يا إلهي لا تترك توبقال بلا ملائكة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

استغل الوحش الإرهابي غفوة بسيطة من طرفنا،
ولحظة استرخاء إنسانية وغفلة من السائحتين، لكي يذبحهما من الوريد إلى الوريد .
لا شك أنه كان يشحذ جهالته على حجر منذ مدة
وكان يعرض روحه الخراب لسيل الإيديولوجيا المتخلفة منذ فصول
لا شك أنه ينام في الكتب
وفي الخطب
وفي الشبكات
وفي الفجوات المعتمة من روح جماعية صقلتها الدعوات..
لكنه مع ذلك،
ككل الوحوش، اختار الغاب، لكي يسرع بنحر الطالبتين الأجنبيتين الآمنتين، ويعوي بكل كراهيته للبشرية
ولبلاده وأهلها
وللدين كله…
وكانت الطالبتان قد استأمنتا بلادنا على روحيهما، حتى أنهما معا، نامتا في الهواء الطلق وما من دليل سوى حبهما للبلاد التي جاءا إليها، هذا الوحش قام بغارة كي يقول إن البلاد على خطأ عندما تركته
رمشة عين
رمشة سكين…
فهو لا يسدل غريزته القاتلة، ولو لحظة، ويتلصص على أول فجوة في اليقظة البشرية لكي يستل سيفه
ومديته وحيوانيته ويغرز الكل في الجسد المسجى …
وكانت الضحيتان قد شمرتا روحيهما للحياة
الإنسانية في رحاب الصدى
بلا دليل
ولا رفقة
بكل طمأنينة، لم تخطئا سوى بأنهما لم تضعا في الحسبان وجود القاتل الوحشي في أدغال الجبل المبارك..
وفي ملكوت لله الواسع بجبل توبقال..
جاء الوحش ليؤكد أن الاسترخاء، ذلك الشعور المصاحب دوما للاستقرار والأمن، ليس من حقنا بشكل دائم ومطلق، بل قد تكون البلاد كلها فخا مفتوحا لأمثاله..إذا ما نحن تركناه يطبَّع مع الطمأنينة!
قد تكون الجريمة التي وقعتها «داعش» آخر جرائمها وهي تتساقط في الشرق وشمال إفريقيا المعتادة، وتريدها الأولى على صفحات المغرب
وعلى عنقنا الممدود كفا إلى لله…
كان الوحش “ضروريا”، لكي نقتنع مجددا بأن العمل الذي نقوم به في هذه البلاد، لا بد منه ولا تراخي فيه،
وهو ضروري بدوره في مواجهة الوحش الذي يغير وجوهه، لكن هدفه في الترويع واستنبات الرعب في البلاد يظل هو نفسه…
– الذين اطمأنوا إلى أن الإرهاب مسألة قد تسوغ ترف الكسولة، من قبيل هل كل هذه الخلايا موجودة، إليهم الفظاعة كدليل
وإليهم الرعب كحجة
وإليهم الوحشية
كجواب..
نحن بالفعل في فوهة الدم الجبان،
ونحن على مرمى جثتين من الجحيم
في كل ساعة وكل حين..
وأننا دوما على مسافة قصيرة من القيامة.
للأسف، نحتاج أحيانا إلى مأساة وحشية، لكي تسكت بعض الشكوك المتعالمة على جسم بلادها.
نحن الآن في هذا الرعب، لكي تصدقوا بأنه موجود..
إلى حين تنسوا أيها السادة وتستأنفوا اجتهادكم البغيض حقا..
– من سوء حظ الضحيتين،
أنا نواسي جنونا فينا
بجنون منهم!
فيا شعوب الإسكندناف الجميلة
والطيبة
والهادئة
عفوا إن كنا
نواسي أنفسنا، ببعض بداهة، بجنون واحد منكم!
بيهرينغ بريفيك الذين أطلق النيران عليهم
وأقرّ بقتل 69 شخصاً في مخيم للشباب في جزيرة أوتويا في 2012..
هذا الجنون يُواسى بجنون سبقه…
والموت سيد الرايات المتطرفة
كانت من هنا
أو من هناك…
ومن شدة النكد أننا نواسي الجنون بالجنون..
ونحن بالكاد نتعافى من سكاكين
وقنابل نخرتنا..
– يا إلهي لماذا يكون منا هؤلاء..
ولماذا يكون هؤلاء منا..
هل يعقل بأن هذا الباطل
خلق ديني؟
ابدا،
يا إلهي، ليس لنا نبي ينزل
معنا قعر هذه البئر المعتمة
يا إلهي لا تترك توبقال بلا ملائكة
لا تتركه لصدى الحشرجة الأخيرة للويزا فيسترغر جيسبرسن
يا إلهي لا تترك توبقال بلا ملائكة
وإلا كيف سنتسلق الجبل بروح وابتسامة وبعض علب الذكريات
من صنع الأهل….؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/12/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *