبرشيد والسطات، بحضور لجنة تقييم وتواصل وقبلها لجنة الانتقاء وبتنشيط مناقشات في الإبداع والرؤى وربطها بمتطلبات الجمهور، مع استحضار الكتاب الإبداعي وتحاور نخبة من المهتمين والباحثين والمبدعين، تم ورشة التكوين المسرحي كإطلالة يقال بها أن الإبداع يعتمد فعل السيرورة التي تتطلب التكوين وإعادة التكوين والتكوين المستمر، مع فسحة في ضيافة اللوحة والكاريكاتير يتواصل مع المتلقي بالمدرسة العليا للفنون الجميلة للدار البيضاء وهو بعد جمالي يرسل فحوى مفاده أننا نطالب بالجمال نحو الترقي بالذوق والاستجابة للذائقة، ثم الاحتفاء بمبدعينا وروادنا في لحظة اعتراف وامتنان التي نقول بها إننا كجسم مسرحي بخير إذا ما أعلنا التصالح مع المسرح، والقطيعة من المخاصمة وللإشارة فقد كانت البادرة جميلة من خلال لحظة الاعتراف والامتنان وتكريم رائد من رواد المسرح بالبيضاء والجهة والوطن ككل الأستاذ عبد الرزاق البدوي ومن خلاله تجربة مسرح البدوي الرائدة والمؤسسة والمستمرة في الزمان والمكان.


الكاتب : أحمد طنيش

  

بتاريخ : 08/06/2018