ذبح السائحتين في الحوز: أفكار متواضعة حول «التوحش» المعزول

عبد الحميد جماهري

 

هل تسرعت القيادات السياسية والحكومية المغربية في وصف عملية الحوز بأنها عملية« معزولة» ولا تربطها رابطة عضوية بتنظيم الدولة الداعشي؟
يبدو تدقيق الوضع بحد ذاته، طريقة في فهم العملية برمتها، ومن ورائها التحولات التي يعرفها وجه الإرهاب في الوقت الحالي..
1 – بينت بلاغات وكيل الملك، التي تابعت العملية من بعد انتشار خبرها المروع، أن الأمر يتعلق بتخطيط، له عقله وأدواته وتوقيته:
* لقد سجل الأربعة الجزارون البشعون، فيديو أوليا، تم من خلاله إعلان هويتهم الإرهابية.. وأعلنوا فيه انتماءهم إلى المنظومة الإرهابية، بكل معاييرها وآفاقها وكارثيتها..وكان هذا الفيديو قد سبق العملية الإجرامية بأسبوع.
* لقد خرج الإرهابيون بعد ذلك، «للصيد»، بدون أن لم يكن لهم من الجهالة سوى المبدأ العام، أي ضرب الأجانب والغرب خصوصا، تحت مسمى الانتصار للاخوة في البلدة السورية التي تقبع فيها داعش.
وهو إعلان صريح للانتماء،إلى حيث يوجد التنظيم في آخر ساعاته بالشرق، وفي سوريا بالضبط باعتبار جنين المعقل الأخير لتنظيم الدولة..
* الحرص على تسجيل الجهالة والتوحش، بكل ثقة، وبعثه في ظرف وجيز، إلى العائلات ثم تعميمه على الباقي، وهو ما ينبئ بوجود شبكة داخل الشبكة العنكبوتية، التي كانت تنتظر الشريط ،كي تبثه وتوسعه وتوصله إلى الأهل، مع الثقة في إيصال رسالة الترويع بدون الحاجة إلى تسليم مباشر للتسجيل..
ومن هذا لا بد من القول إن الانتماء لم يعد بالشكل الذي تعودناه، بل هنا «تحرر» من الشكل التقليدي، إلى انتماء عام وهلامي إلى الكفرة.. وهو أرقى شكل ربما من سابقه، كما يتضح، وهو حلم كل التنظيمات السرية، بأن تكون الخلايا منفصلة عن بعضها، متشظية مترامية في الزمن والمكان، قادرة على نشر الرسائل المراد إيصالها
2 – حلقت شبكات التواصل مسارات خاصة ، لم تعد المعلومة فيها حكرا على الجهاز أو الأجهزة التي تصل إليها قبل غيرها.
فالفيديو، أي المعلومة، وصل في نفس اللحظة التي شاع فيها الخبر.
وآليات الاشتغال التي اختارتها (التوحش الكبير) تفرض السرعة والانتشار، لأن هذا هو الهدف الأصلي للعمليات الوحشية..
وهو الأفق الواسع لتنظيم داعش، أي توسيع دائرة من تصل إليه الرسالة البشعة، وتشجيع العمليات الذئبية المتفردة، بشكل يجعل كل مقتنع، هو بالضرورة رجل ميداني
ولا يستوجب ذلك، التصور التنظيمي الذي يحوله إلى جندي ينتظر بالذات اللحظة الدقيقة والأمر بالمباشر.
وبذلك تريد التنظيمات المتطرفة أن تأخذ المبادرة من رجال الأمن، وتكون هي صانعة الحدث والمتحكمة في نشر معلوماته، وضرب« التكتم» الذي يصاحب عمليات من هذا النوع.
وهو أمر يصعب أن تقوم به خلايا بدون تمثل جيد لأسلوب عمل التنظيم الأم..
3 – هناك ترابط زمني لا تخطئه العين وهو اختيار شهر دجنبر، كشهر للعمليات.. في كافة أنحاء تواجد الأعضاء المناصرين لتنظيم الدولة داعش..
ليس سرا أن هذا الشهر، الذي يرمز إلى احتفالات أعياد الميلاد من الشهور المفضلة لإعلان الجرائم، فقد كانت الجماعات المتطرفة في سبعينيات القرن الماضي، ( جماعات التكفير والهجرة ، والقاعدة في مصر وأوربا مثلا) ثم توالى هذا التقليد باستمرار يجمع تحت رايته كل المتطرفين الكارهين للآخر دينيا وإثنيا وثقافيا..
4 – لقد ظلت أجهزة الأمن، وعلى مدار السنة تعلن عن تفكيك الشبكات تلو الشبكات، والخلايا تلو الخلايا، وبهذا لم يعد من الحصيف والمنطقي إخراج الخلية الحالية من المنظومة العامة العاملة في الإرهاب.
وإلا فسنكون أمام تقسيم ظريف:
الخلية التي تم اكتشافها قبل انتقالها إلى الفعل الدموي، منظمة وتنتمي إلى تنظيم الإرهاب، والخلية التي تستطيع الإفلات من الطوق الأمني الصلب، فهي معزولة ولا صلة لها بالتنظيم… وبالتالي فإن مجهودنا يبذل حيث لا يجب!
هكذا اشتغال ربما يعيق فهمنا لتحولات الفكرة الإرهابية وعملها..
5 – ما بدأ باعتقال واحد، انتهى إلى أربعة ثم تسعة، ثم 11 فردا، وربما هناك بقية باقية: هل يعقل أن نقول إن هؤلاء كلهم معزولون، ولا رابط عضوي لهم، علما بأن منهم من كان في السجن بسبب انتمائه إلى خلايا 16 ماي، ويبدو وقد** أعلن بيعة جديدة ، وانتقل من تنظيم إلى آخر، ومنهم ربما من عاد من سوريا..نفسها.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/12/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *