في الجلسة الختامية للمؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة : «ميثاق مراكش» تصور واضح لقضية الهجرة في العالم وخطوة أولى للتعامل معها في إطار التعاون الدولي

أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، أول أمس الثلاثاء، في الجلسة الختامية للمؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة المنظم من قبل الأمم المتحدة يومي 10 و11 دجنبر بمراكش، أن المصادقة على الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة المنظمة والمنتظمة إذا كانت تشكل خطوة أولى، فهناك مرحلة هامة أخرى يتعين اجتيازها، وتتمثل في تفعيل الالتزامات المتخذة في إطار الميثاق على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، مستحضرا الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في أشغال المنتدى التي تنطلق من السياسة الوطنية التي وضعها جلالة الملك لقضايا الهجرة منذ 2013، وترتكز كذلك على الدور القيادي الإفريقي الذي أعطاه القادة الأفارقة لجلالة الملك لوضع استراتيجية إفريقية للهجرة التي تم اعتمادها خلال القمة الإفريقية الأخيرة.
وقد تضمنت الرسالة الملكية إشارات قوية بشأن كيفية التعامل مع قضية الهجرة التي تحتاج لتعاون دولي، كما أن الرسالة الملكية تعتمد أيضا على تصور واضح للقضية للتعامل معها في إطار التعاون الدولي، ويبقى التحدي بالنسبة لهذا المؤتمر، هو إثبات مدى قدرة المجتمع الدولي على التضامن الجماعي والمسؤول بشأن قضية الهجرة، مؤكدا جلالته أن الميثاق الدولي حول الهجرة وثيقة سياسية تعد مرجعية بالنسبة للدول، بغية استلهامها في وضع سياسات وطنية ووضع إطار للتعاون الدولي.
هذا، وقد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بقرار جلالة الملك محمد السادس استضافة المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة بمراكش الذي دعت إليه الأمم المتحدة لاعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة رسميا، مؤكدا أن اعتماد الميثاق العالمي في مراكش سيكون “لبنة تاريخية للتعاون الدولي”، حيث يمثل الميثاق “فرصة فريدة لتحسين هذا التعاون في مجال الهجرة ولتعزيز مساهمة المهاجرين والهجرة في التنمية المستدامة”.
وعبر غوتيريس لجلالة الملك، خلال استقبال جلالته له بعد ظهر أول أمس الثلاثاء بالقصر الملكي بالرباط، عن امتنانه بخصوص التنظيم الناجح بالمغرب للمؤتمر الحكومي الدولي من أجل المصادقة على الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة، والذي تميز بالمصادقة على “ميثاق مراكش”، وأبرز المكتسبات التي حققتها المملكة في مجال حقوق الإنسان، ودورها البناء على مستوى التعاون جنوب -جنوب، وفي تنفيذ أجندة 2030 من أجل التنمية المستدامة والتغيرات المناخية.
وكانت قد تمت الإشادة بالميثاق العالمي حول الهجرة، الذي سيمكن من تحقيق خطوة حاسمة على درب تحسين معيش 250 مليون مهاجر عبر العالم، باعتباره وثيقة شاملة تروم تدبيرا أفضل للهجرة الدولية والرفع من تحدياتها وتعزيز حقوق المهاجرين، والمساهمة في الوقت نفسه في تحقيق التنمية المستدامة، حيث أبرز المشاركون في المنتدى أن اعتماد هذا الميثاق، الذي ينسجم مع الجهود المهمة الرامية إلى الاستجابة لأجندة 2030 للتنمية المستدامة، يشكل مرحلة مهمة في الجهود الدولية الرامية لإرساء إطار دولي للتعاون حول الهجرة، مسجلين أن الوثيقة تأتي استجابة لضرورة اعتماد مقاربة شمولية متعددة الأطراف متشاور بشأنها، وملموسة ومنسجمة في مجال الهجرة، واعتبروا أنه أيا كانت الإرادة أو الموارد المعبأة، فإنه ليس بمقدور أي دولة أو منظمة دولية أوفاعل من المجتمع المدني مواجهة التحديات التي تطرحها حركات الهجرة بشكل منفرد، ومن ثم تظهر الحاجة لإيجاد جواب شامل ومنسق ومتكامل ومتعدد الأطراف قائم على احترام وحماية الكرامة الإنسانية.
وأوضحوا أن هدف الميثاق العالمي، الدي يشكل اعتماده مرحلة حاسمة لمعالجة القضية المعقدة للتدفقات المتزايدة للهجرة عبر العالم، والتي تتزايد صعوبة التنبؤ بها، لا يتمثل في تشجيع أو وقف الهجرة، بل العمل على جعل تدفقاتها أكثر تنظيما، والحرص على تقديم الخدمات العمومية لفائدة المهاجرين حتى يستفيدوا من حقوقهم دون تمييز، مضيفين أن الميثاق يحترم سيادة كل دولة، بشكل يمكن هذه الأخيرة من اختيار الهدف الذي يتعين التركيز عليه، وكذا المراحل التي يجب قطعها من أجل تحسين سياستها في مجال الهجرة، في توافق مع ظرفيتها، سواء كانت بلدان الأصل أو العبور أو الوجهة.
وفي هذا الصدد، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، خلال ندوة صحفية أعقبت اختتام المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة إن “ميثاق مراكش يعد مؤشرا بالنسبة للدول وأرضية للتعاون الدولي، إنه يشكل نموذجا لمقاربة شمولية، وجهدا جماعيا يضطلع فيه كل طرف بدوره”. ويتعلق الأمر – حسب بوريطة- بحوار صريح وبمقاربة شمولية من أجل هجرة منظمة في مختلف أبعادها، داعيا إلى إحداث أوجه تكامل بين التنمية والهجرة وتحقيق إمكانيات الهجرة.
وأوضح أن اختيار المغرب لم يأت صدفة بل لأنه منخرط كليا في إطار مبادئ الميثاق، التي تتقاطع مع رؤية جلالة الملك محمد السادس، والتي تعكسها الأجندة الإفريقية للهجرة، مبرزا من جهة أخرى، السياسة الوطنية للهجرة التي أظهرت نجاعتها على أعلى مستوى، مسجلا أن هذا الميثاق يندرج بشكل كامل ضمن روح السياسة المغربية للهجرة.
ويقدم الاتفاق العالمي، وهو وثيقة نهائية ومتفاوض بشأنها على المستوى الحكومي، تحمل عنوان “الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة”، ويعد ثمرة مفاوضات حكومية انعقدت تطبيقا لقرارها رقم 71/280، وتمت المصادقة على الوثيقة في 13 يوليوز الماضي من قبل الدول الأعضاء تحت رعاية الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تطبيقا للقرار رقم 71/280، خلال الجلسة التي أشرف على تسييرها كل من خوان غوميث كاماتشو (المكسيك) ويورغ لوبر (سويسرا)، طبقا لمقتضيات الفقرة السادسة (ب) من القرار رقم 72/244، يقدم رؤية شاملة جامعة للهجرة الدولية، ويسلم بأن هناك حاجة إلى نهج شامل لتعظيم الفوائد العامة للهجرة، مع معالجة المخاطر والتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمعات في بلدان المنشأ والعبور والمقصد.
ومن جانبها، سجلت الممثلة الخاصة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للهجرات الدولية، أن ميثاق مراكش سيظل مرجعية بالنسبة لكافة المبادرات المستقبلية المتعلقة بالهجرة، مضيفة أن المصادقة عليه تأتي لتأكيد القيم والمبادئ التي يستند إليها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مبرزة أن الوثيقة ترسي أسس مرحلة جديدة في مسلسل تدبير قضية الهجرة، وذلك في إطار يحترم السياسات الوطنية للدول وكذا سيادتها، معتبرة أن البلدان المصادقة على الميثاق، الذي يصب في مصلحة كافة المتدخلين، اتفقت على بلورة أرضية محورية ملائمة كفيلة بتمكين تدبير أفضل لظاهرة الهجرة، التي أضحت على مر السنوات واقعا يفرض نفسه.
وأكدت أن ميثاق مراكش سيساهم في تعزيز الأمن، وتقليص المخاطر التي يواجهها المهاجرون كما سيعمل على تقوية الحركية، داعية كافة المتدخلين إلى مواصلة الاضطلاع بدور حيوي في إطار من التعاون والتدبير الاستشرافي، كما دعت البلدان “المترددة”، إلى مراجعة موقفها إزاء الميثاق العالمي من أجل الهجرة.
وفي هذا السياق، اعتبرت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة ماريا فرناندا إسبينوسا غارسيس أن المرحلة الثانية لميثاق مراكش تتمثل في اجتماع الجمعية العامة بنيويورك في 19 دجنبر المقبل حيث سيعرض على هذا المحفل بهدف إرساء آليات مراقبة تنفيذه، مشددة على ضرورة تضافر الجهود وتعزيز التناسق والتعاون الدولي لتنزيل مضامين الميثاق، باعتماد مقاربة شاملة تغطي كل جوانب ظاهرة الهجرة، داعية كل الدول إلى تقاسم مضامين الميثاق مع مجتمعاتها المدنية، مبرزة أن تبني الميثاق على المستوى الوطني سيكون السبيل الأفضل لتنفيذه.
وعرف المؤتمر الحكومي من أجل المصادقة على الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، الذي يحمل مبادئ وقيم تهم بالأساس حماية حقوق الإنسان لفائدة المهاجرين وصيانة كرامتهم دون المساس بالسيادة الوطنية للدول، كما يحفل بالمقترحات لمساعدة الدول المعنية بالهجرة لمقاربة هذه الظاهرة وفق أنجع الأساليب، جلسات للنقاش بمشاركة وفود تمثل أزيد من 150 دولة عضوا، فضلا عن أزيد من 700 شريك، بما في ذلك ممثلون عن المجتمع المدني والقطاع العام ومهاجرون، تناولت فرص الشراكات المبتكرة وإمكانيات التعاون والمبادرات الشاملة مع الحكومات.


الكاتب : مراكش: يوسف هناني

  

بتاريخ : 13/12/2018