الوهن السياسي والفكري .. لنعمل وليس لننتظر ..؟؟

بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي

 

عرف الوهن في القواميس بأنه: «ضعُف في الأمر أو العمل أو البدن.»
قال ابن القيم الجوزية: (من استطال الطريق ضعف مشيه.)
إن من نتائج  الابتعاد عن الواقعيَّة والموضوعية وعن التحليل الملموس للواقع الملموس، والإسراف  فيما يجب عقلنته وضبطه، والتقشف في كل فيه مصلحة للعامة في جميع القطاعات ..أن تختل الموازين ويتأبط كل واحد رأيه وهواه لايهمه من حيي أو هلك عن بينة ..
كما أن  عدم  الوضوح  في الأهداف والارتجال والتردد في اتخاذ القرارات وفي التخطيط،  يعلن عن جهوزية لفشل بعض الإستراتيجيات منذ بداياتها وتعثر أخرى .. مرة بسبب استصغار  بعض المشاكل والإكراهات،  ومرة  بسبب التضخيم والتهويل  ،مما يكون معه الخبراء  و الرأي العام مدركين لوجود وهن وضعف في أي حكومة انطلاقا من أقوالها وأعمالها وتنزيلها لبرامجها ..وهذا يوسع دائرة عدم الثقة والتحفظ  من الآخر …
إن قوانين العقل والمنطق والصالح العام،  يفترض أن تكون  قوية ومحصنة،  حتى لاتنجر مع  الترضيات وخدمة مصالح معينة و توازنات ريعية ونفعية،  حتى لو أطرها عرف أو قانون أوسطرتها مؤسسات .. فكثيرا ما يتبين بفضل ترجيح المصلحة العامة ويقظة الضمير،  ان العديد من المواد التشريعية لم تكن موفقة في صياغتها  وتوقيت وضعها، بل وكانت معيبة و خاطئة ترك أمر معالجتها  لفقهاء القانون والاجتهاد القضائي بتجنبها وتعطيل العمل بها في انتظار اعتماد  تشريع  ملائم ..
.. إن قمة نباهة الإنسان تتجلى في  إدراكه   لأخطائه  واعترافه بها   وتصحيحه لها  والقطع مع   شعار «ولو طارت معزة «..  و من باب أولى وأحرى أن تكون المؤسسات سباقة  لتقييم وتقويم ومعالجة الاختلالات التي تقع فيها بتدبيرها ، أو بسبب بعض التشريعات  المعتمدة ، او لغموض في الفهم والتأويل ،أو  لتعصب للرأي ..قد يذهب به التعصب إلى تحويل غير المجمع عليه إلى مقدس ولو ثبت البطلان …
إن المشاكل التي نعاني منها بفعل سلوكنا وتدبيرنا ومعاملاتنا ليست أمرا واقعا لامرد له ولامهرب منه ،لأنها  نتاج سياسات أفراد وجماعات وقوى ومؤسسات ، وقد تكون بحسن نية ، أوعن نقص في الخبرات أو جهل، وقد تكون عن سابق معرفة ووعي  كإجراء  مرحلي يوازن به بين إطلاق واع و موجه  لموجات تضخم وتنوع المطالب والحقوق ولم لا تمييعها ومن ثم تبخيسها، وبين تهيئ الناس للقبول بقرارات جديدة وخلق توازنات منضبطة متحكم فيها ومقدور عليها ..  إن أبواب النجاح تكون بإعداد الناس وتكوينهم وتأهيلهم وإدماجهم في التنمية، وأن تكون القرارات والبرامج وأقوال وأعمال الحكومات محفزة للهمم  وتبعث على التفاؤل، وأن لاتكون السياسات متناقضة مع مطالب الشعب وإرادته في العيش الكريم، وتشكك في كل شيئ بفعل النتائج المحبطة والمسيئة، مما يولد الوهن والضعف عند شباب اليوم وبناة الغد وعند كل مكونات الشعب في كل القطاعات الانتاجية والخدماتية …
لهذا تفاؤلنا  وإقدامنا وتضحياتنا وعملنا الذي لايعطل أو يوقف أو يحبط،  يكون بامتلاكنا لشخصية قوية ورصيد معرفي متميز  ورؤية نقدية تقويمية دائمة، ويكون بكفاءات  لا هم لهم  إلا خدمة الشعب،  وليس مصالحهم وغرورهم …
إن انسداد الأفق، والغموض في المستقبل، والعشوائية والعبث في السياسة من طرف بعض الساسة بالحكم وخارجه باستبلاد للناس بظن أنهم لايشعرون ولا يحسون ولا يميزون،  يشجع على أن يذب  الوهن في الجسم والفكر والعقل والإرادة والبلد  ، فتضعف الهمم ،  ويتعطل إبداع الحلول والمبادرات الرائدة، وتتسع دائرة المنسحبين من الشؤون العامة، ويتهافت غير المؤهلين على المسؤوليات  كَمَا يتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى القَصْعَة، .. ويتدخل من لاعلم له  بالديمقراطية والتنمية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية  في أمور العامة والخاصة …وتوظف إمكانيات متعددة هائلة في الإعلام بكل أنواعه يختلط فيه فقهاء الريع بدعاة الإرهاب بالرجعيين والامبرياليين  الذين لاهم لهم سوى نشر المزيد من التضليل والتشكيك لدفع  الناس إلى ترك الجمل وما حمل  لهؤلاء وهؤلاء يبحثون عن ربوة أو خلوة ينقطعون فيها عن رؤية وسماع ومعاشرة من لاهم ولا شغل لهم إلا في إفساد الناس  ..فيضيع كل شيئ بتعطيل وإضعاف كل الإرادات والطاقات الإيجابية …
.. إن الدليل على وجود  ضعف في الإرادة من أجل الإصلاح العميق والقوي  نلمسه في  أن العمل  والشغل الذي يعتمد أسلوبا هو أقرب إلى التسلط بطعم  «السخرة» شكل من أشكال  الظلم  الذي اصبح غير مقبول في عصرنا هذا،  وإن وجود أجور هزيلة  وساعات عمل مرهقة لعمال وأجراء منهم شغيلة الإنعاش  كما هو الحال في بعض قطاعات  اخرى، وإن بعض المعاشات البئيسة أفقرت أسرا عديدة قدمت خدمات كبيرة للوطن  تسيئ للحكومة  وأنظمة تقاعدها وتسائل عن جدوى السياسات المعتمدة  ودور المؤسسات التشريعية  .. كما أن  «أجور / تعويضات» بعض المكلفين بالمساجد – الأمن الروحي –  من  مؤذنين ومنظفين  وأئمة والذين لادخل  آخر  يساعدهم ..إلخ  تحتاج إلى إجابات ..ولنا أن نتامل حقيقة أجور ومداخيل الغالبية العظمى من الشعب كعمال وكادحين يسعون النهار كله من أجل لقمة عيش تكفيهم  بعض جوع يومهم …  إن المشكلة المركبة هي عدم الوعي والإحساس بالوهن الذي يميت الجسم  ماديا ومعنويا ويضعف محيطه ويعجل بالفشل الكلي للمجتمع والدولة ..
إن ما كان الناس ينفرون منه، ويتسترون أثناء الإقدام عليه وفعله، ويتنكرون له، أصبح أمرا عاديا وطبيعيا يتباهى به  ويتم احتضانه ويجوز التبجـح به وتثمينه وجعله سنة مبتدعة فاسدة قد تخصص لها  مسابقات ومواسم وحفلات لتصرف الأموال وتوزع المنح والهبات .. إنه كلما كثرت المثبطات والإكراهات إلا ويفترض أن تتقوى الهمم والإرادات وليس العكس .. فأعراض الوهن يعرفها الفلاسفة وعلماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والسياسة، ويشعر بها الشعب في معنوياته المتردية وبؤسه ومشاكله وإحباطه وقدراته المتدهورة  … ويتعرض لضربات الفشل المتتالية للسياسات الترقيعية والارتجالية ..
لهذا وجب القول كفى يرحمكم لله ويسدد خطى الجميع لإصلاح أحوال البلاد والناس ..فما بعد الوهن لايتمناه كل مصلح وصالح ومن نيته سليمة لاي بلد …
من دعاء  الرسول (ص): اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد).
وقيل (لا تخلط يقينك بالشَّكِّ؛ فيفسد عليك العزم، ولا توقف عملك على الشَّكِّ؛ فيدخل عليك الوَهن).
الخميس : 12 يوليوز 2018

الكاتب : بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 13/07/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *