تعود الذكرى ولا‮ ‬يعود سيدها‮…!‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

****‬

سأكتب‭ ‬وأكتب
‭ ‬وأظل‭ ‬أكتب‭ ‬عنك
حتى‭ ‬أُحْسَبَ‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬رجعيَّا‭ ‬فيك‮..‬
سأكتب‭ ‬وأكتب،
وأظل‭ ‬أكتب‭ ‬عنك
إذْ‭ ‬لا‭ ‬تقدمية‭ ‬في‭ ‬النسيان‮..‬
‮****‬
القبر‭ ‬ليس‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬الموت،‭ ‬
ودليلي‭ ‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭ ‬
شهيدي‮…‬‭ ‬
وغياب‭ ‬القبر‭ ‬ليس‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬الحياة،
‭ ‬ودليلي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الدليل
شهيدي‮..‬
فليست‭ ‬هناك‭ ‬حياة،‭ ‬
‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬الغرابة‭ ‬المنطقية‭ ‬في‭ ‬الوجود‮..‬
‭ ‬كحياة‭ ‬المهدي‭ ‬‮..‬
ولا‭ ‬موت‭ ‬‮…‬
كموت‭ ‬المهدي‮..‬
لقد‭ ‬ظل‭ ‬المغاربة،‭ ‬وأبناؤه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الصف‭ ‬المنير،‭ ‬يتابعون‭ ‬غرابة‭ ‬المشهد‭ ‬حول‭ ‬جثته‭ ‬العالقة‭ ‬‮:‬
فلا‭ ‬هم‭ ‬تحملوا‭ ‬بشجاعة
‭‬قتله
ولا‭ ‬هم‭ ‬تحملوا‭ ‬بشجاعة‭ ‬
‭ ‬حياته‮..‬
في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬عندما‭ ‬اختطف‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المغرب‭ ‬بحيرة‭ ‬جميلة‭ ‬على‭ ‬ضفافها‭ ‬يسير‭ ‬شعب‭ ‬جميل‭ ‬نحو‭ ‬سعادته،‭ ‬كانت‭ ‬البلاد‭ ‬تتهيأ‭ ‬لأكثر‭ ‬سنوات‭ ‬عمرها‭ ‬رعبا‮… ‭ ‬لكن‭ ‬الطريق‭ ‬كانت،‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬سالكة‭ ‬كي‭ ‬تدخل‭ ‬مبادئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتقدمة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الأرجاء‭ ‬المفتوحة،‭ ‬
بين‭ ‬الحرية‭ ‬والسكين‮…‬
بين‭ ‬طريق‭‬‮ «‬الوحدة‮»‬
والحياة‭ ‬البرلمانية‮..‬‭ ‬
تعود‭ ‬ذكراه‭ ‬والبلاد‭ ‬تعيد‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬كان‭ ‬يصارع‮:‬‭ ‬التقدم،‭ ‬التنمية،‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬حكم‭ ‬الشعب‭ ‬وتربيته،‭ ‬الوطنية‭ ‬‮..‬تجر‭ ‬بطرفي‭ ‬المعادلة‮:‬‭ ‬ما‭ ‬يتبقى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬صارع‭ ‬من‭ ‬أجله..
وتجريب‭ ‬أن‭ ‬يضيع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‮..‬
قد‭ ‬يكون‭ ‬سعيدا‭ ‬لأن‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬حياته،‭ ‬أصبح‭ ‬تراثا‭ ‬مشتركا‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المغرب‮..‬
وقد‭ ‬يكون‭ ‬مذهولا،‭ ‬لأن‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المعركة‭ ‬ضده‭ ‬مازال‭ ‬قائما في‭ ‬المشروع ‬وفي‭ ‬سيادة‭ ‬النسيان‭ ‬على‭ ‬سيرة‭ ‬شعب‭ ‬بكامله‮..‬
هناك‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬أنواع‭ ‬كثيرة‭ ‬أهمها‭ ‬محاولة‭ ‬تجريب‭ ‬المغرب‭ ‬بدون‭ ‬ذاكرة‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة وتجريب‭ ‬سياسة‭ ‬بدون‭ ‬تراث‭ ‬المهدي
‭ ‬وتجريب‭ ‬بلاد‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بحركة‭ ‬التحرر‭ ‬كما‭ ‬عاشها‭ ‬المهدي‮…‬
‭ ‬وتجريب‭ ‬التعايش‭ ‬قرب‭ ‬الماضي‭ ‬بترتيب‭ ‬جديد‭ ‬للحاضر‭ ‬بما‭ ‬يجعله‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬للهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الستينيات‭ ‬‮…‬
‬لا‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬بعد‮!‬‭ ‬
يعود‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية،‭ ‬في‭ ‬محاولاته‭ ‬ممارسة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الحاضر‭ ‬وأهداف‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬للشرق‭ ‬سطوته‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والوجود‮..‬‭ ‬
في‭ ‬الحرية‭ ‬والقيود‮..‬
تعود‭ ‬الذكرى،‭ ‬والمهدي‭ ‬مفارق‭ ‬بين‭ ‬ملكين‮:‬‭‬
الراحل‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بغيابه ‬والملك‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بحضوره: في‭ ‬المصالحة‭ ‬وفي‭ ‬التمجيد‭ ‬الذكي‭ ‬لما‭ ‬قدمه‭ ‬لبلاده‮..‬ وأيضا‭ ‬في‭ ‬معركته‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬للمغرب‭ ‬ملكية‭ ‬قوية‭ ‬ حرة‭ ‬‮..‬
وذات‭ ‬سيادة‮…‬
ودولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬أكثر‮!‬
في‭ ‬ذلك‭ ‬الفارق‭ ‬الذي‭ ‬صنعه‭ ‬المهدي،‭ ‬بين‭ ‬مؤسسة‭ ‬دافع‭ ‬عن‭ ‬عودة‭ ‬ممثلها‭ ‬الشرعي،‭ ‬الملكية،‭ ‬وبين‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬صنعته‭ ‬دولة‭ ‬المخزن‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الاستقلال،‭ ‬كانت‭ ‬تكمن‭ ‬الإمكانية‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬مستقلة‭ ‬وقوية‭ ‬وذات‭ ‬مشروع‭ ‬وطني،‭ ‬وفيه‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تكمن‭ ‬المعادلة،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الملكية‭ ‬القوية،‭ ‬محط‭ ‬إجماع،‭ ‬وبين‭ ‬التقدم‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‮..‬
‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المغاربة‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬نظاما‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الملكية‭ ‬طوال‭ ‬تاريخهم‭ ‬الطويل،‭ ‬ويؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الحسن‭ ‬الأول‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬التحرير‭ ‬والتعلم،‭ ‬لكن‭ ‬النظام‭ ‬الفقهي‭ ‬السياسي‭ ‬الفيودالي‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬العكس،‭ ‬ففشلت‭ ‬تجربة‭ ‬التحرر‭ ‬لأن‭ ‬المخزن،‭ ‬ذلك‭ ‬الالتباس‭ ‬الرهيب‭ ‬في‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬النظام،‭ ‬ظل‭ ‬ضد‭ ‬التيار‭ ‬الحر‮..‬
وتعود‭ ‬الذكرى،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحزيب‭ ‬الملكية وترتيب‭ ‬علاقتها‭ ‬خارج‭ ‬الواقع‭ ‬التاريخي‭ ‬لمغاربة‭ ‬لم‭ ‬يجربوا‭ ‬شكلا‭ ‬سواها‭ ‬ولم‭ ‬يمرنوا‭ ‬المشترك‭ ‬السياسي‭ ‬خارج‭ ‬وجودها‮..‬
وخارج‭ ‬حركة‭ ‬التحرير‭ ‬
وخارج‭ ‬السيادة
‭ ‬وخارج‭ ‬الانتماء‭ ‬الواسع‭ ‬لكل‭ ‬البلاد،‭ ‬طولا‭ ‬وعرضا‮..‬
تعود‭ ‬الذكرى‭ ‬بدون‭ ‬سيدها‮..‬
‭ ‬لا‭ ‬القبر‭ ‬فيه‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الموت،‭ ‬
ودليلي‭ ‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭ ‬
شهيدي‮…‬‭ ‬
وغياب‭ ‬القبر‭ ‬ليس‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬الحياة،
‭ ‬ودليلي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الدليل
شهيدي‮..‬
فليست‭ ‬هناك‭ ‬حياة،‭ ‬
‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬الغرابة‭ ‬المنطقية‭ ‬في‭ ‬الوجود‮..‬
‭ ‬كحياة‭ ‬المهدي‭ ‬‮..‬
ولا‭ ‬موت‭ ‬‮…‬
كموت‭ ‬المهدي‮..‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/11/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *