في ندوة فكرية حول «سؤال الفلسفة»، احتضنتها مؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بخنيفرة، وتميزت بحضور لافت يتشكل من فاعلين في الحقل الجمعوي والتربوي والثقافي، وتلميذات وتلاميذ، التأمت خمس جمعيات، مساء السبت 15 دجنبر 2018، في تنظيمها تخليدا لليوم العالمي للفلسفة الذي استحدثه المؤتمر العام لليونسكو عام 2005 من أجل «تكريم التفكير الفلسفي في جميع أنحاء العالم» و»تعزيز النقاش الفلسفي واحترام التنوع وكرامة الإنسان، مع تسليط الضوء على مساهمة المعرفة الفلسفية في معالجة القضايا العالمية»، وقد تمت الندوة بتأطير الباحثين الاكاديميين، د. حسن منوزي ود. عبدالله الطني، وتقديم ذ. مصطفى تودي وتسيير ذ. جواد رضوان، كما تميزت بتفاعل ونقاش كبيرين من لدن الحضور.
الندوة التي تم تنظيمها من طرف فرع الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، جمعية الأنصار للثقافة، نادي إسمون نعاري، جمعية أجدير إيزوران وجمعية الأمل، تم رفع الستار عن أشغالها بكلمة ترحيبية تقدم بها ذ. مصطفى تودي باسم الجمعيات المنظمة،واضعا بها الحضور في مناسبة اللقاء الذي أضحى تقليدا سنويا بخنيفرة إلى حين بلغ نسخته العاشرة التي خصصت لـ «سؤال الفلسفة اليوم»،وهل يعتبر هم السؤال هما فئويا على أهل الحكمة دون غيرهم؟ ألا يتيح لنا يوم الفلسفة الفرصة لنطرح على أنفسنا الأسئلة التي غالبا ما تكون منسية؟، على حد مقدم الندوة.
أسئلة أخرى لم يفته طرحها من قبيل: ما هو الشيء الذي أهملنا التفكير فيه؟ وما هي المبادئ والقيم المشينة التي اعتدنا عليها والتي أضحت خبزنا وما يؤسس حياتنا وعلاقاتنا؟لم تتمنع إشاعة ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالةوالمساواة بيننا؟ لماذا استثمرنا العيش خارج التاريخ وعلى هامش الحضارة العالمية؟. أما مسير اللقاء، ذ. جواد رضوان، فلم يفته ولوج الندوة ببسط الاشكالات المطروحة على واقع الإنسان المعاصر، وما يفرضه ذلك على الفكر من ضرورة إعادة صياغة الذات والتساؤل حول ممكناته،في عالم منطقه الثابت يكمن في التغير الدائم، عالم الصنعة والمصنوع وإعادة تشكيل أبعاد الانسان الوجودية، حين أضحت إمكانات الوجود تفلت من قبضة الوعي والإرادة القصدية لتهوى في البرمجة.
من جهته، انطلق د. عبدالله الطني من وصف «سؤال الفلسفة» بعنوان وقضية في غاية التركيب والإشكال، وكيف أن مظهره يتعلق بما آل إليه الأمر من سؤال طاليس إلى سؤال نيتشه وما بعده، وجوهره يحيل على سؤال الفلسفة اليوم والمنبثق من انكسارات الوجود البشري، اقتصاديا واجتماعيا، والتي هي انكسارات مضطرة إلى الاستنجاد بالفلسفة لحلحلة انحباسها، في حين لم يفت المتدخل الإشارة لجانب المعنى في اللامعنى بالقول إن أسئلة الفلسفة وأسئلة الوقت قد ولدت وعاشت معا، ويتبادلان التأثير والتأثر.
في ذات السياق، تطرق د. الطني أيضا لما أسماه بسؤال الضبابية المفاهيمية حين أصبح الجميع يتكلمون بلغة واحدة، وهي لا تعني نفس الشيء، وما يؤدي إليه ذلك من التباس وضياع المعنى، الأمر الذي يستلزم الرهان على الفلسفة في ترتيب المعنى، داعيا إلى تصحيح المفاهيم من أجل إعادة السيادة للسؤال والقيم الفلسفية للعالم في كينونته ووجوده.
أما د. حسن منوزي فافتتح ورقته بالتأكيد بأن الاحتفال بالفلسفة هو احتفال بالإنسان الذي هو احتفال بالعقل الكوني، وحول محور «سؤال الفلسفة»، اختار تقسيمه بشرح»السؤال» في الفلسفة كمطلب أساسه التفاعل والجدلية بين الانسان في علاقته بالمجتمع، و»اليوم» هو مفهوم العصر وليس ما يعتقده الجميع بأنه يعني 24 ساعة، لكون الانسان يتحول مرحليا ومساريا، حيث حلل، بمعياره الفلسفي، مفهوم الزمن كموضوع ممتد بين الماضي والمستقبل، وأن الذي يتغير في العمق هو التجربة التي ينخرط فيها الانسان، كما عرج على سؤال الفلسفة من مرجعيات مغربية كسؤال أساسي مرتبط بالحداثة ومطروح على جبهات مختلفة، ابستمولوجية وذات طابع سياسي واجتماعي وتراثي.
وبعد عبوره على عدة إشكالات، مثل الحداثة والايمان والفكر الديني، وجواب إدغار موران على واقع الفلسفة في العالم، انتقل د. منوزي إلى ما أسماه ب «فقدان التوازن»، بالقول إن سؤال التوازن متجذر عميقا في التاريخ العربي مستشهدا بأفكار عدد من الفلاسفة بخصوص إعادة انتاج الفكر والتقليد وسبل تحويل المدرسة من تدريس المعرفة إلى تدريس الحداثة ومواجهة التحديات المعاصرة بعين العقل والمنطق والتحليل.
ندوة بخنيفرة تشخص راهن ورهان سؤال الفلسفة

الكاتب : أحمد بيضي
بتاريخ : 25/12/2018