‭ ‬لا‭ ‬تعلموا‭ ‬أبناءكم‭ ‬‮,‬تعلموا‭ ‬منهم‮!‬ ‭ ‬إنهم‭ ‬يعلمونكم‭ ‬ركوب‭ ‬الممكن‭ ‬لا‭ ‬المستحيل‮..‬.

عبد الحميد جماهري

 

لنقلها‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬اتفاقا‭ ‬لا‭ ‬نفاق‭ ‬فيه‮:‬
‭ ‬الحكمة‭ ‬اليوم‭ ‬تقتضي‭ ‬بأن‭ ‬نتعامل‭ ‬بتؤدة‭ ‬وتأن‭ ‬مع‭ ‬غضب‭ ‬التلاميذ،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يلتحق‭ ‬بهم‭ ‬أهاليهم،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات،‭ ‬فوقع‭ ‬الذي‭ ‬وقع،‭ ‬والذي‭ ‬لزم‭ ‬المغرب‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬لكي‭ ‬يملك‭ ‬الشجاعة‭ ‬لإخراجه‭ ‬من‭ ‬الأرشيف‭ ‬الدامي‭ ‬للأمة‭ ‬ومن‭ ‬ذاكرتها‭ ‬المثخنة‮.‬
ولنقلها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬الثانية‭ ‬‮:‬
للذين‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الغضب‭ ‬التلاميذي‭ ‬أياد‭ ‬خفية،‭ ‬وجهات‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقوض‭ ‬المعنويات‭ ‬الوطنية‭ ‬أو‭ ‬محبي‭ ‬حرائق‭ ‬يعشقون‭ ‬النفخ‭ ‬في‭ ‬النار،
نقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المقدمات‭ ‬غير‭ ‬الموفقة،‭ ‬وهي‭ ‬المقدمات‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يدخل‭ ‬منها‭ ‬شيطان‭ ‬الفتنة،‭ ‬تحت‭ ‬لبوس‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العام
‭ ‬وعلى‭ ‬السلم‭ ‬العام‭ ‬وعلى‭ ‬المغرب‭ ‬‮…‬العام‮!‬
إنه‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬جواب‭ ‬قديم‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬جديد‭ ‬
وجواب‭ ‬بارد‭ ‬على‭ ‬حرارة‭ ‬جديدة
وخوف‭ ‬متجاوز‭ ‬على‭ ‬سلاسة‭ ‬جديدة‮..‬
نحن‭ ‬أمام‭ ‬غضب‭ ‬تلاميذي،‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬جدول‭ ‬الأبجديات‭ ‬القديمة‭ ‬للتعريف‭ ‬عن‭ ‬نفسه‮:‬
فهو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬مزاج‭ ‬يعتري‭ ‬الكثيرين‭ ‬منا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يخترق‭ ‬الفئات‭ ‬والطبقات‭ ‬بهذا‭ ‬القدر‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬‮..‬
‭ ‬والواضح‭ ‬أنه‭ ‬تعبير‭ ‬يرافق‭ ‬الشعور‭ ‬العام‭ ‬إزاء‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنية‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬جميعا:نحن‭ ‬نرى‭ ‬الغضب‭ ‬ينضاف‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬يأس‭ ‬من‭ ‬مستقبل‭ ‬التعليم‭ ‬ومن‭ ‬تراجعه‭ ‬ومن‭ ‬عجزه‭ ‬الذي‭ ‬يقر‭ ‬به‭ ‬الجميع‭ ‬ونجرب‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التجديد‭ ‬والتفكير‭ ‬والمواقف‮.‬
لا‭ ‬أحد‭ ‬يمكنه‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬التربية،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬الجميع‭ ‬يرسم‭ ‬لها‭ ‬لوحة‭ ‬أو‭ ‬سبورة‭ ‬كاملة‭ ‬السواد‮.‬
وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يحرك‭ ‬التلاميذ،‭ ‬ويبحثون‭ ‬بالغضب‭ ‬عن‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الساعة‭ ‬توقيتا‭ ‬لضبط‭ ‬زمن‭ ‬آخر‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬وتشابكا‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬والخروج…‬‭
الجيل‭ ‬الذي‭ ‬غضب‭ ‬من‭ ‬دورية‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬السابق‭ ‬عباس‭ ‬التعارجي‭ ‬وخرج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬احتقان‭ ‬سياسي‭ ‬واجتماعي‭ ‬رهيبة،‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬فسحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنية‮…‬،‭ ‬وربما‭ ‬غضب‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬سيحرم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفسحة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للارتقاء‭ ‬وتغيير‭ ‬الأقدار‭ ‬الفردية،‭ ‬وهو‭ ‬عكس‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬يصادفه‭ ‬اليأس‭ ‬منذ‭ ‬العتبة‭ ‬الأولى،‭ ‬إلا‭ ‬بنسب‭ ‬قليلة‭ ‬نعرفها‭ ‬جميعا‮..‬
نحن‭ ‬مجتمع‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬قدر‭ ‬آخر‭ ‬للتلميذ‭ ‬والتلميذة‭ ‬بالتربية،‭ ‬ونعلن‭ ‬له‭ ‬ذلك‭ ‬صباح‭ ‬مساء،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعاتبه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬غضبه‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬نملك‭ ‬الرد‭ ‬والقرار‭ ‬فيها‮…‬‭.‬
يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مدينين‭ ‬لهم‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يخرجوا‭ ‬لكي‭ ‬يعلنوا‭ ‬أنهم‭ ‬يكرهون‭ ‬مدرستنا
‭ ‬ويكرهون‭ ‬سياستنا
‭ ‬ويكرهون‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬نعده‭ ‬لهم
يجب‭ ‬أن‭ ‬نشكرهم‭ ‬لأنهم‭ ‬خرجوا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوقيت‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المستقبل‭ ‬كله‮!‬
إنهم‭ ‬يلعبون‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬فقط،‭ ‬فلا‭ ‬تذكروهم‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أخطر‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أشرس‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أصعب،‭ ‬وأنتم‭ ‬تتحدثون‭ ‬لغة‭ ‬العفاريت‭ ‬الجدد ‬والساحرات‭ ‬الجديدات‮..‬
لا‭ ‬تعلموا‭ ‬أبناءكم،‭ ‬بل‭ ‬تعلموا‭ ‬منهم‭ ‬الآن،‭ ‬كيف‭ ‬يمكنهم‭ ‬أن‭ ‬يردوا‭ ‬عنهم‭ ‬التهمة‭ ‬بأنهم‭ ‬لا‭ ‬يأبهون‭ ‬للدراسة‭ ‬ولا‭ ‬لظروف‭ ‬الدراسة‮..‬
وأنهم‭ ‬غير‭ ‬معنيين‭ ‬بما‭ ‬يمسهم‮!‬
إنهم‭ ‬هنا،‭ ‬ليذكرونا‭ ‬بأن‭ ‬التلاميذ‭ ‬ليسوا‭ ‬كتلة‭ ‬بلا‭ ‬إحساس‭ ‬‮..‬
‬وأنهم‭ ‬واقعيون‭ ‬للغاية،‭ ‬عندما‭ ‬يطالبوننا‭ ‬بأن‭ ‬نغير‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نغيره‭ ‬لا‭ ‬أكثر‮!‬
إنهم‭ ‬يعلموننا‭ ‬ركوب‭ ‬الحاضر
‭ ‬وركوب‭ ‬الممكن‭ ‬لا‭ ‬المستحيل‮..‬
‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نقدم‭ ‬الدراسة‭ ‬حول‭ ‬التوقيت‭ ‬لجيل‭ ‬الدراسة
فلمن‭ ‬سنقدمها؟
‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نقنع‭ ‬بالدراسة‭ ‬تلاميذ‭ ‬الدراسة‭ ‬
فمن‭ ‬سنُقنع‭ ‬بها؟
‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تدخل‭ ‬الدراسة‭ ‬فصول‭ ‬الدراسة
‭ ‬فلأي‭ ‬شيء‭ ‬تسمى‭ ‬دراسة؟
أيها‭ ‬السادة‭ ‬لا‭ ‬تعلموا‭ ‬أبناءكم،‭ ‬بلغتنا‭ ‬المألوفة‭ ‬والراجفة،‭ ‬ما‭ ‬لستم‭ ‬مقتنعين‭ ‬به،‭ ‬بل‭ ‬تعلموا‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينفعنا‭ ‬جميعا‮‬‭!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/11/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *