مسرحية: «اللعب فيه وفيه» … من اللعب المسرحي إلى «المعقول» الفلسفي

مسرحية «اللعب فيه وفيه» تجعلك تتخلص من أغلال بؤس الحياة اليومية، وتنفض عنك غبار الرداءة الاجتماعية وتنقلك الى فضاء الفن الأصيل. فضاء غني بندى الابداع وملح البحر الرمزي، حيث لا يبحر الا الراسخين في مقام عشق المسرح «أبي الفنون».
ألف الفنان المسرحي القدير بوبكر فهمي مسرحية «اللعب فيه وفيه» منطلقا من باعث فني شكله عمل آخر هو: «أخبار سمنهور وما لحق بها من شرور» لعبد الرحمان حمادي.
هكذا نلاحظ نوعا من التسامي الفني أساسه ذريعة فنية، حيث تعامل نص مسرحي مع نص آخر من منطلق ترسيخ الفعل المسرحي، وكانت الحصيلة عملا مسرحيا مكتملا مشبعا بالإقناع الفني.
أخرج هذا العمل فنان آخر لا يقل اقتدارا وهو عبد العزيز بوزاوي، وسيلاحظ المتتبع أن أثر الاخراج البديع جعل العمل يتفتح كما أزهار «الزعفران الحر» مع أشعة الشمس وقد شكلتها مهارات مسرحية كنظرية التباعد المستوحاة من «بريخت» وليس نظرية التقمص بحيث نلاحظ مشاركة متعددة للممثل، وكذا حضورا لافتا لـ «كوميديا ديلارتي» في السخرية بأشكال متعددة والتي تبدو من خلال المبالغة في اللباس وفي العبث الذي طبع الحوار بل العمل في مجمله.
الفرقة التي اشتغلت على العمل هي ورشة ابداع دراما مراكش، وهي تضم ثلة من النجوم تميزوا بحضور فني لافت، بحيث نلتقي مع الفنان الأصيل سالم دابلا، ومع الأيقونة المسرحية نادية فردوس، و الفنانة الشابة دليلة الحسني، وزهير الزهراوي، وعبد الرحيم ريضا.
السينوغرافيا والملابس كانت مهمة الحسين الصوفي والتأليف الموسيقي للفنان المقتدر عبد العزيز باعلي.
ارتكزن المسرحية على المسرح داخل المسرح، والغرض من ذلك خلق تواصل مسرحي مع الجمهور مبني على المسرح التعليمي، أي الهدف هو أن يطرح الجمهور السؤال حول ما يجري في الحياة، و يتحول من جمهور مستهلك الى جمهور فاعل يرى في المسرح فعلا توعويا.
تبدأ المسرحية بمشهد المحكمة والقاضي مع مستشارته يعاينان من الركود، بحيث لم تعد تصل أية خصامات وهي حالة عبثية بالمعنى الفني، تطرح سؤال جوهريا حول الجدوى من المؤسسة المنوط بها تدبير الخلافات بين الناس، واشاعة جو العدل داخل المجتمع. وحين يعلن الحاجب عن قضية نزاع بين «طال معاشو» وشواء، يعتبر ذلك بمثابة بشرى للقاضي، وهي كناية وضعية اخلال وتفكك تامين تصيب أوصال المجتمع والدولة والحياة كما قال ابن خلدون: «عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدعون ,,,, والكتبة والقوالون و مغنون النشاز والمتصكعون ,,, وتنكشف الأقنعة، ويختلط الصدق بالكذب…».
ولذلك تميز النص، بتدفق المفارقات، بحيث رفض القاضي الحكم في هذه القضية ونهى المستشارة عن التسرع، بل أعلنه مع الشواء الذي يعتبر ظالما في الحكاية، في حين اصطفت المستشارة مع «النقال لمساندته. بعد ذلك تدخل الوالي، والمنجمون والصحافة المكتوبة والاذاعة والفقيه..
تتحول المسرحية الى حركة من المد والجزر، وتختلط فيها المواقف في توجه عبثي، يعيد الممارسة الاجتماعية الى الواجهة ويكشفها وينتقدها ويعريها.
هكذا يتحول اللعب الفني العبثي، الى نوع من القراءة الواعية التي تتجاوز قشور اليومي وترمي الى تأمل عمق الواقع الانساني وتطرح سؤالا فلسفيا، كيف يمكن للمرء أن ينتقل من المظهر le paraître، الى الوجود الحقيقي l’être حسب التعبير الفلسفي لـ: جان بول سارتر.


الكاتب : n عزيز معيفي

  

بتاريخ : 07/08/2018