بورتريه … إبراهيم بولمينات: تشكيل الإنساني في ماهيته المعدنية

يتبع في عمله مقاربة أصيلة، من خلال السعي إلى المتجاوز المتعمد. يهم الأمر، هنا، الإفلات من غل النموذج ولو تطلب الأمر التخلي عن فرشاته إذا لم يكن فنه يُرضي من بهم حنين للصورة الممثلة بروية.

إلا أن الفنان يقويه مساره التشكيلي يعاني حساسية ما سبقت رؤيته. خلفه معارض تيمائية وعناوين مستفزة تطبعها مظاهر جرأة بينة ورغبة مفعمة بمس الخلق الفعلي. له معارض عناوينها مستفزة ك: « هويات منفتحة « أو « آثار حياة «، وغيرها من العناوين التي تكشف عن مفاهيم تدعو بكامل الوضوح إلى التفكير. إنه مسار يحمل الكثير حول بحث بلغ حد الذهول بالجديد، بعيدا عن لوح الألوان وحامل السناد. في تجربته الأصلية، بنكب المرتد على « البورتريهات «. ومع ذلك، فاللوحة ليست مهمَلة، والشكل المرسوم يتهكم دائما من التشكيلي؛ إلا أن المرتد، الوافد، رغم ذلك، من مجال الدراسات الكرافيكية، يعلن ميوله إلى المادة. بذلك، تتوالى سلسلة أعمال تستدعي إشغال الفكر أكثر من إشغال المرجعية البصرية البسيطة. بدافع مزاجية تشخيصية، يوظف الفنان المادة القابلة للتلف أو المادة الآكلة لجعلها تُوَلد حياة أخرى. مع ذلك، لا مجال هنا للإشباع. فالأمر يتعلق بتبسيط أشكال يُدركها التشكيلي بطريقة شمولية. لا مجال للإيقونات الممكن التعرف عليها، بل هناك حضور إنساني يكاد يكون موحى به على شكل ظلال لا تزال في حالتها المعدنية. الغرض هنا بعث التأمل، الانفعال إن لم نقل الجذبة الكناوية، على سبيل المثال، والتبئير حتى، بطريقة لا تزال قابلة للإيحاء. « كل موضوع يتجاهل الإنساني يظل تزيينيا «. إيمان التشكيلي بذلك قوي كما لو كان من صلب. لذلك، فإن الشخوص الملتقطة من الخلف، والتي لا تكون سماتها دقيقة بالضرورة، تثير الانطباع بما يشبه حالة ضيق، حالة استشهاد، إلا أنها لا تكون أبدا صادمة أو هدامة.
المجال متاح هنا للتأمل غير المفرط ! لن يجد المتلقي المتعطش للعنصر الجزئي سوى سرابا وأحاسيس يكاد يكون موحى بها. دور الضوء، كما اللون القزحي في جهة من جهات اللوحة، تشويش درب الفكر الذي يعوزه الحزن. لا هي بالجميلة ولا بالذميمة، ولا هي بالتراجيدية أيضا، رغم الانطباع المنبعث من أشباه بورتريهات تربك، إلى حد ما، العين التي يعوزها التصنيف. سبق للتشكيلي توظيف الكولاج؛ استخدم النار كما استخدم البصمة. إنه المنفذ الذي يتجاهل الحدود بين التقنيات، إلا أنه يلجأ إليها لبعث ماهية اللون أو الضوء كما لو كان مُذهبا أحيانا.لا يتردد إبراهيم بولمينات في استغلال الأسود البترولي ومفارقة الثراء / البؤس لخلق رجة في الضمائر عديمة الإحساس. إنه الشغف المُعقلن لخَيؔر يعرض مسلمة: تمازج الكائن البشري بخيباته و تطلعاته.


الكاتب : أحمد الفاسي / ترجمة: سعيد رباعي

  

بتاريخ : 05/11/2018