في معرض تشكيلي جماعي بالبيضاء … تشخيصية مغايرة

احتضنت إحدى قاعات العرض الخصوصية بالدار البيضاء، خلال الفترة ما بين 18 و 29 أكتوبر 2018، معرضا تشكيليا جماعيا، شارك فيه الفنانون: حميد دويب، محمد حجحوج، ابراهيم بولمينات، علي سحتوت، عبد الكريم الأزهر، حسن حشان.

خص الناقد الفني أحمد الفاسي هذا المعرض بنص تعريفي بالمجموعة، ونصوص تقرب المتلقي من العوالم الإبداعية لكل واحد من الفنانين المشاركين في هذا المعرض. وهي النصوص التي نقترح ترجمتها.
في مرحلة حيث أصبح السبق السطحي هو الذي يخلق الحدث، ولو استدعى الأمر خداع جمهور تعوزه معجزة، يمضي الفنان قدما، خانعا أحيانا، متمردا في معظم الأحايين، بل متشنجا تارة. وكما لو أن رجفة كبرياء تهزه، يعبر هذا الفنان عن ذاته من خلال صور متفردة أو من خلال أفعال يتم تقديمها كما لو كانت منجزات فنية.
انطلاقا من اللحظة حيث يصبح مسموحا بكل شيء لدى متطرفي الفن الذي ينعت بالمعاصر، أمام العين المتواطئة للهيئات الرسمية أو الأروقة التجارية، يجد الفنان، الذي يعيش الحنين للعصر الذهبي، نفسه في دوامة معضلة: هل يرد، هل يوافق، أم يصيح معلنا وفاة الفن كما يطيب للبعض أن يجهر من غير قناعة كاملة، بما أن الفن مرادف للتغيير، للتحولات المسترسلة؟
إن الإذعان، تقبل الأمر الواقع، معناه الجهل بأنفة الفنان وإصراره. في مواجهة الطروحات التي توالت لنسج التاريخ الكوني للفن، لا شيء يمنع من صياغة طرح لإلحاقه بما تقدم، صياغة تيارات إن لم نقل درب الالتبان الذي يتشكل أساسا من مبادئ جوهرية، متناغمة إلا أنها مبتكرة. على هذا النحو، وُلدت جماعة، إن لم تكن مجموعة تشكيليين مبدعين يتطلعون إلى أن يكونوا مختلفين بشكل بين، تحركهم الإرادة الحازمة للتصدي لنفي الفن، كما سلفت الإشارة، بل لمواجهة الاستسهال المُذم بالأحرى، هدفهم الإبداع المغاير.
لم يعد الأمر يتعلق بتشخيصية جديدة كرد فعل على ما يتوافق على تسميته هيمنة الفن التجريدي، أو تشخيصية متحررة ومتخلصة من الإكراهات التي يفرضها الوسيط و السناد. مثلما لم يعد الأمر يتعلق بتشخيصية تنعت بالسردية، كمعارضة لحركات الفن المعاصر. نحن هنا، وبكل بساطة، في حضرة مجموعة متجانسة حافز مكونيها الوحيد الانشغال بالتعبير عن المحسوس به، في مواجهة وضع فني مروع على الدوام، بل إنه لا يعامل الفنان بأي وقار.
بعيدا عن أي غرور أو أية انتهازية سياسية عبر الفن لمواجهة السلطات السياسية القائمة، نحن هنا، وفقط، أمام فنانين لهم رهاناتهم الأسلوبية الخاصة بهم، تبعا لنمط تفكير مختلف، تدفعهم رغبة قوية للابتكار. تحضر هنا لغة صباغية خاصة للتزاوج بشكل جديد مع التصوير الفني يتحدى المتوافق حوله والمجتر دون غض الطرف، طبعا، عن الحرفية، عن التمكن من التقنية التقليدية المعمول بها ليُدرجوا فيها رؤاهم، استيهاماتهم المعتدلة في معظم الأحيان، رغم كونها مسائلة، بل ملغزة حتى.
إنهم فنانون من المغرب تسكنهم جاذبية تربة الوطن ولو أنهم درسوا الفن أو عمقوا تكوينهم خارج الوطن، إلا أنهم يخصون بلدهم الأصلي بارتباط لا حدود له. إنهم لا يدعون التفضل باقتراح مشروع فني على صعيد البلد، ولو أن مشروعا من هذا القبيل ينقص البلد على نحو فظيع.
منذ الحركات التي عرفتها أواخر الستينيات، التي ميزتها جرأة العرض في الهواء الطلق بجامع الفنا في مراكش، جداريات أصيلا التي أطلقها المليحي وجيله من رواد الفن الحديث بالمغرب، أواخر السبعينيات؛ وخلال السنة التي تلتها تظاهرة « الربيع «، بساحة الفدان في تطوان شمال البلاد. بعدها بوقت طويل، معرض برواق باب الرواح جمع وجوه الموجة الجديدة، جيل التشكيليين الذين تحركهم إرادة الخلق، على هواهم، البعيدين عن التصنيفات الأسلوبية، إلا أنهم ظلوا منفتحين على ما بعد الحداثة من غير صخب أو تباهي. إنه خطاب أقل إطنابا من خطاب الستينيات – وهو الموضا آنذاك – حول صدمة الأصالة والمعاصرة، رافق التظاهرة التشكيلية معلنا، صمتا، عن ميول جيل من المبدعين سيعملون في ما بعد، كل واحد في برجه العاجي، على صياغة أسلوبه الخاص به، في فترة طبعتها الفرديات الكونية في الفن، خلال مرحلة انتقالية كونية، بعد الجفاف الذي ضرب غير المألوف في مجال الفن.
منذ ذلك الحين، أصبحنا نعيش انتقادا، إن لم نقل تأملا تشكيليا حمل الصورة إلى قمم العري، لكن دون سبر الأعماق أو النظر أبعد من الإيقونات المجترة. لا يمكن لتطور الفن أن يتحقق انطلاقا من مبادرات معزولة لمبدعين أو وسطاء ثقافيين. كل تطور يلزمه وعي، يقظة – على نحو ما – الفنان الذي لم يعد – التطور يفرض ذلك – ذاك الحرفي الجاهل ولا صانع الصور غير المكترث بما يحيط به.


الكاتب : أحمد الفاسي ترجمة: سعيد رباعي

  

بتاريخ : 31/10/2018

أخبار مرتبطة

أحمد الخمليشي يتميز بشخصيته الفذة التي امتزج فيها طيب الخلق بروح قيادية مستلزمة للتصرف بحكمة، مضيفا أن مكانته العلمية رفيعة

يحتضن رواق المركب الثقافي عبد الحق القادري بمدينة الجديدة، معرضا فرديا للفنان التشكيلي محمد خلافي تحت عنوان « كناوة بعيون

ينظّم بيت الشعر في المغرب وكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس، بدعم من جامعة سيدي محمد بن عبد الله والمركز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *