حينما قاد بوجميع جيل جيلالة والمشاهب

هذه الصورة، هي فريدة من نوعها وتأريخ لابد من الإطلالة عليه لأنه يجيب عن مجموعة من الأسئلة ويقربنا من شخصية رجل كبير اسمه بوجميع المؤسس الرئيسي للأغنية الغيوانية …
الصورة تعود لسنة 1973 مأخوذة من جريدة «لوماتان» الناطقة بالفرنسة، وتضم رائد الأغنية الغيوانية المرحوم بوجميع وفناني جيل جيلالة، مولاي الطاهر الأصبهاني و المرحوم محمود السعدي وفناني مجموعة لمشاهب في تلك الحقبة، و يتعلق الأمر بكل من الفنانين حميدة الباهري على آلة الطبيلات ومحمد الباهري، وهما، بالمناسبة، مؤسسا مجموعتي «لجواد» و«بنات الغيوان»، كما تضم الصورة الفنانة الكبيرة سعيدة بيروك ..
الحفل الذي توثق له الصورة، كان خاصا، وقد تعذر على باقي أفراد المجموعات الحضور لهذا الحفل، فما كان من بوجميع إلا أن شكل مجموعة رائعة، لكن ليوم واحد فقط، أدت فيها أغاني لمجموعة ناس الغيوان و جيلالة ولمشاهب، وقد عنون صاحب المقال مقالته المتحدثة عن هذا الحفل ب «super-groupe d un jour». الحفل شاركت فيه أيضا الفنانة القديرة جليلة ميكري وبزيز وباز والفنان كي كي.
هذا التأريخ يبرز لنا كيف أن بوجميع كان مجمعا، ولم تستلبه الشوفينية أو يمسسه الغرور، و بأنه كان داعما لكل المجموعات، بل يغني أغانيهم دون غيرة أو تبرم من التنافسية، و لعل الصورة هي رسالة تفند كل الأقاويل و المزاعم التي تذهب الى خلق صراعات مصطنعة بين « الغيوان « و « جيل جيلالة « بالذات في تلك الفترة، أو فكرة أن الغيوان كانت منزعجة من ظهور مجموعات أخرى، بل على العكس، فإن بوجميع المهندس لهذا المشروع الفني الذي استقطب ملايين المعجبين في المغرب وخارجه، كان دعامة أساسية لمختلف التجارب المجموعاتية..
وفي هذا الصدد أستحضر ما حكاه مولاي الطاهر الأصبهاني أحد مؤسسي مجموعة جيل جيلالة في كتابه «لما غنى المغرب»، حيث قال «أعتقد أني كنت ألتقي وأجتمع مع بوجميع أكثر مما كنت ألتقي مع أفراد جيلالة، وأكثر مما كان يلتقي هو أفراد الغيوان، كانت تجمعنا صداقة حميمية، ولم تكن بيننا نحن أفراد جيلالة و أفراد الغيوان أي حزازات، وكم مرة شاورناه في جديدنا الفني، وكم مرة أطلعنا على جديد الغيوان قبل صدور العمل، أضف إلى ذلك أن تجمعاتنا كانت كلها مؤانسة إخوة ..»
كلام مولي الطاهر يدعمه زميله في جيل جيلالة عبد الكريم القسبيجي في سيرته الذاتية حينما يقول: «لما التحقت بجيل جيلالة آواني مولاي عبد العزيز الطاهري في بيته الكائن بشارع الجيش الملكي بالدار البيضاء، وهناك كنا نعد الأعمال ونجتمع أحيانا، وكان المرحوم بوجميع دائم الحضور يطلعه الطاهري والأصبهاني على جديد جيلالة، و كذلك سي محمد الدرهم كما كان هو يطلعهم على الأعمال التي تشتغل عليها الغيوان، ويتشاورون في عدة أمور، و ظلت العلاقة كذلك الى أن توفي رحمة لله عليه .. و يسترسل عبد الكريم، لقد تعرفت إلى بوجميع عن طريق مجموعة جيل جيلالة قبل أن ألتحق بها، فحينما كنت عضوا بمجموعة نواس الحمراء الرائعة كان لنا عمل بأحد مطاعم الدارالبيضاء وبالضبط في منطقة عين الذئاب، ونحن نغني فإذا بمحمد الدرهم ومولاي الطاهر ومولاي عبد العزيز الطاهري يدخلون علينا برفقة الرائد بوجميع، حيث أتوا به ليتعرف على نواس الحمراء وسيفاجئنا الرجل بأن صعد للخشبة ليس للسلام علينا فقط، وإنما ليغني معنا، وكم كانت سعادتنا كبيرة وهو يشجعنا على الاستمرار ويغرقني شخصيا بمديح حول طريقة غنائي، علاقتي به ستزداد حين انضمامي لجيلالة حيث كان ينصحني ليس فقط في الأمور الفنية و لكن أيضا حتى في أمور أخرى و منها التثقيفية أساسا.
دائما، وفي إطار مواكبة مؤسس الأغنية الغيوانية للمجموعات التي ظهرت فيما بعد، يقول احميدة الباهيري: ما لا يعرفه الكثيرون أن مجموعة « لجواد « التي أسستها إلى جانب أخي محمد، كان المرحوم بوجميع هو من أطلق عليها هذا الاسم، فصداقتنا به كانت منذ خروجنا من مراكش ووصولنا إلى مقر نادي مجموعة المشاهب الذي كان يملكه المرحوم البختي، ففي ذلك النادي حيث كنت أقيم بمعية أخي كان يأتي بوجميع، إذ أن نادي ناس الغيوان كان قريبا منه وكان بوجميع يبيت هناك غالبا، وكان يزورنا في أحايين كثيرة ليلا ليجالسنا إما رفقة أصدقاء آخرين أو وحده، نغني ونبسط ونعزف له، وقد كان كريما معي ومع أخي محمد في عدة مواقف .. ولما اختلفنا مع البختي، رحمة لله عليه، خرجنا من النادي وتركنا له كل معدات الغناء وبدأنا في تأسيس مجموعة جديدة شاورنا المرحوم بوجميع فقال لنا « بما أنكم متسامحون وتركتم حتى معداتكم الغنائية، فأنتم ناس جواد لهذا أطلق على مجموعتكم اسم الجواد».


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 04/10/2018