العالم الصغير

ترجمة: محمد العرابي

إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا

إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا:
كَيْفَ جِئْت إِلَى العَالَمِ؟
قُلْ لَهُمْ غَيْرَ آسِفٍ
بِأَنَّكَ لَمْ تُولَدْ بعْدُ.
***
إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا:
مَاهُوَ لَوْنُكَ المُفَضَّلُ؟
قُلْ لَهُمْ وَاثِقًا
بِأَنّ العَالَمَ صِفْرٌ مِنْ دُونِ أَلْوَانٍ.
***
إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا:
مَا اسْمُكَ، مَانَسَبُكَ، مَاعُنْوَانُكَ؟
حَدِّثْهُمْ أَوَّلًا عَنْ آمَالِكَ
وَطُمُوحَاتِكِ وَأَمْجَادِك.
***
قُلْ لَهُمْ أَنّ الاسْمَ هُوَ مُجَرَّدُ اسْمٍ
وَبِأَن الهُوِيَّةَ غَالِبًا مَحْضُ غُرُورٍ
وَبِأَنَّ سُكْناكَ فِي السَّماء
وَلَكَ أجْنِحَةٌ لِتَطِيرَ إِلَيْها كُل الوَقْتِ..
***
إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا:
أَتَعْرِفُ تَهْجِئَةَ الحُرُوفِ؟
حَدِّثْهُمْ عَنْ قُدْرَتِكَ عَلَى قِرَاءَةِ النُّجُومِ
وَكُلّمَا تَضِيقُ عَنْهُ الكَلِمَاتُ.
***
إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا:
كَمْ عُمْرُكَ؟
قُلْ لَهُمْ أَنّ العُمْرَ سِجْنٌ
يُكَبِّل أَجْسَادَنَا وَأَجْنِحَتَنَا.
***
إِنْ سَأَلُوكَ يَوْمًا:
لِمَ تَبْكِي أَرْضُنَا؟
قُلْ لَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عُيُونَهَا
بِالحُبِّ وَأَنْ يُنَقُّوا سَمَاوَاتِهَا.(ص 25-26)

في عمق الكائن

مَادُمْتَ عَابِرًا
لَاتَنْسَ أَنْ تَزْرَعَ المَحَبَّةَ
وَأَنْ تَتْرُكَ لِلْآتِي
مَا اكْتَسَبْتَهُ مَدَى العُمْرِ.
***
غَنِّ عَلَى إِيقَاعِ النَّسِيمِ
وَلَاتَشْغَلْ بِالَكَ كَثِيرًا بِالزَّمَنِ
وَلَابِقَوْلِ كُلّ التَّفَاصِيلِ
غَنِّ كمَا الرَّبِيعُ.
***
الغُبَارُ الَّذِي يَلُفُّ جَسَدَكَ
نَسْمَةٌ عَلِيلَةٌ كَفِيلَةٌ بِإِزَالَتِهِ
لَكِنْ مَاذَا عَن الغُبَارِ الَّذِي يَحْجُبُ القَلْبَ
وَيُرْبِكُ كِيَانَكَ وَإِيمَانَكَ؟!
***
حَرِّرْ نَفْسَكَ مِمَّا سَيَأْتِي
وَصِلْهَا بِمَا لَدَيْكِ
فَحَيَاتُكَ مِلْكُ يَمِينِكَ
وَنِهَايَتُهَا تُعْلِنُ مَنِيَّتَك.
***
تَذَوَّقْ مَلَذَّاتِهَا لَكِنْ بِحِكْمَةٍ
وَلَاتَشْكُرْهَا
ضَعْ يَدَكَ عَلَى جَبِينِهَا
وَاتْلُ تَعْزِيمَةَ عَامٍ مَضَى.(ص37-38)

عظمة قلب صغير

الطِّفْلُ الصَّغِيرُ شَاعِرٌ عَظِيمٌ
لَهُ نَظْرَةٌ بَدِيعَةٌ وَقَلْبُهُ عَلَى العَالَمِ
مَدَى وُجُودِهِ وَمَدَى السَّاعَات
يَجْلُبُ الأفْراحَ وَيَطْرُدُ الآلَامِ.
***
مَا يَأْتِي بَعْدَ العَنَاءِ مُفَرَّغًا فِي خِطابٍ
يَصُوغُهُ غَرِيزِيًّا بِحِذْقِ الخِيمْيَائِيِّ
لَهُ عَطَاءُ بَهْلَوَانٍ كَبِير
يَأْخُذُ بِأَلْعَابِهِ الجَلِيلَةِ أَلْبَابَ المُتَفَرِّجِينَ.
***
يَتَلَفَّظُ بِعِبَارَاتٍ غَرِيبَةٍ
دُونَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الكَلِمَةَ الشَّائِعَةَ
وَمَا يَلْفُظُهُ هُوَ نَدًى نَاعِمٌ
بِالنِّسْبَةِ لِلعَقْلِ المُنْفَتِحِ وَالرُّوحِ العَاشِقَةِ.
***
الطِّفْلُ الصَّغِيرُ شَاعِرٌ عَظِيمٌ
سُكْنَاهُ الحَقِيقِيَّةُ الأُفْقُ المُتَرَامِي
حَتَّى لِتَحْسِبَهُ طُيَيْرًا بِزَقْزَقَتِهِ العَذْبَةِ
مَحْرُوماً مِنْ أَجْنِحَتِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ غِنَائِهِ البَدِيع.(ص 83-84)

………….

* من ديوان حميد عدنان: «عشرون قصيدةعلى صفحات بيضاء» 2010، .


الكاتب : حميد عدنان

  

بتاريخ : 21/09/2018