يوسف شيهاب الأستاذ في جامعة باريس السوربون: الفرنسيون من أصل مغربي أصبحوا مدركين لدور الذاكرة

احتفلت فرنسا منتصف هذا الشهر، بالذكرى المئوية لإنهاء الحرب العالمية الأولى، التي شارك فيها آلاف الجنود المغاربة ، لكن هذه الذكرى ما زالت “منسية”. طرحت جريدة الاتحاد الاشتراكي السؤال على الدكتور يوسف شيهاب أستاذ في جامعة باريس السوربون، الذي اشتغل على ذاكرة الحرب، ونشر “وثيقة استقلال المغرب: الرجال والأقدار والذاكرة؟”.
في هذه المقابلة ، يطرح مسألة الجنود المغاربة، وذاكرة مشاركتهم في الحرب الكبرى، بعد مرور قرن كامل على نهاية الحرب العالمية الأولى.

 

اليوم تحتفل فرنسا بالذكرى المئوية لإنهاء الحرب ، هل ذكرى الجنود المغاربة في هذه الحرب مازالت دائماً “منسية” كما سبق أن أشرتم إلى ذلك في كتابكم الأخير “وثيقة استقلال المغرب: رجال وأقدار وذاكرة”؟

سؤالك يشير إلى قلق عميق ، في كل من فرنسا والمغرب. فرنسا، تحيي المغاربة، الذين سقطوا على ميدان الشرف، بشكل محتشم، لأن تكريم جنود المستعمرات، أمر يفترض أن الإمبراطورية الاستعمارية موضع تساؤل. الذاكرة هي دائما هندسة متغيرة، والشعوب ليست متساوية أمام ذلك. من ناحية أخرى، فإن المغرب متردد في الإشادة بهؤلاء الجنود بشكل عام، جيش الكوم على وجه الخصوص. لا يوجد تذكار باسمهم. لقد ماتوا من أجل قوة استعمرت المغرب. ونتيجة لذلك ، وبالمعنى الاثني للذاكرة والتاريخ. كتبت وألقيت محاضرات حول هذا الجرح الذي لم يلتئم أبداً، بسبب عدم إعادة الاعتبار والاعتراف من طرف البلدين، اللذين مازالا منغلقين في العقيدة الدوغمائية التاريخية الايديولوجية ومنطق الدولة.

يهتم شباب الجيل الثاني والثالث من المغاربة في فرنسا بهذه الذكرى، ويسعون إلى تكريمها بالعمل على إبرازها وتشكيل الجمعيات. اليوم، هل تأخذ السلطات العمومية في فرنسا هذه الخطوات في الاعتبار؟

فرنسا تتحرر من هذا الثقل مع مرور الوقت. هناك مليونان من الفرنسيين من أصل مغربي، لهم تأثير على المستوى السياسي والانتخابي. اغتنمت فرنسا هذه الفرصة، لتسريع مشروع التكامل والاندماج لدى الجيل الثالث. نحن نشهد انتشار الجمعيات التي تسعى من أجل إعادة الاعتبار لذاكرة أجدادهم. تم تنظيم العديد من الفعاليات بالمناسبة. لقد مر قرن منذ ذلك الحين. لقد أصبح الفرنسيون من أصل مغربي مدركين لدور الذاكرة، خاصة مشاركة أجدادهم في الحرب الكبرى،مثلما حدث في ذاكرة محرقة اليهود الذين تمت إبادة أبنائهم في معسكرات الاعتقال. وتحاول السلطات تحسين هذه الذاكرة لتعزيز التماسك الوطني الذي يقوضه الإرهاب، التطرف والطائفية.

المغرب يكرم مقاتلي المقاومة والجنود الذين قاتلوا الاستعمار الفرنسي للمغرب. لكن أولئك الذين تم تجنيدهم في الجيش الفرنسي، هل لديهم مكان في الذاكرة المغربية؟

سؤالك معقد وفقا لمبدأ أخلاقي، المغرب يكرم جنود المقاومة ضد الاحتلال، وهو أمر طبيعي ومشروع. ومع ذلك، فإننا ننسى أنه بأمر ومباركة السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم، شارك المقاتلون المغاربة في الجيش الفرنسي. إنهم ليسوا خونة، ولا “حركة” ولا متمردين، بل هم مقاتلون شجعان. شعورالإحراج أو الرقابة على هذه الحقبة التاريخية، وهذه المأساة الإنسانية هي مكشوفة في تاريخ المغرب، تاريخ الحماية يصطدم بشكل مباشر مع الذاكرة.
عندما تزور مقابر الجنود في فردان او كومبيان أو في البلدات الصغيرة في منطقة الاردين ، الصمت المقدس يشلك. كل عام يأتي ولاة الجمهورية للترحم على مقابر جنود كتب عليها رمز الإسلام “لله أكبر”. المواطنون الحاضرون لهذا الاحتفاء يتأثرون لسماعهم سورة الفاتحة التي يتلوها رجل دين مسلم… ..في بلد علماني، هو حدث نادر واستثنائي يجب التأكيد عليه لسوء الحظ. في المغرب آلاف القتلى من الجنود المغاربة المشاركين في الحرب العالمية، ليس لهم مكانة صغيرة في الذاكرة الوطنية. هذه هي المفارقة غير المريحة لبلد يجد صعوبة في الاعتراف بتاريخه، أو يمارس عليه الرقابة أو يقوم بتحريفه.

هذا الأسبوع، أعرب رئيس الجمهورية عن قلقه إزاء صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وقارن الوضع الحالي بالوضع في القارة في عقد الثلاثينيات، هل تعيد أوروبا إحياء تاريخها، وهل خطر الحرب في أوروبا أصبح قائما بكل عواقبه على المنطقة؟

الرئيس إيمانويل ماكرون، هو رئيس دولة شاب. لقد تم طرد شبح الحرب الشاملة في أوروبا من قبل الجنرال ديغول وخلفائه. لكن في خمس سنوات الأخيرة، تعرف أوروبا موجة لصعود اليمين المتطرف (المجر، النمسا، بولندا، إيطاليا وألمانيا). التحول ليس بعيدا. وفي الوقت نفسه، وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وخروج المملكة المتحدة من أوروبا، بوتين وشبه جزيرة القرم … كلها أمور تجعلنا نخشى إحياء الشياطين القديمة الفاشية ،القومية والشعبوية، وهي كلها إشارات تعلن الفيضان الكاسح نحو تربة القارة العجوز.

مع الارتفاع الحاد في الأيديولوجيات الفاشية، وتيارات كراهية الأجانب في إيطاليا والمجر والنمسا وألمانيا وفرنسا، ألا يبدو أن أوروبا قد نسيت فظاعات الحرب العظمى؟

لا أعتقد أن أوروبا لعام 2018 هي نفسها في عام 1918. على المستوى الايديولوجي، حركات اليمين المتطرف في أوروبا تتغذى على كراهية الأجانب والخوف من الإسلام، والخوف من البديل، وموجة المهاجرين غير المتحكم فيها، وأزمة الهوية … ولكن في عام 1918، ما يغذي صعود الأيديولوجيات المتطرفة، هو صراع الامبراطوريات، عدم وجود أسلحة نووية، وغياب مؤسسات لضبط (مثل الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، حلف شمال الاطلسي …).
إن ما يخافه المحور الفرنسي الألماني، هو تزايد الأزمة الاقتصادية التي تستمر و / أو تفكك الاتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو. ووضعية الإسلام بأوربا، وهي أيضاً عامل مكلف للديمقراطيات في ضوء الإرهاب الاسلاموي، الذي أدى إلى 965 قتيلا في أوروبا الغربية في غضون ست سنوات الأخيرة.
مثل هذا التهديد، يوقظ رد فعل سياسة الجدران، للدفاع عن النفس، ضد المخاطر الجديدة، التي يصعب التنبؤ بها أو تحديد معالمها. ومع ذلك، في أوروبا، توجد ضوابط للحماية ولاحتواء عودة الشمولية إلى تهديد الديمقراطية. المجتمع المدني ، الروح المقدسة للديمقراطية والتاريخ (1914-1918 و1939-1939) كلها اعتبارات للحماية من عودة الفاشية إلى القارة العجوز…


الكاتب : إلتقاه بباريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 27/11/2018