حميد الزاهر بين القرصنة الفنية والوعكة الصحية

“اليوم يرقد فنان الشعب في بيته عليلا مكلوما وحيدا إلا من أفراد أسرته الصغيرة..إنها مأساة أن تكون فنانا أحيانا في هذا الوطن!”.
بهاته الكلمات وصف عبد الواحد ابن ياسر، الأستاذ الجامعي والناقد المسرحي المغربي المقيم بمراكش، من خلال مكالمة خص بها جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، حالة الفنان المغربي حميد الزاهر الذي يمر بوعكة صحية حاليا.
وقد منح ابن ياسر، في إطار الشهادات التي استقتها الجريدة، مؤخرا، حول الفنان حميد الزاهر، بعضا من آرائه حول هذا الفنان المراكشي ومساره، والتي أغنى بها هذا الناقد والممثل المسرحي، رصيد الشهادات التي قيلت في حق الزاهر.
صرح ابن ياسر بأن حميد الزاهر يكاد يتفرد بلون غنائي ونمط أدائي، لم يسبقه إليه غيره، ولم يعهده الغناء الشعبي المغربي من قبل، كما لم يعرف له منافس ثان في نمطه، فاللون الغنائي الذي أبدع فيه الزاهر، يقول دائما الأستاذ الأكاديمي، جاء مختلفا عن بقية الأنماط الشعبية التي ظل المغاربة يتداولونها في حفلاتهم وأفراحهم وطقوسهم الدينية والاحتفالية.
اللون الغنائي الذي يتميز به حميد الزاهر، ليس لا بالعيطة ولا بالملحون ولا بالطقطوقة ولا بالرگادة ولا بالأندلسي، بل تكاد تتقاطع فيه كل هذه الأنماط والأصناف أو بعض منها. وانطلاقا من ذلك برز شكله المتفرد، كما أن لونه ليس مجرد أداء غنائي فحسب، إذ لا يخلو من أبعاد وسمات فرجوية كما يمارسها اليوم عبيدات الرمى في عروضهم، ويظهر ذلك جليا في الميزان/ الموازين التي كانت تتفنن فيها الفرقة المرافقة له (قنبر، كعير..وغيرهما).
ووصف ابن ياسر، أيضا، حميد الزاهر ب “فنان الشعب العصامي” الذي تخرج من ” الساحة الخرافية”، التي نعتها، ذات يوم، الشاعر أدونيس ب” الفضاء المشحون بكهرباء الذكرى”، ألا وهي الساحة العالمية “جامع الفناء”، فضلا عن ذلك فقد تأثر بفنون الحكي التلقائي الشعبي الذي يتميز به مسقط فنه، مراكش، بحيث يبدو ذلك جليا في أغلب أغانيه مثل “للا زهيرو”، للا فاطمة، “أش داك تمشي للزين” أنا عندي ميعاد”…وغيرها من أغانيه الخالدة.
لحميد الزاهر شعبية كبيرة منذ بداياته الأولى في ساحة جامع الفناء، وفي هذا الصدد يتذكر ابن ياسر بأنه وقف شاهدا منذ أكثر من نصف قرن، أثناء طفولته، كيف كانت النسوة تتزاحمن، في مدينة تقليدية محافظة، على دخول الخيمة التي كان يقدم داخلها الفنان عروضه الغنائية بمقابل مادي زهيد.
يؤكد ابن ياسر كذلك أن النقلة المهمة في حياة حميد الزاهر الفنية، هي تلك التي ارتبطت بأدائه لأغنية “أ مراكش أسيدي كلو فارح بيك” والتي تزامنت مع أول زيارة للملك الراحل الحسن الثاني للمدينة بعد وفاة والده وتوليه العرش، ومن لطائف هاته الزيارة يردف ابن ياسر، اكتشاف قرابة عائلية لوالدته مع إحدى سيدات دار المخزن، حسب ما راج آنذاك وفي ما بعد.
وأضاف ابن ياسر متأسفا، بأن أغاني حميد الزاهر تتم قرصنتها اليوم في أكثر من موقع وموضع وفضاء، في السيتكومات والمسلسلات التلفزية والأغاني الشبابية وفي الملاهي الليلية وفي الحانات، دون حسيب ولا رقيب، وتحت إهمال ولا مبالاة القائمين على حماية حقوق الملكية الفكرية والفنية.
تكاد تتقاطع أغلب أراء ابن ياسر مع الشهادات التي أدرجتها الجريدة في مقال سابق حول الفنان المراكشي، والتي عكست من خلالها أفكارا تطمح لتدوين رصيد الفنان الفني بالنوتة وتحفيظه، ومنها أصوات دعت له بطول العمر وأشادت بعطاءاته.
الإعلامي والشاعر الغنائي محمد الصقلي، من خلال نفس المقالة السابقة، تقاسم مع الأستاذ ابن ياسر رأيه في كون حميد الزاهر ‘فنان الشعب” وكونه يتفرد في لونه الغنائي الذي يتمتع أيضا بشكله الفرجوي .
هذا وفي انتظار أن تتم تلبية مطالب أغلبية المغاربة من جمهور عادي أو متخصص أو أكاديمي أو فني، في تدوين وتحفيظ التراث الغنائي لحميد الزاهر كآلية من آليات “ثقافة الاعتراف” التي تتميز بها كل دولة تحترم أبناءها المبدعين وروادها، كل في ميدانه، يتشارك العديد من المغاربة في الرغبة في تحقيق آلية أخرى من آليات ثقافة الاعتراف هاته، والتي لا تقل أهمية عن الأولى بل أشدها احتراما للمبدع، ألا وهي تمكين هذا الفنان من المرور من هاته الوعكة الصحية في ظروف ملائمة لمكانته في قلب جمهوره ومناسبة لمقام رصيده الفني الذي خلده.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 26/11/2018