جوارب حارقة للأعصاب

أكره تجارة الجوارب، ليس لأنها تتطلب مني مساحة كبيرة على بساطة الرصيف، فنحن نعلن الحرب العالمية النازية على سنتيمات في الشارع لا على هكتارات أو كيلومترات. وليس لأن الذين يقتنون الجوارب يستعملونها في شم مسحوقها المخدر أو في أغراض إباحية، هذا شأنهم الداخلي.
الجوارب نوع رقيق، صغير الحجم، كعادة الأشياء الصغيرة تحتاج وقتا كبيرا للنشر والعرض ووقتا آخر للطي، لايمكن أن تلمها عشوائيا هكذا على السريع، سوف ينكمش نسيجها وتنكمش قيمتها، كما لايمكن أن تحتفظ بغلافها البلاستيكي الشفاف، مع الوقت والشمس والهواء والغبار وتقليب الأصابع الخشنة يتهدل السولفان، يخدش بريقه، يجرح، الجورب الذي تبيعه بعشرة سيصبح بدرهمين، يأتي شارد من آخر المتبضعين لحيته تحت ذقنه وشاربه يعيش في غانا، زبون كصائد للقرود يبحث عن صيد، أول شيء يفعله بعدما يبعثر البضاعة، سيبخس ثمن الجورب المنكمش. يقول إن شكله قديم باهت معوج. مبررات مشتر قناص. نحن نعرف هذه الحيل. ما أربحه من بيع جورب لايتجاوز درهمين، ثمن الشراء بالجملة سبعة دراهم ونصف، نصف درهم للتكاليف، درهم ونصف المتبقية للربح لكنها مهددة بالموت السريري، كثيرون يتربصون بها. يأتي صائد القرود على هيأة مدخن بسجارته المسجورة، يفتش ساعة ونصف عن جورب أبيض فاتح من جهة الأصابع، به خطوط بيضاء مكسرة من الجوانب، أزرق سماوي من الأسفل، ماركة نايك أوريجينال، يتجاوز الكعب بسنتيمتر واحد، سنتيمران لا، أصابع الجورب يجب أن تكون مضافة بتبطين سميك حتى لاتتعرض للخرق بسبب الاحتكاك مع الحذاء. سبور. كلاس، لا. يوشك على العثور على لونه المفضل، فجأة يتراجع، الجورب غير مناسب للساعة اليدوية التي تركها في البيت، الساعة فيها خطوط حلزونية لاوجود لها في الساحة إلى حدود اللحظة، آخر موديل. يتردد في الشراء، يضع الجورب جانبا ريثما يقرر، يحتفظ به في كرسي الاحتياط. يستمر في البحث عن جوربه المحتمل الذي يناسب «ستيل» الساعة. يقلب كل شيء في البساطة بحثا عن الجورب المفقود، يخلط التيشورتات بالأحزمة، تتداخل التبابين وسط السراويل القصيرة. تختفي المناديل في القبعات الشمسية، أحاول فك الخليط، أعيد ترتيب الأنواع من جديد، الأقمصة إلى مكانها، قميص زهري يفقد التيكيت الجديد. أقترح على الرجل جوربا بكل هذه المواصفات إلا أنه ماركة أديداس. يحرك شفتيه بالرفض كحمار شم مؤخرة حمارة ووجد بها رائحة الأرواث مزعجة . كأن له خصومة مع أديزيرو فقط . يعثر على شيء نصف شبيه. ينثر نثرة طويلة من سيجارته قبل مواصلة التفتيش. تسقط شرارة من السيجارة على تبان بثلاثين درهما وسط رزنامة الملابس، سأخسر ربح عشرين جوربا على الأقل. بيع أسبوع كامل من الجوارب راح ضحية شرارة غير متعمدة، ضحية بحث عن جورب ملعون، ابن ملعون، ابن كافر. ياللويل، يجب أن تأخذوني إلى كابول. لقد بلغ السيل الزبى ولازال يسيل حتى أطل على مشارف قندهار. يعتذر الزبون عن إحراق التبان. هل يكفي الاعتذار لجبر الضرر. لحسن الحظ خرجت خريطة الاحتراق في تبان رخيص ولم تخرج في بذلة من الأزياء الكاملة قد أضطر إلى الغش للتخلص منها، وتلك قصة أخرى.
أخيرا يعثر على جوارب بلونه المفضل. يقبض عليها بيد متراخية. يناقش في الثمن. عشرة دراهم بزاف ماي فراند. يتململ من غلاء السعر. يدعي خبرة بأثمان الجوارب بالسوق. في درب غلف تباع فقط بجوج دراهم. يحفزني الرجل لأشرح له. ياصديق، الأثمان تختلف كما تختلف الجماجم. الجمجمة المغربية لن تكون هي الجمجمة الألمانية. الجوارب الألمانية مصنوعة من وبر الخنازير بينما الجوارب المغربية مصنوعة من الصين الشعبية هنا الفرق، وإذن، الثمن سيختلف. بعد كل هذه الحريرة، يضع الجوارب ويرحل بدون شراء بينما كانت أعصابي تشتعل ودماغي يغلي ويزغرت كقِدر فوق النار وصل رقما قياسيا في نسبة الغليان والتزغريت.


الكاتب : محمد غزلي

  

بتاريخ : 14/06/2018