من خبايا قبيلة الضباب : قراءة موجزة لرواية «قبيلة الضباب» لعمر الموريف

عن جامعة المبدعين المغاربة ، صدرت للكاتب المغربي عمر الموريف روايته الثانية « قبيلة الضباب « ، رواية تدور جل أحداثها في «قلعة مكونة» ، وتحاول ملامسة أحداث يتكرر مثيلها في الكثير من قرى الجنوب الشرقي وتحتاج إلى توثيق.

لوحة غلاف الرواية:

جاء الغلاف أنيقا تغلب عليه الزرقة بتدرجاتها،وتتوسطه لوحة من لوحات التشكيلي والمصمم الفني المغربي محمد سعود ،والذي سبق أن قدمنا مقالا عن أعماله التشكيلية والتي يغلب عليها التجريد الذي لا يقطع صلته بالإنسان وواقعه وتأملاته.
اللوحة تحمل مجموعة من الأشخاص في وضع دائري يجسد العلاقة ووحدة الهم بينهم، ويظهرون بشكل باهت مضبب ،غير أن الدائرة الصغيرة المرسومة وسط اللوحة تبرز صورة مجموعة من هؤلاء الأشخاص بشكل جلي، وهو ما ستعمل الرواية على فعله حين ستبرز حقائق يطمسها الضباب في القبيلة المقصودة في الرواية.

عنوان الرواية:

ولأن العنوان يعتبر وسيطا بين النص والقارئ ، وسيطا بين المفصل في العمل الأدبي ومن سيقبل على قراءته، وعلامة سيميائية نروم عبرها عقد صلة ما بين النص والكاتب باعتباره أو قارئ لنصه، ولأنه عنصر له وزنه في تركيب المؤلّف السردي أو غيره، ولأنه المتصدر لواجهته الإعلامية والترويجية، فإنه جدير بالدراسة والتبصر في دلالته وعلاقتها بالمؤَلف من حيث مضامينه العامة.
وعنوان رواية عمر الموريف « قبيلة الضباب»عنوان مركب تركيبا إضافيا . فالمضاف «قبيلة « وتعني جماعة من ناس لهم نسب واحد أو اسم حلف قبلي يعد بمثابة جدهم الأعلى، وقد تتألف من عدة عشائر وبطون. والسوسيولوجيون يضعون شرطين مركزيينلقيام القبيلة هما الاستقرار في موضع معين ، ووجود رابطة تجمع أفرادهاوفق مبادئ وأعراف محددة .أما المضاف إليه «الضباب» فهو السحاب الملامس لتضاريس الأرض،ويحجب الرؤية .
وبذلك يوحي العنوان « قبيلة الضباب « إلى قبيلة مضببة بحيث لا يمكنك التحقق مما يعتمل في ثناياها، وبين افرادها الذين قد يكتنف علاقاتهم بعض ما هو مثير أو غريب أو مستنكر. والحال أن أحداث الرواية تحمل الكثير من العلاقات الخفية والمستترة ، فجاءت الرواية لكشفها أو إبراز بعضها على الأقل.
«قبيلة الضباب « عنوان مغرٍ ينتظر القارئ استتباعه لمجموعة من الأحداث غير المتوقعة.
والحال أن قارئ الرواية سيجد الكثير من الإشارات المبررة لنجاعة العنوان ومناسبته لما وضع له ، ونورد في ما يلي بعضا من ذلك :
ـ «حكت لي أمي كثيرا عن معاناتها الأولى بعد زواجها من أبي وحلولها بقبيلة كثيفة الضباب بالجنوب الشرقي، حيث بيتنا العائلي الكبير قبل أن ينفرد والدي بمسكنه الخاص»(ص8).
ـ « تمر ساعة من الزمن وتبدو ملامح القبيلة لي من بعيد كأنها الظل المنعكس على جدران الفضاء، كان الضباب كثيفا راخيا سلهامه الناصع البياض على الأرجاء كأنه يحاول أن يستر فضيحة ما .
الضباب شيء عاد هنا في هذه البلدة، سيما في الصباح الباكر الذي لا يكون صباحا مباركا دون لمسات الغيم الناعمة، لم يجلب هذا الضباب اهتمامي ويلفت نظري بهذا الشكل من ذي قبل ، فهل كنت محتاجا إليه هذه المرة حتى يستر دخولي إلى مسقط الرأس الذي قد يلفظني في أية لحظة كوني خالفت كل النواميس وولجت السجن الذي يعد وصمة عار هنا.(ص64).
ـ « توقفت سيارة رجوعي بالقبيلة التي كانت وفية لمعالمها وملامحها التي لم تسمح للبشر أو الزمن أن يغيرها ، كان الضباب هذا المساء خفيفا بشكل غريب شيئا ما ن لكنه كان عنوان وجودي هنا ، وخيوط الانتساب لهذه الأرض الطيبة الناعمة ، كان الهواء الخاص الذي يتنفسه كي يربطني بالأصل الأصيل ، لقد ادركت أن معادننا لا تقبل الاختلاط بالتربة المالحة الفاسدة…(ص 116).
بهذه العبارات الحاملة لحداثة المكان يظل الكاتب وفيا للعنوان ، يحاول أن يرسم معالم وعلاقات يحجبها الضباب ويحاول إبرازها للعيان حتى يقف القارئ على حقائقها المغلفة بالتظاهر الخادع والنفاق الاجتماعي.

