عن الملكية: في التفاوض أو التعاقد في دور التطوير أو الفرملة؟

عبد الحميد جماهري

عندما خُيرت الملكية بين الوطن والحكم اختارت الوطن، وعندما تم وضعها أمام اختيار الوطن أو السلطة، مالت بلا تردد إلى الوطن..
والواضح أنها كانت نادرة في ذلك الاختيار، في الزمن الاستعماري الذي كان يخيم على العالم، ولاسيما ملكيات العرب التي مالت إلى حيث لا يجب..
والواضح أيضا أن الخيار صنعه الشعب المغربي وحركته الوطنية.. عندما طالب بالاستقلال وأصدر النداء والوثيقة الشهيرة.
شرعية كفاحية..
هذه النقطة عنصر فارق للغاية في تدبير النقاش حول أدوارها في التاريخين الماضي والمعاصر ..مع فترات الخلود إلى نزعة سلطانية في فترات معاصرة كان ثمنها رصاص ودم وفجوة كبيـــــــــــييرة في التاريخ!
وبلغة أخرى، فقد اكتسبت الملكية شرعية كفاحية ونضالية، مع موقف المغفور له محمد الخامس، وهي تقتسمها مع القوى الوطنية بكل توجهاتها، سواء كانت سلفية وطنية أو إصلاحية ليبرالية أو اشتراكية أو تقدمية، تعرف نفسها بشكل أو بآخر..
عندما نتحدث عن الشرعيات، عادة ما نكتفي بالشرعية التاريخية والدينية للملكية، إضافة إلى الشرعية الدستورية، ومن ثمة ندخل حلقة من ثلاث دوائر:
دائرة دستورية
دائرة روحية دينية
ودائرة تاريخية…
وهي دوائر كان من الممكن أن تتوفر حتى ولو لم تختر الملكية الانحياز الواضح للحرية وللنضال الشعبي..
كان محمد بن عرفة واحدا منها، لكن سقوط الشرعية الكفاحية عنه جعلته خائنا، ودمية ومطواعا .. على غرار كل الذين خانوا وقد كانوا من نخبة البلاد، وأحيانا من شعبها!!!
نحن أمام دور تاريخي محدد الزاوية: الانحياز إلى مطالب الشعب المغربي بلا تردد..
لقد عرفت هذه اللحمة العديد من التشنجات والتشققات، بل كانت موضع رهانات سياسية عديدة تهدف إلى تحجيمها أو تجاوزها أو تعطيلها لفائدة طرف واحد، فكان يحدث الاستعصاء والتصدع..وهذه الشراكة في صناعة الحرية كانت مرتبطة بالشراكة في صناعة الديموقراطية.والتعاقدات التي تولدت عنها هدفها كان دوما الديموقراطية تحت سقف وطني، وليس أمميا أو طائفيا أو تجريبيا.
ومن لا يستحضر هذه السندات التاريخية بكل رمزياتها يصعب عليه أحيانا أن يفهم العودة إلى الثوابت دوما، كلما كان الوضع ينذر بالجديد المخيف، كما وقع في منتصف السبعينيات عند إعلان تحرير الصحراء واستكمال الوحدة الترابية..
لقد فاض المجتمع عن السياسة، كما فاضت الحزبية المغربية عن الحقل الوطني بتعدد الفاعلين الذين لم يولدوا بوثيقة المطالبة بالاستقلال أو أن وجودهم لا يمت إلى هذه الأبعاد الوطنية السياسية بصلة، وقد يعطي ذلك إمكانية قراءة الواقع من زاوية أخرى، غير زاوية التعاقد السياسي، تغري بحديث عن التفاوض« بين مكونات الحقل السياسية من جهة والملكية من جهة، لكن لا يبدو أن اللحظة الوطنية قد تم تجاوزها، إلى حد الساعة، ما دامت القضية المركزية التي تُعرِّف الوطن والنظام معا، قضية الوحدة الترابية، لم تحسم بعد، كما أنها ركن من أركان أي تحليل ملموس لواقع ملموس..
يتبع

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/07/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *