مناقشة «الأبعاد الإنسانية لمنظومة القيم» في تظاهرة للمجلس العلمي بخنيفرة

 

تحت شعار: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، تميز المشهد الديني في خنيفرة، على مدى يومي الجمعة والسبت، 21 و22 أبريل 2017، بالنسخة الحادية عشرة من الملتقى السنوي للحديث النبوي الذي ينظمه المجلس العلمي المحلي، واختير له هذه السنة موضوع: “منظومة القيم في السنة النبوية وأبعادها الإنسانية”، والذي افتتح بمائدة مستديرة احتضنتها غرفة التجارة والصناعة ليرفع الستار عن أشغاله بمقر عمالة الإقليم، بحضور الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، كما تميز بتنظيم مسابقة في حفظ 15 حديثا من كتاب الموطأ، وبأمسية تكريمية ثم جلسة علمية شارك فيها عدد من رؤساء المجالس العلمية والأساتذة الباحثين.
المائدة المستديرة حول “منظومة القيم”، التي اختير لتسييرها ذ. عباس أدعوش، شارك في تنشيطها مجموعة من الأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين، وحضرها عدد من رؤساء المجالس العلمية المحلية والعلماء والفاعلين والمهتمين والتربويين، وطلبة الماستر والدكتوراه، حيث تقدم الدكتور المصطفى زمهنى، رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، بكلمة أبرز من خلالها سياق اللقاء، وسبل انفتاح المجلس العلمي على مختلف المجالات والقضايا، للبحث والنقاش والمذاكرة والتواصل والتداول، والتأسيس لأرضية علمية مشتركة.
وذلك قبل أن تنطلق أشغال المائدة المستديرة بورقات شارك فيها الأستاذ الباحث توفيق رشدي من منطقات وخصائص القيم ومنظومتها، والوظائف الإجرائية لهذه القيم، والبعد الحضاري لوجود الإنسان، والكونية الشمولية في علاقتها بالسلوكيات الاجتماعية والإنسانية، ثم عضو لجنة الأبحاث والدراسات والتكوين التابعة للمجلس العلمي المحلي، ذ. محمد عمراوي، الذي افتتح ورقته بسؤال القيم واختلافها باختلاف الغايات والأهداف، وباختلاف العقل والدين والتصور الذهني والنفعية البرغماتية، مركزا أيضا على البنيات التي يبني عليها النظام التربوي مسألة القيم والمبادئ التي تحدد النزعات والميولات، في علاقتها بالقيم الإسلامية الفطرية، والقيم الواقعية القابلة للتفعيل.
و تطرق الباحث بدار الحديث الحسنية بالرباط، ذ. محسن فضلاوي، إلى دور العالِم في ترسيخ القيم، بناء على مدى مشاركته في الملتقيات والتظاهرات الدينية، معتبرا أن القيم هي العنوان الأصلح لكل ما هو جميل في الحياة والكون، وكيف أن الله تعالى ميَّز بين الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة، والظروف التي نزل فيها القرآن ببيئة وسياسة جاهلية ليحدث فيها كل القيم الحسنة على يد الرسول الكريم الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، بينما لم يفت المتدخل التحدث عن مسائل التحسين والتقبيح، وعن المعتزلة وأهل السنة، وعن فضائل الدين والعبادات التي لا دور لها إلا في ربطها بالقيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية.
وجاءت الورقات بمثابة أرضية للنقاش، حيث تجاوز عدد المتدخلين من الحضور ال 20 متدخلا، ناقشوا من خلالها موضوع القيم من مختلف الزوايا، التعليمية منها والدينية والفلسفية والثقافية والاجتماعية، وواقع التضارب بين الأقوال والأفعال، والقيم التي لا يمكن معرفتها إلا بمعرفة ماهية الإنسان، وهل الإنسان يعيش أزمة مفاهيم أم أزمة تنزيل هذه المفاهيم؟ وهل القيم مبادئ أم سلوكيات؟، بينما تساءل أحدهم: إذا كان الإسلام دين العالمين فلماذا المسلمون ليسوا عالميين؟، ثم إذا كان الخطاب الديني غير قابل لمناقشة صحته فلماذا الواقع يشكو التناقض مع هذا الخطاب؟ إلى غير ذلك من التدخلات والتساؤلات التي أغنت وأثمرت المائدة المستديرة.
وبينما تميز اليوم الأول بتقديم جائزة تكريمية للدكتور محمد عمراوي لحصوله على الدكتوراه، ثم تقديم ورقة تعريفية بكتاب صدر حديثا بعنوان: “في السيرة النبوية، واقع وأحداث وعبر وعظات”، لمؤلفه د. إدريس الخرشافي، الأستاذ الجامعي بجامعة القرويين وجامعة محمد بن عبدالله بفاس، والذي حضر شخصيا المائدة المستديرة، وقدم عرضا مفصلا حول كتابه، وفي نفس اليوم تم تنظيم أمسية دينية كبرى، تخللتها قراءات قرآنية فردية وجماعية، والتي قام بتنشيطها ذ. حنة بلعيد، عضو لجنة الطفولة والشباب بالمجلس العلمي. وكما كل سنة يتم فيها تكريم فئة من الشرائح المجتمعية، اختار المجلس العلمي هذه السنة تكريم فئة الندل (عمال المقاهي والمطاعم) في بادرة غير مسبوقة.
وبقاعة الندوات بعمالة إقليم خنيفرة، وأمام حضور مكثف، انطلقت، في اليوم الثاني، أشغال ملتقى الحديث، برئاسة ذة. سعيدة الفقير وتقرير ذ. محمود راسو، حيث افتتحت بكلمة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، الذي أشاد بالملتقى وباختياره لموضوع القيم، داعيا إلى المزيد من الاهتمام بعلم الحديث النبوي الشريف، ومطالبا بتوسيع قاعدة العلماء لأجل نهضة إصلاحية حقيقية من أجل القيم الخالدة التي هي أساس المجتمع، منطلقا من وصف إقليم خنيفرة بالرحم الذي أنجب العديد من العلماء والمفكرين والمثقفين، وممن تحملوا مسؤولية التسيير والتفكير وخلفوا تراثا لا بد من أن تذكره الأجيال، ليتوقف كثيرا بالحديث عن رمز من رموز قبائل زيان العريقة، وهو أبو القاسم الزياني، المؤرخ والدبلوماسي وصاحب كتاب “الترجمانة الكبرى” الذي جمع فيه أخبار العالم وعلومه.
ولم يفت محمد يسف التطرق للقيم باعتبارها البنية التي تبنى على أساسها كافة الأمم، وكيف أن الأمة التي تفتقر للأخلاق لن تستطيع الامتداد في الزمن، إذ بالقيم عاشت الأمة الإسلامية وستبقى هي مستقبل هذه الأمة، وأن القرآن قدم للبشرية نموذج الإنسان الذي يبني ويُعمر ويُربي ويُثقف ويصلح للحياة، والذي عليه أن ينشر دين التسامح وليس الإرهاب، قبل تركيزه على بلاد المغرب الذي كان عاصمة لكل الإمبراطوريات المتجذرة في التاريخ، وإلى حاضره حيث يبني تنميته البشرية التي غايتها الإنسان المغربي الذي لا يمكن الفصل بينه وبين حضارته العريقة وانفتاحه على الفكر والحكمة وكل ما ينفع الناس.
ومن جهته، لم يفت رئيس المجلس العلمي المحلي، الدكتور المصطفى زمهنى، أن يبرز دواعي اختيار موضوع القيم، انطلاقا من إيمان مؤسسته العلمية بقيمة القيم التي تصنع الإنسان وتوجه مساره في رحلته وحياته، وأنه كل ما كانت هذه القيم مرسخة في النفوس إلا وشقت الأمة طريقها بشكل سليم، إذ أن القيم، يضيف زمهنى، إنما هي التي تتماشى مع فطرة الإنسان، وهي الأخوة والتسامح والعدل والاعتراف بالآخر، مؤكدا أن المنظومة الإنسانية اليوم في حاجة إلى استلهام القيم لتعيش مطمئنة في انضباط والتزام بالنفس والدين والآخر.
وبعد كلمة المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية، ذ. الحبيب الكردودي، وكلمة لجنة الأبحاث والدراسات والتكوين التابعة للمجلس العلمي المحلي لخنيفرة، التي ألقاها د. عبدالقادر ديدي، انتقل الجميع إلى حفل تكريم وجوه فاعلة ودينية، منهم الإمام الغازي الحسين، المؤذن أحمد زلماطي والأستاذة الباحثة فاطمة زهيد، ثم توزيع الجوائز على الفائزين في مسابقتي الحديث النبوي.
أما بالنسبة للجلسة العلمية، والتي ترأسها الدكتور محمد بوطربوش، رئيس المجلس العلمي المحلي بسلا، ومقررها ذة. مونة أبلقاس، فاستهلت بمداخلة الدكتور سعيد شبار، رئيس المجلس العلمي المحلي ببني ملال، تحت عنوان: “خصائص ومحددات القيم الإسلامية”، ثم بمداخلة ثانية بعنوان: “نظرات في منظومة القيم في السنة النبوية” للدكتور إدريس الخرشافي، أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة بفاس، في حين اختار الدكتور عبدالمجيد محيب، أستاذ التعليم العالي لدار الحديث الحسنية، المشاركة في هذه التظاهرة الدينية بمداخلة في موضوع: “التأصيل القرآني للقيم في السيرة النبوية من خلال كتاب الشفا للقاضي عياض”.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 28/04/2017