موضوع الرواية:

تتكئ أحداث الرواية إلى الكاتب باعتباره بطلها، وكأنه يكتب سيرته الذاتية ، بدءا بصباه وطفولته ، وولوجه للكتَّاب ثم المدرسة ، فالإعدادية فالثانوية، فالتكوين المهني « الفندقة «. وبين هذه المحطات يواجه البطل أحداثا مؤلمة جدا تتعلق بمخالفته أوامر أمه ، وبفشله العاطفي والدراسي والمهني وبمغامراته وهو يبحث عن بدائل حرفية تجعله يعيش بكرامة وعزة ، وينتهي به الحال إلى العمل بأحد المقاهي المحترمة بالدار البيضاء ، والقارئ المنتمي إلى قلعة مكونة يستحضر الأماكن التي جرت بها الأحداث بواقعية شبه تامة.
وجاءت الاحداث مكثفة لا تخلو من تشويق تجعل القارئ متعلقا بتطورها بين فصل وفصل حتى النهاية .ولعل القطيعة النسبية بين الفصول هي العامل في يسر فهم أحداثها المتشابهة والتي انصبت في مجملها على وقائع لها علاقة بالقيم ، وكل الشخصيات المحركة للأحداث شخصيات متشابهة من حيث معاناتها ومن حيث أحلامها في مقابل المستغلين للمحتاجين من مروجي المخدرات وغاسلي الأموال ، ومجهضي الحوامل ومبتزي العمال ، والمهيمنين على الانتخابات وما يشبههم من بعيد أ قريب.
امتداد المعاناة وتعدد المعانين عبر أحداث الرواية جعلها ذات سلطة لتعاطف القارئ مع المظلومين ونفورهم من الظالمين .
خاتمة:
الكاتب يملك سعة الخيال ووسائل إغناء العبارة بشكل يجعل الحدث مستدعيا للتفكير والتعميق في مداه وأثره على النفس . وقد جعل عالمه السردي مقتطفات من ذكريات زمن الصبا، حيث البراءة والاكتشاف للمحيط وأسرار العلاقات والتسلل من الانضباط والتزام المطلوبات ، والبحث عن تحقيق الذات بشتى الوسائل مع ما يستتبعه ذلك من تأنيب للضمير و للمسببين والمشجعين في سلوك طريق الغواية والغي.
تلك قراءة عابرة للرواية وقد نعود لقراءتها ودراستها بعمق قصد تجلية مختلف مكوناتها من حبكة وشخصيات وفضاءات…


الكاتب : لحسن ملواني

  

بتاريخ : 19/09/2018