عن الملكية: في التفاوض أو التعاقد في دور التطوير أو الفرملة؟ 2

عبد الحميد جماهري

لقد كان أحد الأشكال التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر لفكرة« التفاوض« هي انتخاب المجلس التأسيسي لوضع دستور يكون محط موافقة .
وهذه الفكرة- الشكل، سبق أن كانت موضوع نقاش بين شخصيتين كبيرتين في تاريخ المغرب، وهما المهدي بن بركة عريس الشهداء وعبد الرحيم بوعبيد رحمهما لله.
وسيكون مفيدا أن نورد جزءا من الحوار الذي دار بينهما حول الدستور وكيفية الدخول في المنظومة الديموقراطية..
(كنت جالسا إلى جانب المهدي بن بركة الذي كان يسوق السيارة، فيما جلس المهدي العلوي في المقاعد الخلفية، استأنفنا مناقشاتنا اللانهائية حول السبل والوسائل الكفيلة بإقرار نظام ديمقراطي. وجهة نظري كانت هي أن التوافق هو السبيل الوحيد في سياق الظرفية الداخلية المغربية. قلت: إن الوقوف عند شرط المجلس الاستشاري المغربي، المنتخب عبر الاقتراع السري، سيكون خطأ فادحا، فليس بمقدورنا أن نفرض على ملك يحظى بشعبية، حظي بمباركة مجموع الشعب، لدى عودته من المنفى، أن يسلم الملكية إلى مجلس منتخب، حتى ولو انتخب ديمقراطيا. لن يسعه أبدا القبول بذلك… أجابني المهدي -فات الأوان، لن يمكننا العودة إلى الوراء… وعلى كل، حاول أن تحدث المحجوب والاتحاد المغربي للشغل في الأمر.. مافات أوانه هو أن نريد إعادة صناعة التاريخ من جديد. فعندما تضيع الفرصة، يكون من غير المجدي السعي لاستعادتها .. أية ايديولوجيا؟ أي رؤية كانت لدى المقاومين والنقابيين وحزب الاستقلال. إلخ في السنوات من 1952 إلى 1955؟ لاشيء، فالشعار الوحيد كان هو عودة محمد الخامس، وحتى الاستقلال الوطني وضع في المرتبة من بعد.. لا أعتقد في الوقت الراهن، يجب أن نأخذ من جديد بفكرة الغرفة الدستورية، يمكننا أن نتفاوض بخصوص تشكيلها وسلطاتها، لكن تبدو لي تسوية من شأنها أن تخرجنا من المأزق.. بيد أن مواصلة النضال من أجل مجلس تأسيسي، مع ترك المشاكل الأساسية للاقتصاد والقضايا الاجتماعية والثقافية جانبا، دون الحديث عن القواعد الأجنبية أو سياسة اللا- تبعية يكون المجلس التأسيسي بلوكاج (انحسارا)… فشئنا أم أبينا ذلك، فإن السلطة بين يدي الملكية…..).
كان عبد الرحيم يتخوف كثيرا مما يسميه »السقوط في فخ التاريخ«، أي ترك الفرصة تضيع ثم محاولة استعادتها في مجهود سيزيفي مرهق بدون أفق وبدون دينامية..
لهذا ظل شبه غريب في فترة التناحر، لكن التاريخ أنصفه من بعد حيث تحول «هاملت» إلى أكبر واقعي في زمن التراجيديات..
نحن أمام حالات إغراء تاريخية، كما حالات إغراء إقليمية، ومن هذا الباب فإن الإحالة على الإغراء الإسباني في تجربة الإصلاح، لا يمكن أن يلغي بأنها كانت محركة للإصلاح بالرغم من أنها نمت وعاشت تحت مظلة الكوديو فرانكو..« .
يجب أن نكرر بلا ملل، ما يلي: لقد أعفت القوة التعاقدية، الحقل الحزبي المغربي من التفكير عبر التفاوض. إذ كان الاختيار دوما يميل إلى التوافق حول الإصلاحات.
التفاوض يعني رهان قوة توتر، هل مرت الإصلاحات عبر هذا المسلك في المغرب؟
– نلاحظ أولا أن 30 سنة مرت من دستور 62 إلى دستور 92
باعتبارها اللحظات التي عرفت الصراع العنيف ولم يتغير الدستور فيها ولو مرة، في حين أنه تغير مرتين في عهد الملك الراحل (92/96) عبر الحوار وليس عبر الصراع.
بمعنى آخر أن القوة الكامنة في التعاقد الوطني الأصلي، كانت تعفي من البحث عنها في تفاوض آخر أو في مقابلات أخرى..
ومرت أقل من ذلك، إلى حدود 2011 (نصف المدة ).. وحصل أكبر تحول دستوري، ربما لم تسعفه السياسة في شيء.. وتلك قصة أخرى….
صحيح أن الشارع المغربي رفع الإصلاح الدستوري كعتبة وسقف لتحركاته، لكنه في الواقع عمم التغيير في الشكل أيضا:لا مذكرة لا كيانات محددة، بقدر ما هناك أجندة إصلاح معروضة عبر الشارع والحوار المؤسساتي أعقبها ولم يتزامن معها ويسبقها… اعتبرتها المؤسسة المركزية عرضا سياسيا يستوجب التفاعل الإيجابي..
هل كان من الممكن أن نتصور أنها ستستجيب لو لم يكن لديها استعداد قبلي لذلك ؟
أبدا… لأن ميزان القوة لم يكن حاضرا دوما في الاتجاه نحو المستقبل….
(يتبع)

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/07/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *