وداعا محمد شعيب: آسفين أننا لم نهيء لنهاية حياتك عالما بقيم أفضل!

عبد الحميد جماهري

 

كل مناضل أصيل يرحل، يترك في السماء ثقبا كبيرا يزيد من برودة العالم..
وثقبا كبيرا في القلب
يزيد من بؤس العالم..
والمناضل الذي غادرنا إلى أبد الله، محمد شعيب، من طينة الرجال الذين يتركون خلفهم عصرا جليديا عصيا..
عرفته وأنا في ريعان الشباب السياسي، وقتها بالناظور، كواحد من الاتحاديين الذين لم ينصاعوا للعقاب المعلن والخفي الذي كانت تمارسه الدولة على الريف.. وتضاعفه بمنع الانتماء إلى أحزاب بعينها.
وحدث أن نظمنا في الناظور لقاء «جهويا» للاتحاد وقياداته،
وقتها كنت أشتغل إلى جانب الفقيد العزيز مصطفى بوحجار والمناضل الفريد والعزيز، الأستاذ حسين الفاهيمي، الذي تعلمت منه الكثير، والمختار بنتلي والسي أحمد الباروزي، ووزان عبد الكريم نجل المختطف وزان بلقاسم، ومصطفى تارجوانت وأستاذي بلال، والقاسمي الذي تحمل مهمة التدبير كاتبا إقليميا، وشباب حماسي وعقلاني في نفس الوقت، لم تسعفني حياتي من بعد بأمثالهم إلا لماما،… وجاء أهل الحسيمة وكان معهم محمد شعيب، وقد دخل إلى مخيلتي كما لو كان مخفورا باللهب..
بدا الرجل بسيطا، هادئا مربوع القد، يميل إلى الشحوب، يتكلم بتؤدة أو يكاد كلامه يكون صيغة صوتية للصمت!
لا أذكر عن مروره ككل، من ذكريات سوى أنه استطاع أن يحفر له بورتريها صبوحا على جدار الذاكرة.…
بعدها، قادتني دروب الاتحاد إلى القيادة، في زمن الاكتمال السياسي، وبداية الدورة التراجعية في السياسة..وكان من نصيبي أن توليت مهمة الإشراف السياسي على إقليم الشرق والريف، من فجيج إلى الحسيمة ومن تازة إلى… وجدة.
وكان من نصيبي أن قدت حملة الإخوان الانتخابية، في 2009..إلى جانب شاب صلب ومناضل من طراز رفيع، هو محمد ازرقان.. الذي تعرفت عليه وعلى معدنه الصافي في تلك الأجواء الملتهبة، وقتها كانت مباركة محمد شعيب للائحة، التي ساعدنا على وضعها، تعني أن الاختيار كان صائبا..
وقتها اطلعت على أوضاعه وعرفت مصدوما كيف أن البنك حجز على معاشه القليل، بسبب كلفة عليه مقابل الكراء الذي كان يعطيه لتوفير مقر للحزب بالحسيمة!
يا إلهي في 2009…… والوقت قد بدأت
والأشياء تميل إلى شراسة الانهيار
والخذلان
والانتهازية الصغيرة والفقيرة إلى الخيال كما يجيدها بعض المتناضلين
والوقت
بدأت تفقد بصمتها التقدمية..
في 2009، كان هناك مناضل من الريف حجزت الوكالة البنكية علي دخله الفقير، لأن دعوى ضد كرائه مقر الحزب فازت بين أروقة المحكمة ضد تواضعه
ونضاليته!
هو ذا محمد شعيب، الذي بدأ النضال قبل أن تدركه سياسة الطموحات، وعاشره إلى أن لقي ربه قويا مؤمنا بسيطا رافعا هامته إلى الأعلى..
وداعا المناضل المؤسس محمد شعيب
هي ليست ساعة ملائمة للرحيل عن الحسيمة
ليست ساعة للوداع الأخير أيها الشهم
ونحن نتحسس ما تبقى في القلب من جمر أو ورد أوندى..
أخبرك وقد تركتنا في هذا العالم الجحود
أني أذكر أول مرة التقى الاسم مع جبة المادة
والتقى شعيب مع جسده،
بعد أن كنا نسمع عنك مِمن سبقونا بالإيمان بروح الكفاح
وخلود عبد الكريم ونار الشعب المقدسة
كان ذلك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي
عندما حضرت ضمن وفد من قيادة الحسيمة
..وأذكر اللقاء الأخير بيننا في حملة الانتخابات بالحسيمة
ثم تفاصيل أخرى صغيرة ما بين الضفتين أتركها للنسيان ،بكل ما رمزت إليه من مسارك العنيــــــــــييد .
ثق أنه لاشيء منك سيضيع عند كل من أحبوك ورفعوك وأنصتوا إلى حكمتك واستماتتك
لكن لاشيء سيبقى في الحسيمة مثل ما كان بعد رحيلك.
عزاؤنا واحد يا من تشرفتم بتوديعه إلى مثواه الأثير في الأبد
يا أهلنا في الريف العظيم وفي الاتحاد الذي لم يغادر فؤاده وفؤادكم…
اسمع يا عزيزي محمد:
لم تعد الانتهازية عيبا
بل أصبحت جزءا من “الماناجمنت” الشخصي
وصار علينا أن نمنح الانتهازي مكافأة وعلاوة على كل فعل انتهازي فج قام به..
لم تعد الحلول الفردية خروجا وهرطقة تقدمية
بل صار سيرة حياة، تدل على الذكاء
وتجد في الناس من يتضامن مع صاحبها..
لا شيء أصبح له معنى كما عرفته..
الجبان أصبح شجاعا مع ناس الأصل
وحثالة أمام الأعداء الطبقيين السابقين يا عزيزي..
وداعا محمد شعيب: آسفين أننا لم نهيء لنهاية حياتك عالما بقيم أفضل!
سنظل هكذا ولو صرنا غرباء وسط الخيانات
والجبن
والنفاق…
سنظل هكذا إلى أن نلقاك في حياة أخرى
لا تحتاج إلى دييبلومات في النذالة!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/07/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *