عودة‮ ‬سؤال المصالحة‮…‬ مابين‭‬الشارع‭ ‬والمحكمة: ماذا‭ ‬تستطيع‭ ‬الحكومة؟

عبد الحميد جماهري

تحرك‭ ‬الشارع ثم‭ ‬تحرك‭ ‬القضاء‭ ‬ ثم‭ ‬تحرك‭ ‬الشارع، وفي‭ ‬كل‭ ‬حركة‭ ‬تكون‭ ‬الحكومة‭ ‬حاضرة،‭ ‬بما‭ ‬تعلنه‭ ‬من‭ ‬مواقف‮…‬ كيفما كان‭ ‬تقدير‭ ‬الأحكام والمسيرات،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬بلاغ‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحكومية‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬ما‭ ‬تقدمت‭ ‬به‮.‬ وليست المسؤولية السياسية وحدها ما‮ ‬يدعونا الى هذا التناول،‮ ‬بل أيضا كونها أدت ثمنا سياسيا وبشريا ومعنويا من‮  ‬مجريات احداث الريف‮ (‬الزلزال الذي‮ ‬حدث‮)…‬وعليه لا بد من قراءة في‮ ‬موقفها‮  ‬الان بعد هدوء نسبي‮ ‬للحرائق‮:‬ فهي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬ 1‭ – ‬ضرورة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تكريس‭ ‬نَفَس‭ ‬من‭   ‬التقويم‭ ‬والمراجعة‭ ‬والمصالحة‭.‬ ‭ ‬2‭- ‬استحضار‭ ‬الطبيعة‭ ‬الخاصة‭ ‬للمرحلة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬بلادنا‭ ‬اليوم‭ ‬وما‭ ‬يعتمل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تحولات‭ ‬تسائل‭ ‬الجميع، 3‭- ‬تطلع‭ ‬الأغلبية‭ ‬إلى‭ ‬استئناف‭ ‬الأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬‮«‬بما‭ ‬يفتحه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آمال‭ ‬لدى‭ ‬المتهمين‭ ‬وأسرهم‭ ‬في‭ ‬مراجعة‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‮..».‬‭ ‬ وقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سطور‭ ‬البلاغ،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬النقطتين‭ ‬الأولى والثالثة‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬الأحكام‭ ‬لا‭ ‬تروق‭ ‬لأحزابها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬دفاعها‭ ‬عن‭ ‬شكلها‮.‬ أولا‮:‬‭ ‬هناك‭ ‬إقرار‭ ‬بضرورة‭  ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المصالحة‮..‬ ثانيا‮:‬‭ ‬هناك‭ ‬تطلع‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬الأحكام‭ ‬بما‭ ‬يرضي‭ ‬العائلات‭ ‬والمدانين‭ ‬‮..‬ نحن‭ ‬إذن‭ ‬أمام‭ ‬دعوة‭ ‬مزدوجة‭ ‬إلى‭ ‬المراجعة‭ ‬وأيضا‭ ‬إلى‭ ‬المصالحة‮..‬ وعندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالريف،‭ ‬فإن‭ ‬المصالحة‭ ‬تكتسي‭  ‬طابعا‭ ‬خاصا‭ ‬بها،‭ ‬ولايمكن‭ ‬نسيانه‭ ‬سواء‭ ‬باسم‭ ‬التاريخ ‭ ‬أو‭ ‬باسم‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة أو‭ ‬مع‭ ‬مكوناتها‭ ‬ أو‭ ‬مع‭ ‬عصبها‭ ‬الممثل‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬القرار‮.‬ نحن‭ ‬أمام‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‮ ‬بالامتثال‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬أحكامه‮.‬ و تدعو إلى‭ ‬المراجعة‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬دعوات‭ ‬أخرى‭ ‬صريحة‭  ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬السند‭ ‬الحزبي‭ ‬لها،‮ ‬بل حتى من معارضين لها‮ ..‬ والسؤال‭ ‬المركزي‭ ‬هو‭ ‬‮:‬‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬ستفعله‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نفس‭ ‬المصالحة‭ ‬مع‭ ‬الريف؟ وهي‭ ‬مصالحة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلب‭ ‬من‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬أن‭ ‬يبادروا‭ ‬بها‭ ‬‮!!!!‬ بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لجهاز‭ ‬صاحب‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬المبادرة‭ ‬إليها،‭ ‬ ثم‭ ‬المراجعة‭ ‬‮|:‬‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للحكومة‭ ‬ألا‭ ‬‮»‬تساعد‮«‬‭ ‬القضاءعلى‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭ ‬بما‭ ‬تخلقه‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬ومن‭ ‬تغليب‭ ‬المقاربات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬المصالحة‭ ‬وروحها‮…‬،‭ ‬سواء‭ ‬كما‭ ‬‮«‬تدسترت‮» ‬بعد‭ ‬العمل‭ ‬التاريخي‭ ‬والقوي‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬راكمته‭ ‬من‭ ‬أدبيات‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬تكريس‭ ‬مفهوم‭ ‬جديد‭ ‬للسلطة‭ ‬والترافع‭ ‬باسم‭ ‬الدولة‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الحقوق‮..‬ فإن‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬ربحناه‭ ‬من‭ ‬المصالحة الوطنية،‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬منطقها،‭ ‬والتي‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬للتاريخ‭ ‬والغفران،‭ ‬فهو‭ ‬أننا‭ ‬نجحنا‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬مجلس‭ ‬وطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬يوشح‭ ‬دوليا‭ ‬ويتم‭ ‬الإقرار‭ ‬بفرادته‭ ‬أمميا‭ ‬‮..‬ فكانت‭ ‬المصالحة‭ ‬في‭ ‬شقها‭ ‬الحقوقي‭ ‬مكرسة‭ ‬دوليا وثاني‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬دولي،‭ ‬أصبحت‭ ‬صورته‭ ‬ربحا‭ ‬وطنيا‭ ‬نرفعه‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬حقنا‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬والتراب‮..‬ وبدوره‭ ‬كان‭ ‬محط‭ ‬تكريم‭ ‬دولي،‭ ‬ وبدوره‭ ‬جعل‭ ‬صوتنا‭ ‬مسموعا‭ ‬مثلما‭ ‬جعلت‭ ‬الحقوق‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬جوهريا‮.. ‬ لهذا‭ ‬لا‭ ‬نقرأ‭ ‬اللوحة‭ ‬إلا‭ ‬مكتملة،‭ ‬بشقها‭ ‬الذي‭ ‬ربحناه‭ ‬من‭ ‬مصالحة‭ ‬كانت‭ ‬محط‭ ‬أنظار‭ ‬العالم،‭ ‬وأكاد‭ ‬أجزم‭ ‬أنها‭ ‬مازالت‭ ‬على‭ ‬الأجندة‭ ‬الوطنية‮..‬ ‭ ‬والسياسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب،‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كهان ‮ ‬لكي‭ ‬نراها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬مسايرة‭ ‬الواقع‭ ‬المتطور‭ ‬الذي‭ ‬أفرزته‮..‬ القانون،‭ ‬كما‭ ‬القضاء‭ ‬يد‭ ‬الدولة ونحن‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬امتحان‭ ‬إيماننا‭ ‬العميق‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬القوية،‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رحيمة،‭ ‬وغير‭ ‬مرتجفة‮..‬ ‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬الريف‭ ‬إلى‭ ‬امتحان‭ ‬لكي‭ ‬نحبه ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬أهله‭ ‬إلى‭ ‬مصنف‭ ‬في‭ ‬العدل‭ ‬لكي‭ ‬نهرع‭ ‬إلى‭ ‬أسطورة‭ ‬جميلة‭ ‬بأنه‭ ‬أهل‭ ‬للتاريخ‭ ‬‮..‬ نقول‭ ‬ذلك‭ ‬ونضيف:أن سوال المصالحةيعدو بقوة،‮ ‬سواء على لسان الحكومة أو مكونات الأمة‮  ‬من المعارضة‮…‬ وتلك نقلة أخرى‮…‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 12/07/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *