المقارنة بين بن بركة وخاشقجي أم بين دوغول وأردوغان؟ – 2 –

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قد يكون بعض من الإغراء، في المقارنة بين القضية الخالدة للمهدي بن بركة، والقضية البادئة للراحل جمال خاشقجي …ووجه المقارنة ، قد يكمن في كونهما معا قتلا في الخارج، والمتهم البارز في قضيتهما هو نظام الحكم في بلاديهما..غير أن المقارنة، قد تكون في مكان آخر.

وأعتقد بأن البحث في الشبه بين الغائبين الضحيتين، ليس دقيقا تماما، بقدر ما هو سلوك القائدين اللذين اختفت جثتا الضحيتين في بلادهما..
لقد بدا لي الطيب أردوغان وهو يتحدث في قضية اغتيال الصحافي خاشقجي، كما لو أن دوغول يتحدث في اختفاء المهدي بن بركة..مع فارق جوهري هو أن التركي يملك السيرة الخاصة بالحياة الأخيرة لقطع جثة ويملك مكان القتل ويملك نصف اعتراف بالقاتلين ..
1 – للذين لم يذكروا الجنرال الفرنسي، وهو يتحدث كرئيس فرنسا، نشير إلى بعض مما قاله :« لقد عبر دوغول عن غضبه أولا – في وجه وزير داخليته روجي فراي في 19يناير في اجتماع لمجلس الوزراء من السنة الموالية.. ثم وزير الخارجية موريس كوفي دوروفاي… قال دوغول في مجلس الوزراء
«: هذا الرجل وضع نفسه تحت حماية فرنسا وأنتم مذنبون.. مذنبون أقول! ورجال سلطتكم متورطون مع قتلة بن بركة. وشرطتكم السيد الوزير..
أما الأجهزة السرية التي كانت نظريا تحت إمرة الوزير الأول ستشتغل من الآن فصاعدا تحت إمرة وزير الدفاع ولا بد للعدالة من أن تذهب إلى أبعد حد..في هذه القضية الشنيعة..»
وعندما دافع وزير الداخلية عن نفسه أجابه الجنرال: «كفوا الحديث عن رجال أمنكم، إن كل ما وقع كان تواطؤات.. فقد قضوا ثمانية أيام قبل اعتقال زملائهم..»
ماذا قال أردوغان عن القتيل
وعن تراب القتيل،
وعن رجال الأمن ومعرفة القتل قبل حصوله؟
وكيف تتوفر الصور والوثائق عن حادثة دامت ساعات بدون طلب تدخل في تراب سيادي هو القنصلية؟
ماذا قال عن حماية الحدود، بعد التوصل بأشرطة القتل وتفاصيل التقطيع؟
أسئلة عالقة ولا شك، كما لم يحصل أي اتهام لأجهزة تركيا ولا لوزرائها..
هذه أسئلة لا تروم تغيير نقطة التسديد في قتل بشع وغير مبرر، لكنها تفرض نفسها من باب المقارنة لا غير…
2 – أردوغان يلعب في رقعة توتر كبرى، هي الشرق الأوسط، ولعبة توتر عقائدي هو ريادة الإسلام السني
ولعبة توتر استراتيجي هو الشرق مقابل الغرب الامريكي،
وفي رقعة مواجهة على أرض اليمن وقطر ..
وهو ما لم يكن حاضرا في عرف دوغول الذي كان يدافع في العمق عن انتهاك السيادة الوطنية الفرنسية بتواطؤات داخلية..
هناك لعبة جوهو استراتيجي لا يمكن إغفالها، مهما كانت بشاعة الجريمة، أو سببها…
ولحد الساعة لا يمكن لشبهة الحق أن تخفي صريح السياسة باستعارة تعبير جميل لأستاذنا السي محمد العمري ..
3 – بالنسبة للقاء أردوغان مع ماكرون، فهذا الأخير مثله مثل الذين يصارعون من أجل حقيقة وفاة خاشقجي، يرث جزءا من القضية حول المهدي بن بركة ، وعليه أن يكشفه إذا كان فعلا يريد لحقيقة الراهن أن تلتقي مع حقيقة نصف قرن مضى..
4 – بعد السياسة جاءت العدالة، وكما حدث في قضية المهدي بن بركة، تحولت القضية، ابتداء من اليوم، إلى ملف أمام القضاء، وهي نقطة لا بد من حصر الاختلاف فيها.
القضية المغربية- الفرنسية، أو الفرنسية -الفرنسية كما يقول بعض قادتنا الأحياء، فهي تقف الآن عند قضاة التحقيق.. وقد عرفت عشرة قضاة مروا في قضية المهدي ..
وتفاصيل ذلك معروفة للغاية، وما زالت فرنسا دوغول لا تسعف بالحقيقة في ملف كهذا..
بالنسبة لتركيا بدأت منذ أمس الأحد أطوار العدالة ، بوصول قاض للتحقيق إلى اسطنبول، لكننا منذ الآن نعرف بأن أنقرة تلح، فقط، على معرفة اسم الشريك التركي في الاغتيال!
والآن ما زال العالق هو الشريك التركي في القضية والذي تطالب به أنقرة، العاصمة التي اختفى فيها جمال وليس الرياض عاصمة البلد الذي ينتمي إليه، كما في حالة المغرب مع الرباط..حيث لا طلب سوى من دفاع وعائلة الشهيد المهدي! والثابت أن القضاة الـعشرة عجزوا عن الوصول إلى الملفات التي تملكها الدولتان .. فهل سينتهي الأمر كذلك في قضية الصحافي المغتال؟ علينا الانتظار…
5 – لقد كان الشهيد زعيم حركة وطنية تقدمية وديموقراطية قوية، وأحد القادة الوطنيين الكبار والمدافعين عن دولة بمواصفات بعينها.. وسبق الحكم عليه بالإعدام في بلاده، وكان الاغتيال تنفيذا للإعدام أكثر منه قرارا طارئا وعابرا للظروف الخاصة والعامة… وهو الشيء الذي لا ينطبق على »معارض خصوصي »، له ميولات لا تصل إلى حد التنظيم الهيكيلي الذي يقود مغامرة جماعية….

يتبع

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/10/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *